عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على سالم يكتب : فن قراءة المعجزة

على سالم
على سالم

هناك مساحات في آليات التفكير في العقل البشري يعجز العلم في معظم الأحيان عن إلقاء الضوء عليها. في هذه الحالة تتقدم الحكاية الشعبية والحدوتة لتتكفلا بهذه المهمة وسد هذه الفجوة لشرح ما قد يعجز العلم عن شرحه بغير تعقيد بحيث يصل إلى كل البشر.

معي لكم هذه المرة حدوتة شعبية مصرية، الحدوتة الشعبية تحكى عن «بغلة» تسمى بغلة العرش، يقول الرواة إنها تأتي قادمة من السماء في شهر رمضان المبارك، ويقال إنها تهبط في ليلة معينة لا أحد يعرفها، حاملة على ظهرها كنزا من الذهب والجواهر والأحجار الكريمة في جوال كبير.. تهبط على قرية صغيرة أو نجع فقير، تمشي في هدوء في أزقة القرية وحواريها المظلمة ثم تتوقف في عشوائية أمام أحد الأبواب، تدق عليه بحافرها في لطف فيفتح ساكن البيت ليرى من الطارق، إذا كان من الموعودين فسيدرك على الفور أن ما يراه أمامه هو بغلة العرش، وأن هذا الذي تحمله هو كنز، وأن هذا الكنز مرسل إليه، وأن ما حدث له هو بالضبط ما يسميه الناس المعجزة. على الفور يرحب بالبغلة ويعاملها بلطف، ويأخذ الكنز من عليها فترحل مختفية في ظلام القرية.
هذه الحدوتة حكاها لي روائي فلاح أصيل هو خيري شلبي رحمه الله. هذا الشخص الذي ذهبت إليه البغلة يستحق الكنز لأنه كان قادرا على إدراك المعجزة وتلقيها. بالتأكيد لديه معرفة سابقة بحدوتة بغلة العرش، وربما بكل حواديت الفلاحين، غير أنه بالقطع كان موعودا لأنه كان قادرا على قراءة المعجزة. هذا هو - على ما أتصور - ما أراد الأجداد أن يقولوه، هذه هي رسالتهم لنا. ولكن لنفرض أن البغلة طرقت باب شخص عاجز عن

إدراك المعجزة؟ ليس من الصعب تصور ما كان سيحدث، سيطردها بعيدا بغضب فتذهب لآخر يستحق المعجزة. الآخر هنا، قد يكون شخصا أو جماعة أو شعبا.
علينا أن نتقبل في شجاعة وهدوء حقيقة مؤلمة، هي أن الناس يضيعون وقتا طويلا قبل أن يتعلموا القراءة. الناس معجزات تمشي على الأرض، وعلينا أن نحترم هذه المعجزات. الحياة اليومية لكل مخلوق معجزة، وعلينا أن نحافظ على كل هذه المعجزات.
إنني أعجب من هؤلاء العاجزين عن إدراك المعجزة في أنفسهم وفي كل لحظة تمر بنا من لحظات الحياة. أنا شخصيا على وعي كامل بأنني أعيش في كون امتلأ بالمعجزات وأنها تملأني وتملأ حياتي، بالتدريب الشاق الطويل، أزعم أنني اكتسبت القدرة على قراءة المعجزة، أزعم أنني قادر على التعرف على بغلة العرش عندما تطرق بابي، وأستطيع طوال الوقت أن أمد يدي وأمسك بالكنز الذي تحمله ثم أقوم بتخزينه في عقلي وقلبي. مشكلتي هي أنني أسكن في الدور الخامس، وبواب العمارة شخص جلف لن يسمح للبغلة بركوب الأسانسير، ترى هل تستطيع البغال صعود السلالم؟ نعم.. بغال الحواديت بالتحديد تستطيع.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط