عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبد العزيز المقالح يكتب : مكتبة الأستاذ هيكل

عبد العزيز المقالح
عبد العزيز المقالح

لا أظن أن الذين اعتدوا على مكتبة الأستاذ محمد حسنين هيكل بما فيها من ذخيرة مخطوطة ومطبوعة ينتمون إلى أي صنف من أولئك الذين يقرأون أو يعرفون معنى الكتابة . وما هم في نظر الناس أجمعين إلاَّ أفراد من “البلاطجة”، وهو الوصف الذي يطلقه أشقاؤنا في مصر على نوع من البشر المنفلت والمتفلت من جميع القيم الأخلاقية والاجتماعية، نوع عدواني عاطل عن العمل يتحين لحظات الفوضى ليشارك فيها بكل ما امتلكته روحه المظلمة من حقد على الناس والأشياء . وهذا الصنف من البشر موجود في كل مكان ولا تخلو منه حتى الدول التي وصلت إلى حال مرموق من التطور والعدالة والاستقرار .

وهو يكشف عن الاختلالات الاجتماعية الظاهرة أو القائمة في المجتمعات عموماً، وإن كان وجودها في المجتمعات الفقيرة والمتخلفة أكثر وضوحاً وأشدّ استفزازاً . ومنذ أعوام قليلة رأيت بنفسي نماذج من “البلطجة” في إحدى التظاهرات التي قامت هنا ضد ارتفاع أسعار البنزين والغاز، وشاهدت كيف يتم تصاعد الانفعالات ويغيب الإحساس وتبدأ نوبة الاعتداء على السيارات والحافلات ويتجلى الانتقام في أسوأ حالاته وصوره، ومدى ما تتمتع به القوى العاطلة عقلاً وعملاً من قدرة مدهشة على التخريب والتدمير، لكنني لم أشهد ولم أقرأ أن هذه الفئات الضالة اتجهت إلى حرق المكتبات أو نهبها كما يحدث في العصور السابقة . حيث يحدثنا التاريخ عن مشاهد محزنة ومثيرة كان أهمها إحراق مكتبة الإسكندرية بكل ما ضمّته من كنوز المعرفة القديمة، وكان ذلك قبل دخول الإسلام إلى مصر بوقت طويل حسب المؤرخين الثقات . كما شهدت بغداد أضخم جريمة في حق الكتاب عندما ألقت جحافل التتار الغزاة بكنوز المعرفة الإسلامية والإنسانية في مياه نهر دجلة التي تحولت -حسب المؤرخين- إلى سواد فاحم . وما الذي كانت البشرية تنتظره من غزاة لا يفقهون من شؤون الحياة إلاّ القتل والتدمير وسفك الدماء؟

إن أسوأ الجبناء وأشدهم نذالة وجهلاً هم أولئك الذين يعتدون على الكتاب إما بإحراقه أو إغراقه، وجبنهم الشنيع يأتي من أن الكتاب لا يقاوم ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، ومقاومته تكمن في محتواه وفي الأفكار التي يحملها .

ولهذا، فإن ما حدث في التاريخ من جرائم ضد المكتبات والكتب، وما حدث أخيراً من عدوان على مكتبة الأستاذ محمد حسنين هيكل بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع مواقفه، يشكّل

عدواناً بشعاً على المعرفة وعلى القيم الأخلاقية والثقافية . ويزداد الألم تجاه تلك الواقعة الآثمة حين نعلم أن من بين الكتب المحترقة نسخة نادرة من القرآن الكريم لا يوجد منها في العالم سوى ثلاث نسخ فقط، النسخة المحترقة واحدة منها، كذلك نسخة نادرة وأصيلة من كتاب “وصف مصر” الشهير . والمعيب والمثير في آن، أن يحدث هذا في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وبعد أن وصلت الإنسانية المعاصرة إلى درجة لا بأس بها من التطور الفكري وتضاعف الاهتمام بالكتاب ودوره في إرساء معالم الحضارة والتعايش بين البشر حداً غير مسبوق .

ومن النافل القول إن هذا الذي حدث لمكتبة الأستاذ هيكل من شأنه أن يقدم انطباعاً سيئاً حول العالم عن الأمة العربية وعن الإنسان العربي الذي لا يزال يحبو في طريقه البدائي، وما سوف ينعكس عن تلك الواقعة المشينة على المستوى العالمي من تجذّر الانحدار والتخلف القائمين في الحياة العربية الراهنة، كما سيضاعف الخوف من اتساع دائرة الفوضى وإحالة المكتبات ودور العلم في الوطن العربي إلى مواقع للانتقام من الفكر ومن المخالفين في الرأي .

ومن هنا، فإن على المثقفين والمبدعين في الوطن العربي، وعلى كل وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، أن تدين واقعة الاعتداء على مكتبة الأستاذ هيكل وأن تجعل منها وصمة عار في جبين الواقع الذي أفرز من قاموا بها وأسهموا بفعلهم المخزي في تشويه الإنسان العربي وإظهاره في هذه الصورة المخجلة وما يرتبط بها في الأذهان من انحطاط في الفكر وإسفاف في الخصومة .
نقلا عن صحيفة الخليج