رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد السعيد ادريس يكتب : خيارات الحرب على سوريا

بوابة الوفد الإلكترونية

بات مؤكداً أن روسيا والصين لن تقبلا بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي يتيح للولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة توجيه ضربات عسكرية ضد الجيش السوري بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على نحو ما يرمي مشروع القرار البريطاني قبل أن تنسحب لندن من التحالف الذي عرض على مجلس الأمن للمناقشة مرتين

وفي المرتين قرر مندوبا روسيا والصين الانسحاب من قاعة المجلس في إشارة إلى رفض القبول بمثل هذا المشروع . والنتيجة لهذا الموقف الروسي - الصيني لن تخرج عن احتمالين، إما اضطرار الولايات المتحدة وحلفائها القيام بالضربة التي يريدونها على النحو الذي يقررونه من دون التزام بقرار يصدر عن مجلس الأمن بكل ما يعنيه ذلك من تجاوز صارخ لميثاق الأمم المتحدة واعتداء على القانون الدولي والاتفاقات والمعاهدات الدولية، وإما التراجع كلية عن خيار “الضربة العسكرية” والبحث عن بدائل أخرى لمعاقبة النظام السوري من منطلق الاقتناع بمسؤولية النظام، دون غيره من فصائل المعارضة، عن ارتكاب جريمة استخدام أسلحة كيميائية يوم 22 أغسطس/ آب الفائت في غوطة دمشق، خصوصاً بعد أن حسمت بريطانيا موقفها في مجلس العموم وعدم المشاركة في أي عمل عسكري، ما وضع التحالف الذي تقوده أمريكا في مأزق .

الموقف الروسي  الصيني الرافض للتعجل في إصدار قرار من مجلس الأمن بتوجيه ضربة عسكرية ضد الجيش السوري مبعثه أولاً رفض استباق نتائج اللجنة الدولية المكلفة من الأمم المتحدة بتقصي الحقائق حول استخدام أسلحة كيميائية في سوريا يوم 22 أغسطس/ آب الفائت ومسؤولية النظام السوري من عدمها عن ارتكاب هذه الجريمة، ومبعثه ثانياً، وهذا هو الأهم وجود قرائن تؤكد أن بعض فصائل المعارضة السورية هي من ارتكب هذه الجريمة لدوافع عديدة أبرزها توريط الولايات المتحدة والغرب عموماً بالتدخل كطرف مباشر في الأزمة السورية ضد النظام في محاولة يائسة لإعادة التوازن في القوة الذي أضحى شديد الاختلال لمصلحة النظام، وهو الاختلال الذي يستحيل معه الذهاب إلى “موتمر جنيف-2” لمنع النظام من فرض شروطه السياسية لتسوية الأزمة استناداً إلى حقائق القوة الفعلية على الأرض .

تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه “لا يوجد دليل على أن النظام السوري هو من استخدم أسلحة كيميائية ضد المعارضة” في محادثة مع رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون لم يأت من فراغ، فالروس يؤكدون أنهم يملكون وثائق وأدلة حول الجهة التي استخدمت السلاح الكيميائي، وأبلغوا نظراءهم في مجلس الأمن: “نملك وثائق وأدلة سنزودكم بها، وإذا كان هناك من يشكك فيها فلننتظر نتائج التحقيق، ثمة مجموعات من المعارضة السورية أطلقت السلاح الكيميائي من منطقة دوما رداً على نجاح قوات النظام في تحقيق اختراق استراتيجي وكبير جداً عند مدخل دمشق الجنوبي” .

هذه القناعة الروسية تتفق مع معلومات تناقلتها بعض المصادر الإعلامية تقول إن الأسلحة الكيميائية لم تعد تقتصر في وجودها على الجيش السوري، وإنما أصبحت بحوزة فصائل مسلحة متشددة، بعضها توعد صراحة باستخدامها كما ثبت في بيان زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني، وتوعده يوم 25 أغسطس/ آب الفائت صراحة باستخدامها رداً على مجزرة الغوطة بالسبل ذاتها . في الوقت ذاته نقل موقع “الخبر برس” السوري عن دبلوماسي سوري أن دمشق تمتلك صوراً أخذت عبر الأقمار الصناعية تظهر أن إطلاق الصواريخ الكيميائية تم من مناطق المعارضة .

الرئيس السوري بشار الأسد بدوره قدم رؤية مناقضة للاتهامات الأمريكية والغربية، وقال في لقاء مع صحيفة “أزفستيا” الروسية إن ما يساق من اتهامات للنظام السوري باستخدام أسلحة كيميائية “تخالف العقل والمنطق، لذلك فإن هذه الاتهامات هي اتهامات مُسيّسة بالمطلق”، موضحاً أنه “ليس هناك جهة في العالم، فما بالك بدولة عظمى، تطلق اتهامات ثم تقوم بجمع الأدلة عليها”، وتساءل: “هل تستخدم أي دولة أسلحة كيميائية أو أي أسلحة دمار شامل أخرى في مكان تتركز فيه قواتها؟” .

هذا التفنيد الروسي  السوري للاتهامات الأمريكية  الأوروبية يشكّل قناعة لدى حلفاء دمشق: روسيا وإيران والصين، ويكشف أن الفيتو الروسي  الصيني المزدوج أضحى هو الآخر مؤكداً في حالة الإصرار الأمريكي  البريطاني على استباق إعلان نتائج تحقيق بعثة تقصي الحقائق وإصدار قرار بالحرب على سوريا، لذلك لم يعد أمام واشنطن من خيارات إلا انتظار نتائج تحقيق بعثة تقصي الحقائق أو استباق هذه النتائج والمبادرة إلى شن حرب تراها واشنطن و”تل أبيب” ضرورية .

مسار تطور الأحداث يكشف أن خيار الحرب بات ضرورياً، وربما مؤكداً، وأنه لا سبيل للتراجع عن الحرب بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي أوباما في ظل الضغوط “الإسرائيلية” والضغوط الداخلية من جانب صقور الكونغرس من الجمهوريين الذين ما فتئوا يواصلون السخرية ومن وعوده التي يرونها “كاذبة” بشن الحرب على النظام السوري إذا تورط في استخدام أسلحة كيميائية .

فعلى سبيل المثال كتبت صحيفة “نيويورك تايمز” تقول في افتتاحيتها: “إن مصداقية أوباما على المحك”، لأنه “في خطوة غير حكيمة، رسم خطاً أحمر”، وتقصد تورط النظام السوري في استخدام أسلحة كيميائية . أما صحيفة “واشنطن بوست” فاعتبرت أنه “إذا كانت تقارير المعارضة باستخدام واسع

النطاق للغاز ضد المدنيين دقيقة، يتوجب على أوباما أن يأمر برد أمريكي مباشر ضد القوات العسكرية السورية” .

أما ضغوط قادة الكيان الصهيوني فهي الأهم والأبرز، وهي الكاشفة لحقيقة خلفيات هذا التوجه الأمريكي بإعلان الحرب على سوريا في محاولة ابتزاز مفضوحة للرئيس أوباما ونواياه نحو إيران . فهم يقولون إنه يقف حجر عثرة ضد رغبة “إسرائيل” في شن هجمات لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وإنه وضع “خطاً أحمر” لإيران إذا تجاوزته سيلجأ إلى الخيار العسكري هو الاقتراب من إنتاج القنبلة الذرية، كما سبق أن وضع خطاً أحمر للرئيس السوري بشار الأسد إذا تجاوزه سيتعرض للضرب وبقوة وهو استخدام الأسلحة الكيميائية، وها هو بشار استخدم السلاح الكيميائي وإذا لم يفِ أوباما بوعوده نحو بشار فمن حق “إسرائيل” ألا تثق بوعوده بالنسبة إلى إيران، ويكون من حقها أن تقوم بتدمير المنشآت النووية الإيرانية . من هنا نفهم مغزى وخلفيات قول بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة “الإسرائيلية” (24-8-2013) إنه “لا يمكن قبول الأسلحة الكيميائية في سوريا”، وقول شمعون بيريز رئيس الكيان الصهيوني في حضور وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بالقدس المحتلة “حان الوقت للقيام بمحاولة دولية لنزع كل الأسلحة الكيميائية في سوريا” .

التمعن في قول الرئيس الأمريكي أوباما إن “التحرك، بشكل واضح وحاسم لوقف استخدام أسلحة كيميائية في سوريا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في أمننا القومي على المدى الطويل” يؤكد أن اندفاع أوباما للخيار العسكري ضد سوريا، إن حدث، سيكون أبعد ما يكون عن كل ما هو معلن من أهداف، وخاصة الدفاع عن المدنيين السوريين أو حماية حقوق الإنسان . فالدافع الحقيقي هو المصالح القومية الأمريكية في الشرق الأوسط وفي مقدمتها كل ما يخدم الكيان الصهيوني، أي أن الضربة ستكون من أجل “إسرائيل”، وأنها سوف تخص القدرات الاستراتيجية للجيش السوري وبالتحديد مخازن الأسلحة الكيميائية التي ظلت تشغل “إسرائيل” والولايات المتحدة طوال الأشهر الماضية، إضافة إلى القدرات الصاروخية السورية، أي كل ما يهدد “إسرائيل” من جهة سوريا، من دون اعتبار لمآل الأزمة السورية، وما ينفع الدفع بمسار التغيير السياسي المأمول، خاصة ما يتعلق ب”مؤتمر جنيف-2” . وإذا حدث ذلك فسوف يكون هدفاً ثانوياً .

فالرئيس الأمريكي لا ينوي، في حالة اللجوء إلى الخيار العسكري ضد سوريا، إسقاط النظام، ولكنه يريد إفقاد النظام قدراته على تهديد أمن “إسرائيل” وبعدها فليذهب الجميع إلى الجحيم نظاماً ومعارضة . فقد أعلن أوباما يوم 24-8-2013 أن “فكرة أن الولايات المتحدة قادرة على تسوية الحرب الأهلية السورية فكرة مبالغ فيها” كما أوضح الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية في رده على ضغوط النائب الديمقراطي المتحمس لضربة عسكرية لسوريا إليوت أنجل أن “مقاتلي المعارضة لا يدعمون المصالح الأمريكية”، ما يعني أن واشنطن لا تضع ضمن أولوياتها تمكين المعارضة من الانتصار على النظام، وأنها لو كانت تريد ذلك لفعلت منذ أشهر من دون انتظار لحدوث كارثة “المذبحة الكيميائية” الأخيرة، فواشنطن، وكذلك “تل أبيب” كانتا دوماً مع حرب أهلية طويلة تستنزف قدرات النظام وتدمر الدولة السورية والمجتمع السوري، ليكون التقسيم في النهاية هو الحل، مع حرص على التخلص من كل القدرات الاستراتيجية للجيش السوري: مخزونه من الأسلحة الكيميائية، وقدراته الصاروخية، وسلاح الجو، كي تخرج “إسرائيل” وحدها منتصرة من هذه الحرب .
نقلا عن صحيفة الخليج