عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أمجد عرار يكتب : محاذير الخارطة الجديدة

أمجد عرار
أمجد عرار

خارطة “الشرق الأوسط الجديد” التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يوم الاثنين، وتظهر فيها خمس دول عربية مقسّمة إلى أربع عشرة دولة، تتقاطع إلى حد كبير مع الضوء الأحمر الذي أشعله الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل قبل ما يقارب السنة، حين حذّر من “سايكس بيكو” جديد يحضّر للعالم العربي . ولأن التاريخ لا يعيد نفسه مستنسخاً بل بنسخة محدّثة، فإن التقسيم المقصود يستند إلى أساس طائفي ومذهبي وعرقي وليس جغرافياً، لكن النوعين يتقاطعان في أن كليهما يخدمان أطماعاً استعمارية قديمة - جديدة لا يحتاج المرء لجهد كبير كي يرى ويلمس مؤشّراتها في سياسة أصحاب النزعات الاستعمارية .

المخططات الخارجية، كأية عوامل موضوعية، تشترط وجود أدوات داخلية، أو عوامل ذاتية، كي تسلك سكّة التنفيذ، وهذه الأدوات أو العوامل الذاتية متوفّرة وشديدة الوضوح، وقد شهدنا بعضها يعلن نواياه التقسيمية سواء في ليبيا أو العراق أو سوريا، ما ينسجم تماماً مع ما يجري الحديث عنه من تقسيمات على أساس طائفي ومذهبي وعرقي . وإذا كان تعاطي السياسيين والمثقفين العرب مع هذه المحاذير لا يرتقي إلى مستوى الأخطار، فذاك لأن الرؤية الموضوعية لما يجري مذابة في التجاذبات السياسية واختزال المشهد العربي المصيري برمته بثنائية بلهاء اسمها “مع أو ضد” هذا النظام أو تلك المعارضة، وعدم التفكير بالأوطان والشعوب، حاضراً ومستقبلاً .

نتذكّر الفترة التي سبقت تقسيم السودان، كانت التحذيرات تؤخذ باستخفاف شديد، وكان هناك من يجرف التحليل، قصداً أو بغير قصد، عن جوهر الموضوع المتعلّق بمصير بلد عربي، إلى تناول مظاهر جانبية، وإن كانت صحيحة بمجملها . لكن في النهاية تقع الفؤوس على رؤوس الأوطان، وليس فقط الحكومات والأنظمة .

على مدى التاريخ، كانت المخططات الخارجية تحتاج، إضافة للأدوات وكجزء من العامل الذاتي، إلى بيئة فكرية وذهنية تسّهل التمرير وتضعف أي محاولات للمقاومة أو الإعاقة . ومن يشاهد الحالة الفكرية الذهنية في

الساحتين العربية والإسلامية، سيجد حمى غير مسبوقة للدين السياسي، حيث يجري تحويل الحرب من مواجهة مع مستعمرين ومحتلين، إلى معارك بين طوائف ومذاهب وعرقيات، وتأخذ في أغلبية المشاهد ثوب صراع بين إيمان وكفر، مع دفن مقصود للمرجعيات الفكرية والعقيدية التي كانت دائماً معياراً للأحكام . وإحلال، بدلاً منها، مرجعيات شخصية أو حزبية يراد لها أن تكون الآمر الناهي وصاحبة القول الفصل في الحكم على استمرار حياة إنسان أو إنهائها، بحيث لم نعد نسمع أي استناد لكتاب سماوي بل إلى فلان وعلان من المفتين السياسيين من أنصار “املأ فمه ذهباً” .

هذا المشهد يروق لمن يريدون من خلاله رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، وإعادة تشكيل التحالفات والتحديات الأمنية بما يخدم مصالح اقتصادية وسياسية تفرضها التبدلات في موازين القوى الدولية، وصعود قوى جديدة إلى القمة النافذة .

إذا لم ينتبه العرب للمياه المنسابة تحت أقدامهم، ستكون الصورة أكثر مأساوية مما نجم عن معاهدة “سايكس بيكو” .

الثابت الوحيد والشيء غير الجديد في الخارطة المتداولة أنه رغم الظهور المفترض لتسع دول عربية جديدة، أنه ليس بينها دولة فلسطينية، في حين تبقى “إسرائيل” محور الاهتمام والهدف، مع التذكير أن هذا المشهد ليس حتمياً، وإفشاله وارد .
نقلا عن صحيفة الخليج :