رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

جلال عارف يكتب : في مواجهة الإرهاب.. الأمن وحده لا يكفي

بوابة الوفد الإلكترونية

بينما تواصل مصر حربها ضد الإرهاب الذي ما زال ينشط في سيناء، ويعبث بالأمن في كل أنحاء مصر، وخاصة في مدن الصعيد.. لا ينقطع الجدل حول مصير جماعة "الإخوان"! وفي حين يقبع مرشد الجماعة وجزء كبير من قياداتها في السجن وتتم مطاردة الآخرين، تتوالى "المبادرات" التي تتحدث عن "حل سياسي".

ويحاول "الإخوان" وحلفاؤهم إشعال الموقف في الشارع.. ليس بأمل استعادة الحكم الذي يعرفون أنه أصبح مستحيلاً، ولكن للاحتفاظ بأوراق ضغط لإنقاذ الجماعة من الحل، أو من احتمال اعتبارها قانونيا "جماعة إرهابية"، بكل الآثار التي تترتب على ذلك.
وبينما تتصاعد الدعوة لحظر نشاط الجماعة والحزب التابع لها، فإن مبادرات عديدة تتوالى بحثاً عن حلول سياسية. وفي البرنامج الذي أعلنته حكومة الببلاوي لـ"حماية المسار الديمقراطي"، تركت باباً موارباً حيث أكدت على مشاركة "الجميع" في العملية السياسية دون إقصاء.
المشكلة الحقيقية أمام الجماعة ليست الحظر القانوني الذي تحاول تفاديه، ولكنه في العداء الشعبي الذي لم تواجه مثله يوماً. لقد واجهت قبل ذلك العديد من الأنظمة، لكنها هذه المرة تواجه الشعب الذي خرج في 30 يونيو ليسقط حكمها، والذي لم يكن يهتف بسقوط رئيس الجمهورية يومها، بل بسقوط حكم المرشد!
في المقابل، فإن المشكلة أمام المجتمع أكبر من الحظر القانوني للجماعة وحزبها، أو محاكمة المتورطين من قياداتها. المشكلة في آلاف الأعضاء الذين استطاعت الجماعة تجنيدهم باستخدام الدين، وفي الفكر التكفيري المتطرف الذي سيطر على الجماعة، وانتقل منها إلى جماعات أخرى تجاوزتها في التطرف والإرهاب.
قد تكون المواجهة الأمنية ضرورية في هذه المرحلة التي تمارس فيها الجماعة وحلفاؤها العنف والإرهاب وتحاول حرق مصر بأكملها، لكن المواجهة الأمنية لن تكفي في النهاية، وسيكون ضروريا الدخول في مواجهة شاملة لكل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بجانب المواجهة الثقافية لهذا الفكر المدمر.
في خمسينات وستينات القرن الماضي، لم تنهزم الجماعة بسبب المواجهة الأمنية بعد محاولتها اغتيال عبد الناصر، وإنما لأنها واجهت مشروعاً وطنياً وقومياً التفت حوله الجماهير لأنه انحاز للاستقلال الوطني ولعروبة مصر، وأنجز الكثير على طريق العدالة الاجتماعية، بالإصلاح الزراعي، وحقوق العمال، والتعليم والصحة المجانيين، كما أنجز الكثير على طريق بناء الدولة الحديثة بالعلم والتصنيع.
لكن تراجع المشروع الوطني هيأ الفرصة لصعود قيادات التطرف والاتجار بالدين، وإذا كانت هناك أطراف خارجية دعمت وشجعت، فإن الظروف الداخلية هي التي خلقت المناخ الذي نمت فيه هذه التيارات، وانتشرت فيه هذه الأفكار..
المواجهة الشاملة للإرهاب ستستغرق وقتاً وتستدعي جهدا، ولكن البدء فيها فورا ضرورة وطنية.
الجانب الاقتصادي والاجتماعي صعب بعد الظروف التي مرت بها مصر، حيث تضاعفت نسبة البطالة وبلغ معدل الفقر 25%، لكن الإمكانيات التي تملكها مصر، بالإضافة إلى المساعدات العربية، يمكن أن توفر بداية جيدة إذا استقرت الأوضاع الأمنية.
المواجهة الثقافية والفكرية تبدأ بإصلاح جذري في التعليم، ليواكب العصر ويعتمد على العقل وينشر قيم الحرية والتسامح. أتذكر هنا أننا قبل سنوات، وخلال تواجدي في المجلس القومي لحقوق الإنسان، كنا قد بدأنا برنامجاً طموحاً لمراجعة كل مناهج التعليم، وإبعادها عن مناخ الجمود والتعصب ونشر الكراهية، وقطعنا شوطاً كبيراً في هذا المجال.
توقف ذلك بالطبع، وسار الأمر ـ في ظل حكم الإخوان - في الاتجاه المعاكس.

وقال وزير التعليم إنهم استطاعوا خلال عام حكمهم، الإجهاز على 20% من العملية التعليمية، وأعادونا للخلف أعواماً!
إصلاح التعليم يرتبط أيضاً بمناخ ثقافي يطلق حرية الفكر والإبداع، والأهم أن يتيح الثقافة للجميع، وأن يعيد الروح إلى قصور الثقافة في المدن الصغيرة والأرياف، والتي تحولت في السنوات الأخيرة إلى مراكز مهجورة أو محاصرة من أعداء الثقافة والفنون وجماعات التطرف والجمود. ويرتبط ذلك أيضاً بتحرير منابر المساجد من قبضة التطرف والتشدد.
ومساندة الأزهر الشريف، ليس فقط لمواجهة هذا الفكر المتطرف بخطاب ديني وسطي معتدل، وإنما أيضاً بتجديد الفكر الديني الذي أصابه الكثير من الجمود. المواجهة الشاملة لفكر الإرهاب ضرورة وطنية، وهي لن تتم إلا في ظل رؤية متكاملة تجمع الكل حول مشروع بناء الدولة الحديثة المتقدمة، التي تحقق أهداف الثورة في الحرية والعدل والكرامة، والتي تتمسك بالاستقلال الوطني، وبمدنية الدولة التي لا تفرق بين مواطنيها.
المواجهة الشاملة عملية مستمرة، والجانب الثقافي والفكري منها هو الأصعب. لكن مصر تملك قاعدة ثقافية قادرة على المواجهة وعلى الانتصار، ولعل تجربة العامين الماضيين تثبت ذلك. فقد توجه "الإخوان" نحو هذا الجانب الهام من معركتهم في سبيل "التمكين".
واعتبروا الهيمنة على التعليم والاعلام والثقافة ومنابر المساجد هدفاً استراتيجيا لهم. لكنهم لم يدركوا أنهم استثاروا قدرات المقاومة لدى ثقافة مصر، بكل تراكماتها الحضارية منذ عهد الفراعنة حتى اليوم، وبكل انفتاحها على العالم وتمسكها ـ في نفس الوقت - بهويتها العربية التي حاول "الإخوان" طمسها ليزرعوا بدلا منها مشروعهم الذي يقود مصر على طريق الانهيار!
وتبقى ملاحظة.. قبل سقوط حكم الإخوان بأيام قام وزير ثقافتهم القادم من المجهول، بإلغاء جوائز الدولة في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية لهذا العام بعد أن قرأ لائحة المرشحين. وفي الأسبوع الماضي كانت مصر ـ وسط الأحداث المتلاحقة ـ تحتفل بالفائزين بجوائز هذا العام، وهم باقة كبيرة من المبدعين والمفكرين وجزء عزيز من روح مصر، وتجسيد حقيقي لثقافة قادرة على الصمود وعلى التجدد، وقادرة على أن تظل ـ كما كانت دائماً - مصابيح مضيئة في معارك الحرية والاستنارة، تحارب الإرهاب وتطارد خفافيش الظلام!