أمينة أبو شهاب تكتب : حيث تلتقي مصر بسوريا
مصر ما بعد الثلاثين من يونيو والتي عاشت صراع وجود عنيفاً يرتبط ببقاء الدولة الوطنية أو احتمالية انهيارها وإحراقها بمؤسساتها، ومصر التي لا تزال تخوض حرب استنزاف يومية إخوانية ليست هي ما قبله بالنسبة لسوريا، خاصة وأن الضربة العسكرية الأمريكية والغربية هي قادمة لا محالة . هذه الضربة تعلن عن نفسها بالإشارات العراقية والليبية ذاتها ألا وهي “تأديب” النظام الحاكم و”معاقبته” تمهيداً لإسقاطه .
هنالك فرق كبير أصبح معروفا بين هذا التأديب والإضعاف للانظمة الديكتاتورية وما تسوقه في هذا السبيل الأهداف الأمريكية والغربية المعلنة والسابقة لحملاتها العسكرية في أجزاء من المنطقة العربية وبين حقيقة الأهداف ومراميها التي تخدم الحليف “الإسرائيلي” . أن تتخفى الأهداف الاستعمارية في ثياب الحروب على الأنظمة هو أمر تأطرت عليه عقول عربية بواسطة الإعلام وسلاح الدين المرتد على الشعوب ما دام يمكن امتشاقه لصالح الحملات العسكرية الغربية . إن الشعوب هي الخاسرة في النهاية وليست الأنظمة .
لقد خلف التدخل العسكري الغربي في العراق وليبيا فراغاً هائلاً في غياب الدولة الوطنية بما له من أثر في اللحمة والوجود المجتمعي ككيان كلي متعايش ومتحد في إطارها . أما النتيجة الكارثية الأخرى فهي افتقاد الكيان السياسي العربي بخسران الجيش العراقي بعد تدميره لقوة تحميه إزاء تسلط القوى الإقليمية الثلاث عليه وهي “إسرائيل” وتركيا وإيران .
الشهية الأمريكية هي غالبة ولا يلجمها شيء لحرب أخرى للمكسب “الإسرائيلي” ذاته . وبإزاء هذا، فإن المصريين يتعظون هذه المرة في موقفهم من الأزمة السورية من تجربة صراعهم لإعادة الدولة للحياة وتشغيل وظائفها وحمايتها من السقوط على يد الإخوان . إنهم يستوحون في تحديد موقفهم من التدخل العسكري في سوريا الغضب الغربي اللامبرر من عودة الدولة المصرية والجهد المصري الجماعي لاستعادة الالتحام الوطني وعواطفه ورمزياته حول هذه الدولة الوطنية وكيانها . يحاول الغرب جهده تعطيل المشروع الوطني المصري في العودة بالدولة إلى الحضور والنهوض بكل ما أوتي من قوة ومن نفوذ دبلوماسي سياسي وإعلامي واقتصادي، وذلك يداً بيد مع جماعة الإخوان التي تحاول استنزاف الدولة وإسقاطها على المستوى اليومي من خلال التعطيل للاقتصاد وسير الحياة الطبيعية . الاتفاق والتواطؤ أصبح لا يخفى بين الإخوان والغرب حول نقطة الدولة الوطنية وعدم استمراريتها .
إن الشكوى من التدخل الخارجي هي حاضرة ومرة دائماً على لسان المسؤولين المصريين من متحدثين رسميين وقادة سياسيين وعلى رأسهم أخيراً الرئيس المؤقت عدلي منصور الذي أشار إلى هذا التدخل الخارجي، وعبّر عن الضيق المصري الشديد بوكلائه الإقليميين من مثل قطر وتركيا . صراع الداخل المصري الشرس والعنيف يكاد يتعادل مع الحملة من الخارج في شدتها وحملتها الإعلامية والتقائها مع هدف كسر الجيش المصري وزعزعة الوضع القائم مابعد خروج الشعب المصري في مظاهرات الثلاثين من يونيو التي أزاحت مرسي وجماعته من الحكم .
لقد تطور وتبلور وعي مصري عام نتيجة الصراع من الإخوان، ودعم الغرب لهم تجاه سوريا تجاوز النخب والدوائر السياسية الصغيرة ليشمل الأحزاب السياسية وقطاعات كبيرة من
مع اقتراب توجيه الضربة الأمريكية الغربية إلى الجيش السوري تتجلى الحقيقة الاستراتيجية المتمثلة في أن الجيش المصري هو آخر الجيوش العربية الباقية، حيث هو كذلك في الوقت نفسه موضوع هجمة إعلامية مستمرة من الإعلام الخارجي ومن القناة العربية التي تخصصت في التهيئة للعدوان الخارجي على دول عربية أصابها هذا العدوان بالفعل وهي “قناة الجزيرة” .
الحقيقة الاستراتيجية الأخرى البارزة مصريّا في ما قبل شن العدوان على مصر هي أن سوريا هي العمق والامتداد لمصر وأمنها . هنالك تشكك مصري شرعي في أن ضرب سوريا مقصود به مصر في النهاية وذلك بعد إقصاء الإخوان وإخراجهم من سلطة الحكم وإنهاء مخططهم في إفشال الدولة الوطنية، ومن هنا فإن تسريع الهجوم على سوريا قد يكون نتيجة لتحرك الشعب والجيش المصري للوحدة حول كيان الدولة .
تلتقي مصر مع سوريا في صورة وقائع سياسية تصب في المآل العربي والخارطة الحاضرة وتقرؤها مصر بأعين مفتوحة حذرة ومتحسبة .