رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أمجد عرار يكتب : مصر والعيش المشترك

أمجد عرار
أمجد عرار

عودة حنا القبطي إلى منزله في بلدة دلجا المصرية ليجده محترقاً ومسروقاً تعيد لأذهاننا قصة الصفوف الابتدائية منها قصّة “اضرب ابن الأكرمين”، ذلك الوالي على مصر الذي ضرب قبطياً هزمه في سباق . مشاهد الحرق والتدمير في دلجا غريبة تماماً على تاريخ مصر، فهي وإن كانت تشهد بين الحين والآخر بعض الإشكالات الطائفية، إلا أن هذه الإشكالات تبقى محدودة، وفي الأغلب تفجّرها أصابع فتنة أدواتها التعصّب الطائفي المقيت .

في زمن الفتنة المحقونة بالفتاوى، لم تستطع مصر أن تفلت من براثنه وإن قلّصت إلى الحد الأدنى مفاعيله، بحكمة الدولة والشعب واستحضار تاريخ طويل من التحضّر والوئام . دلجا كانت حالة خاصة حيث أرادها الموتورون المهووسون بالسلطة قاعدة ارتكاز لبث الفوضى في عموم مصر، كما كانت محاولتهم الفاشلة في كرداسة حيث 100 أسرة قبطية فرّت من منازلها محتمية لدى أقارب أو أصدقاء بل والبعض غادر إلى بلدات مجاورة على وقع التحريض المحموم والأصوات النشاز الداعية لتخريب مصر وإنهاك جيشها .

لكن حنا القبطي الذي ابتلي ب ابن أكرمين متجدد، وجد من ينتصر له، ذلك أنه احتمى في منزل صديق مسلم منحه الأمان وحقنه بالثقة واليقين . إن هذا الاحتضان هو المعبّر الحقيقي عن شيم أهل مصر، وليست تلك الحفنة الطارئة على التاريخ، فلا هي تمثّل حضارة مصر ولا سماحة الإسلام . ولم يعتبر صديقه أن ما فعله سوى القاعدة، ولو فعل خلاف ذلك لكان استثناء . لذلك فإنه يقول إن واجبه كمسلم أن يساعد المظلوم، لأن هذا ما تأمر به التعاليم السمحة .

ما من حقل في مصر إلا فيه بذور من مسلميها وأقباطها، في العلم والثقافة وكل أنواع الفنون، في الزرع والحصاد والبناء، وفي الشرطة والجيش . في كل حروب مصر مع أعدائها كان المصريون صفاً واحداً، ولن ينسى المؤرخون مشهد الشباب المسيحي وهو يحمي المصلين

المسلمين في ميدان التحرير في انتفاضة 25 يناير . لن ينجح التضليل مهما كانت عباءته، فالذي دعم الجيش في إعلان خارطة المستقبل، هي إرادة الملايين من المصريين، ولم يكن ظهور بطريرك الأقباط الأرثوذكس البابا تواضروس الثاني مع قائد الجيش مختلفاً عن ظهور شيخ الأزهر وقادة القوى السياسية في ما جسد الاستجابة لإرادة أغلبية الشعب المصري .

لم تكن الاتهامات لفئة بعينها سوى تعليق لعقدة الفشل على مشجب الطائفية التي جرى تسعيرها في عهد الرئيس المعزول على نحو مؤسف، وقد رأينا تجلياتها الكارثية في حادثة التنكيل في بلدة أبو النمرس التي كادت تتحوّل إلى بؤرة تنتشر منها نار الحقد الطائفي، وكذلك في نهب وإحراق عشرات الكنائس والمؤسسات المسيحية وغير المسيحية .

مشاهد التخريب في دلجا لا تغيّر في الصورة العامة شيئاً، سوى أن نقطة واحدة من الحبر تكفي لتلوين لترين من الماء، والسواد المحيط بنوافذ البيوت المحروقة تمثّل دواخل الموتورين، فهذا الشعب الذي يرى ما تفعل الفتن الطائفية بأشقائه القريبين والبعيدين، لن يسمح بأن تتحوّل تصدعات جدران البيوت إلى صدوع في جدار الوحدة الوطنية . البعض عبّر عن أمل بعودة التعايش إلى مصر، لكن المصريين يؤمنون بالعيش المشترك، وليس التعايش بين النقائض .
نقلا عن صحيفة الخليج