رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سيريل تاونسند يكتب : الحرب الباردة الجديدة

بوابة الوفد الإلكترونية

طيلة حياتي تقريباً كانت هناك حرب باردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب. وقد اتسمت تلك الحرب بأنها طويلة ومدمرة وخطيرة للغاية، وأدّت إلى تضرر الشؤون الدولية إلى حدٍ كبير وإلى معاناة ملايين الأشخاص منها. وعندما كنت جندياً شاباً صغيراً شاهدت إنشاء جدار برلين عام 1961. وتميزت نهاية الحرب بإعادة توحيد ألمانيا.

واليوم ثمة إشارات بارزة تدل على أننا دخلنا حرباً باردة ثانية بين روسيا والغرب. وإلغاء قمة موسكو بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين خير دليل على ذلك. كما أن منح روسيا حق اللجوء السياسي لإدوارد سنودن، الذي خرق بوضوح بعض القوانين الأميركية، ربما يعدّ القشة التي قصمت ظهر البعير، علماً أنه جرى ذكر أسباب أخرى لما آلت إليه الأمور من بينها عدم إحراز تقدم في شأن نزع السلاح النووي.
ولسوء الحظ تحوّل الشرق الأوسط إلى مسرحٍ للخلافات المتزايدة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، اللّتين يتعذّر تبرئة أي منهما وكلتاهما عضو دائم في مجلس الأمن في نيويورك. ونتيجة تاريخها الحديث تبدي روسيا تخوفاً كبيراً من نمو الإسلام المتطرف، كما أنها تتبنى وجهة نظر مختلفة للغاية عن رأي الولايات المتحدة حول الكثير من القضايا الشائكة في الشرق الأوسط.
بيد أن لندن وواشنطن، اللّتين تعملان معاً عن كثب، تعربان عن قلقٍ أكبر من مقتل أكثر من مئة ألف شخص في سورية، ومن تأثير الإسلاميين في صفوف الثوار وكذلك من عدد اللاجئين الضخم داخل سورية وفي الدول المجاورة ومن التهديد المحدق بالمنطقة بأسرها نتيجة حالة الفوضى. ويتحمّل الرئيس بوتين، وهو شخص مغرور ومن المزعج التعاطي معه، إلى حدٍ بعيد مسؤولية بقاء النزاع السوري مشتعلاً. كما يُنظر إليه على أنه يقف في وجه عقد مؤتمر سلام دولي مهم حول سورية.
ويشكّل برنامج إيران المحتمل للأسلحة النووية وتهديدها المزعوم لإسرائيل قضيةً سياسية كبرى بالنسبة إلى الولايات المتحدة. في حين أن العقوبات الأكثر تشدداً حتى الآن التي وافق عليها المجتمع الدولي تسبب خسائر فادحة للجمهورية الإسلامية. فقد تم فرض حظر تدريجي على واردات النفط الإيراني وجرى تجميد موجودات البنك المركزي الإيراني إلى جانب اتخاذ إجراءات عقابية أخرى بحق إيران. ولا يملك الرئيس أوباما سياسة احتواء وحسب وإنما سياسةً لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، وهو لا يتوانى عن استخدام القوة بغية تحقيق مبتغاه. ويؤمَل أن يسعى الرئيس حسن روحاني إلى تحسين العلاقات مع الغرب. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا عارضت بشدة اتخاذ موقف أكثر صرامةً حيال طهران طيلة عدة أشهر.
إن تصرف الولايات المتحدة الأميركية إزاء الصراع الدائر على السلطة في مصر لم يكن مؤثراً، وذلك على رغم العلاقات الوثيقة التي تربط بين الجيش المصري وواشنطن منذ وقت طويل، ومن حذرها من «الإخوان المسلمين». واليوم تعجز الولايات المتحدة عن الاعتراف بحصول انقلاب ضد الرئيس مرسي، إلا أنها في الوقت عينه فوجئت بأداء الجيش وبالمشاهد في شوارع القاهرة. والرئيس أوباما لم يكن صائباً في رؤيته. وإذا تم إطلاق سراح حسني مبارك من السجن، فإن ذلك سيشكّل نهاية ثورة العام 2011.
بعد فترةٍ وجيزة على وصوله للمرة الأولى إلى البيت الأبيض، حاول

الرئيس أوباما إعادة بناء العلاقات مع روسيا، وقد اتفق على نحوٍ معقول مع الرئيس ميدفيديف. بيد أن المتوقع أن من غير المرجح أن يقرر اوباما التقدم باتجاه تحسين العلاقات مع روسيا طالما أن الرئيس بوتين في سدة الحكم وطالما أن هذا الأخير يستذكر أيام الاتحاد السوفياتي.
وتخشى روسيا من دعم الغرب لتغيير النظام في سورية في وقتٍ يواجه فيه بوتين بعض الانتقادات في موسكو. والاعتقاد الدائم هو أن مستقبل طرطوس، القاعدة البحرية السورية التي يتواجد فيها سلاح البحرية الروسي، يُعتبر عاملاً مهماً بالنسبة إلى الرئيس بوتين. وقد زارت مجموعة من السفن الروسية طرطوس في شهر أيار (مايو) الماضي. كما أن روسيا ستواصل معارضتها لمسودات القرارات المتعلقة بسورية المطروحة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
بيد أن روسيا تملك نقطة انطلاق أخرى عندما يتعلق الأمر بإيران. فهي قدّمت الدعم لطهران على مدى سنوات في ما يتعلق بالقضايا النووية. وعلى رغم أنه لن يكون في مصلحة روسيا حصول إيران على أسلحة نووية، إلا أن روسيا ترى أن الولايات المتحدة وإسرائيل بالغتا في انتقادهما لطهران في وقت لم يثبت فيه بعد أن إيران تنوي امتلاك سلاحها النووي الخاص. وقد تتراجع طهران عن الأمر مع المحافظة على قدرتها على صنع سلاح نووي في المستقبل.
أما في ما يختص بمصر، فإن روسيا ستتابع الأحداث عن كثب وهي تلاحظ المأزق الذي وقع فيه الغرب نتيجة تعليقاته المتسرعة ونصيحته بالتغيير. وموسكو سترغب في دعم الجيش المصري وليس «الإخوان المسلمين» وستترقب الفرص الاقتصادية.
إن هذا التغير في المواقف بين واشنطن وموسكو وكذلك محاولات موسكو تحدي تأثير واشنطن في الشرق الأوسط تأتي في وقتٍ حرج بالنسبة الى البيت الأبيض. فبعد أفغانستان والعراق يبدو الرئيس أوباما مصمماً على عدم امتلاك أهداف سياسة خارجية تفوق إمكانات الولايات المتحدة. كما أن الرأي العام الأميركي يبدي دعماً محدوداً لمغامرات خارجية جديدة.
لا شك في أن أبناء جيلنا الذين يتذكرون الحرب الباردة السابقة سيحرصون على أن تكون الحرب الجديدة أقل ضرراً وعلى ألا تدوم طويلاً.

نقلا عن صحيفة الحياة