رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د. محمد سلمان العببودي يكتب : الأمة العربية والأزواج الأربعة

 د. محمد سلمان العببودي
د. محمد سلمان العببودي

هناك مثل ضربه أحدهم على سبيل الفكاهة لا أحب ذكر تفاصيله، لكنه يوحي بأن العرب أصبحوا كالأرملة العجوز التي توالى عليها أربعة أزواج أو أكثر قضوا وطرهم منها.

واليوم هناك رجل ضعيف آخر يحاول فرض وصايته عليها دون أن تكون له وصاية. هذا واقع ويجب أن نعترف بواقعنا حتى نصلحه. فالزوج الأول هو الدولة العثمانية حتى عام 1922، وبعد أن عاثت فساداً في الوطن العربي - ويشهد تاريخ مصر والشام على ذلك - وجعلت عالمنا يتأخر أربعة قرون في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تتقدم صناعياً واقتصادياً، تم تطليقها رغماً عنها وقسمت إلى شطرين، تولت نصفها الأول بريطانيا ونصفها الثاني فرنسا.

وبعد أن كان القبضاي العثماني يتميز بشخصيته الاستبدادية وطمس معالم الزوجة وركنها في أحد زوايا الحرملك، كواحدة من محظياته، كانت شخصية الزوج البريطاني تتميز بالرومانسية الخافتة والهدوء والبرود العاطفي وعدم التدخل في شؤون الزوجة، اللهم إلا في ما يسد معدته الفارغة، في الوقت الذي لا يفكر في إطعامها .

ولا الاهتمام بها تاركاً إياها على حالها، فهو يفضل أن يترك زوجته تعيل نفسها بنفسها، كما يحصل عادة في المجتمع البريطاني. وهذا يدل على أن شخصية الدول المستعمرة مع الدول التي يتم استعمارها، تعكس ش خصية ذلك الشعب في بلده.

لذا، كانت فرنسا تمثل الزوج الذي أراد أن يحول الشطر الثاني من الزوجة التي تحت وصايته، إلى نسخة طبق الأصل منه في الثقافة والتفكير والتبعية، بينما ظل الشطر الأول كما هو عليه. وهذه واحدة من أسباب انفصام الشخصية في الأمة العربية، بسبب تعدد الأزواج. ولا يسعنا المكان هنا للحديث عن أزواج المسيار كإيطاليا وألمانيا، وما له من تبعات نفسية على شخصية الإنسان العربي.

والغريب في الأمر أن الزوجة ارتضت تعليمات الزوج الفرنسي، وصدقت الوهم بأن ثقافتها ولغتها وحضارتها الممتدة لأكثر من 1300 سنة، أدنى من ثقافة ولغة وحضارة المستعمر المهيمن، وسرعان ما تخلت الزوجة عن شخصيتها الأصيلة لكي ترقى إلى شخصية الثقافة الفرنسية، فأصبحت كالغراب الذي أراد أن يقلد مشية الطاووس فنسي مشيته.

فرنسا اكتفت بتغيير ثقافة الشعوب التي استعمرتها، أو بالأحرى احتلتها، لكنها رفضت أن تجعل منها شريكاً في التنمية والتقدم الصناعي، وحولتها بعد أن استنفدت مواردها إلى سوق استهلاكية لمنتجاتها. بمعنى آخر؛ تعاملت مع شطر الدول العربية التي استعمرتها وكأنها عشيقة أبت أن تعترف بها كزوجة شرعية. في الواقع فإن شكل علاقة فرنسا مع

مستعمراتها، كان وما زال منتشراً في المجتمع الفرنسي.

وقد تم توارثه منذ زمن بلاطات القصور الملكية التي امتلأت بحكايات وقصص العلاقات خارج عش الزوجية. ودفعت شعوب المغرب العربي ثمناً باهظاً للحصول على ورقة الطلاق الشهيرة، غير أنها ظلت خائفة من الفراغ الذي تركه الزوج الفرنسي، ولجأت إلى التمسك بذكرياته وعطوره وهداياه.

وفي هذه الأثناء برز متنافسان على الأمة العربية المنهكة من ثلاثة أزواج متتالين، يتميزان بعضلاتهما البارزة: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. ولكن نصيب الأولى منها كان أكبر، لأنها أقرب عاطفياً إلى قلبها من الروس الذين ظلوا يحومون غيرة وحسداً حول العراق وسوريا.

وحيث إن الدول تشيب كما يشيب الرجال، فقد أصاب الولايات المتحدة وروسيا الوهن والضعف، بحكم الزمن وبعض الممارسات الخاطئة، وبدأتا تخليان بيتهما لمن هو أكثر جرأة.

وحيث إن الزوجة المسكينة لم تتعلم بعد الاعتماد على نفسها، ولا تعرف كيف تعجن ولا تخبز، ولا كيف تحمي نفسها وأطفالها من أي تحرش خارجي، لذلك دائماً ما يتدخل الغرباء في شؤونها الداخلية.

وها هي اليوم فرنسا تخرج فجأة لتفرض شخصية الزوج المطلق على هذه الأمة العريقة، فبدأت بتجربة ناجحة في ليبيا، ثم حاولت فرض كلمتها في سوريا ولكنها لم تنجح لأن المعضلة أعقد من إمكانياتها، واليوم ترفع صوتها حول ما يحدث في السودان، رغم اتفاقنا على سوء النظام القائم، مع أن فرنسا عمرها ما عقدت قرانها على السودان!

الأمة العربية تحاول استيعاب ما يحدث حولها، لكنها غير قادرة على فهم شيء لانشغالها منذ سنتين بعمليات ترقيع في جميع أنحاء جسمها المترهل، على أيدي جراحين غير متخصصين.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية