رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بكر عويضة يكتب : الفرصة الضائعة.. هل توفرت فعلا؟

بكر عويضة
بكر عويضة


الخميس 27 ذو القعدة 1434 هـ - 03 أكتوبر 2013 مـ

الخميس الماضي نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن «سما» الفلسطينية تصريحا للسيد موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، تضمن التالي: «غزة كانت مشمولة في اتفاق كامب ديفيد وكانت حينئذ فرصة لتحرير غزة مع سيناء»، معربا عن أسفه لضياع هذه الفرصة، حسب الوكالة. تابع قائلا: «لو كان الأمر حدث، لكانت غزة الآن محررة وتحت الإدارة المصرية كما كانت سابقا».
ذلك كلام مهم من جوانب عدة. بداية، أن يقول أبو مرزوق بشمول اتفاق كامب ديفيد بندا ينص على انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، بما يمكن الحكم المصري من العودة لإدارته، كما كان الحال حتى حرب الخامس من يونيو (حزيران) 1967، هو قول يحتاج إلى شيء من التثبت، الأمر الذي حفزني للرجوع إلى نص الاتفاق، فلم أجد سندا لما ذهب إليه أبو مرزوق، سوى أن نص المقدمة يتضمن إشارة إلى قراري مجلس الأمن 242 و338، ومن ثم فإن الطرفين المصري والإسرائيلي يذكران بأن إطار الاتفاقية المتفق عليه في كامب ديفيد بتاريخ 17 سبتمبر (أيلول) 1978 «قصد به أن يكون أساسا للسلام ليس بين مصر وإسرائيل فحسب، بل أيضا بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب - كل فيما يخصه ممن يكون على استعداد للتفاوض من أجل السلام معها على هذا الأساس». أما بنود الاتفاق الخاص بالدولتين فتضمنت إشارة صريحة واحدة لقطاع غزة وردت في المادة الثانية على النحو التالي: «إن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني، وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة»، فهل يمكن الربط بين جملة «دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة»، وبين ما ورد في البند الثاني من المادة الأولى لاتفاق كامب ديفيد الذي نص على التالي: «تسحب إسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، كما هو وارد بالبروتوكول الملحق بهذه المعاهدة (الملحق الأول)، وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء»، لاستنتاج أن قطاع غزة مشمول بالانسحاب الإسرائيلي؟ لست خبيرا في النصوص القانونية، لكن الأرجح أن الجواب واضح، فاستئناف «السيادة المصرية الكاملة» يخص سيناء، ولم يشمل قطاع غزة. أين هي إذن فرصة عودة غزة إلى الإدارة المصرية، التي كانت متاحة بموجب اتفاق كامب ديفيد، لكنها ضاعت؟
رغم أنني أشك في توفر تلك الفرصة، يجب القول إن بروتوكولات وملاحق الاتفاقية قد تتضمن ما يعزز ما ذهب إليه السيد موسى أبو مرزوق. على كل حال، ذكرني كلام مسؤول حماس بحقيقة أن حديث «الفرص الضائعة» أقدم من اتفاق كامب ديفيد، وكذلك بحقيقة تباين المواقف إزاء تعريف «الفرصة» ذاته. على سبيل المثال، من موقع المتعاطف مع الموقف العربي – الفلسطيني في التعامل مع العناد الإسرائيلي، كان الكاتب البريطاني الراحل بيتر مانسفيلد يبدو شديد الأسف إزاء «الفرص التي ضاعت»، ما يدفعني للتخفيف عنه، لكنه لم يكن يقتنع بسهولة، فيصر على القول: «لكنكم يا عزيزي لا تضيعون فرصة لتضييع فرصة».
لماذا؟ الجواب - وليس عند صديقي مانسفيلد فقط – هو باختصار وبساطة، لأن أساس العمل السياسي هو المناورة، وهذه تعني حرية الحركة، أي نقيض الجمود من منطلق رفض أي إخلال بمبادئ وعقائد ثابتة. في هذا السياق، وفي الشأن الفلسطيني على وجه الخصوص، كثيرا ما ضربت أمثال ذات جذور تضرب بعيدا في عمق التاريخ، بما في ذلك تعامل رسل وأنبياء مع خصومهم، للتدليل على إمكانية التراجع في لحظة ما لإحراز التقدم في وقت لاحق.
مع ذلك، تبدو القضية الفلسطينية ذات خصوصية تكاد تكون فريدة في نوعها عندما يتعلق الأمر بتعامل أطرافها معها، وتعاملهم بعضهم مع بعض، وبالتالي تنسحب تلك الخصوصية على

مسألة «الفرص»، هل توفرت بالفعل وضاعت، أم أن المسألة أكثر تشابكا وتعقيدا مما تبدو للمراقبين عن بعد؟
في إطار ضرب الأمثلة، صار من السهل فور وقوع هزيمة يونيو 1967 القول ما معناه: لماذا لم يستمع العرب جيدا للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، عندما دعا إلى القبول بقرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947؟ تكرر ترديد مثل هذا التساؤل التوبيخي، ولا يزال، من منطلق يعتبر بشيء من التأكد غير المستند إلى أي دليل، أن اقتراح المجاهد الأكبر شكل فرصة ضاعت هي أيضا.
في الواقع، ثمة فرق كبير بين خطاب يلقى، أو تصريح يطلق، لجس نبض الشارع، وبين توجه استراتيجي يريد بالفعل ممارسة العمل السياسي بذكاء ومرونة يحولان دون إضاعة أي فرصة تفيد، كما هو الحال مع القضية الفلسطينية. هنا يمكن التساؤل عما إذا كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أضاعت وقتا، حتى لا نقول فرصا، فقط لمجرد الإصرار على ما اعتبر استقلالية القرار الفلسطيني.
بالطبع، كان تأسيس المنظمة في حد ذاته بمثابة إعلان استقلال مؤقت للشعب الفلسطيني المشتت في مخيمات التهجير. لكن واقع الشتات هو أيضا كان، ولا يزال، ينعكس سلبا على تلك الاستقلالية. هذا أمر نتج عنه دور فلسطيني تداخل مع أوضاع عربية عدة، مما تسبب بغير أزمة فلسطينية مع أكثر من طرف عربي، وعلى نحو أضر كثيرا. وفي هذا السياق، فإن فرضية تقول إن تعجل المنظمة في انتزاع صفة «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني» من قمة الرباط (أكتوبر/ تشرين الأول 1974) أضاع فرصة تمكين كل من الأردن ومصر من فرض إعادة الضفة الغربية وقطاع غزة إلى وضع كل منهما قبل حرب 1967 - تحتل مكانة معتبرة في أوساط مختلفة، ومن دون أن يقلل ذلك من أهمية ما حققته المنظمة، نتيجة لقرار القمة ذاك، من اعتراف الدولي بكينونتها السياسية وفر لها حضورا سياسيا مهما عزز صفتها النضالية.
كل ذلك بعض من ماض تولى، إنما لعل ما قاله موسى أبو مرزوق عن «الفرصة الضائعة»، يفيد لجهة عدم إضاعة أي فرصة لإنهاء حالة الريبة الأمنية السائدة الآن في مصر تجاه قطاع غزة، والتي يدفع ثمنها الباهظ الناس. وبالطبع، لن يتأتى ذلك من دون التمسك بكل فرصة متاحة لإعادة الوضع الفلسطيني ذاته إلى حاله الطبيعي، فهل هذا ممكن؟ الجواب لدى قيادتي حماس وفتح، وهو بالتأكيد يتأثر بمدى قدرة كل منهما على مواجهة تأثير تحالفاته على قراره، بحيث لا يضيع فرصة المصالحة الفلسطينية لمصلحة أطراف خارجية.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط