رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الغزاوي يكتب : الخيار شمشون

بوابة الوفد الإلكترونية

موجات التسونامي الشعبية المصرية الثلاث مازالت تتكشف آثارها تباعا، وبدلا من أن تغرق الأرض، تحرثها، عل تعرضها للشمس يخرج ما كمن قي جوف العقل المصري من ديدان وآفات أنتجتها الثلاثون شهرا الماضية.

سؤال شكسبير الشهير "أكون أو لا أكون"، هو ذاته تلك الأسئلة الثلاث التي طرحها حكيم الخارجية المصرية الدكتور محمود فوزي أول سبعينات القرن الماضي، ونقلها عنه الأستاذ محمد حسنين هيكل، في توصيف للحالة المصرية زمن اللا حرب واللا سلم، حيث قال الرجل بأن مشكلاتنا ثلاث:
1. أننا نبدو كرجل أراد أن يغيظ وجهه فقطع أنفه.
2. ما الذي يجدينا أن نضع رأسنا على كتف العالم ونجهش بالبكاء على حق ضائع؟
3. أليس من الضروري أن تكون هناك نسبة بين أحجام الرجال وأحجام المشاكل.
هي ذات الأسئلة نطرح نفسها أمامنا الآن، حيث تتراوح المواقف في مصر من جراء صدمات الحقائق المتتابعة والتي لا تعصف بنظام حكم أو جماعة بل تأخذ أيضا بنواصي أشخاص وتنظيمات ومجمل الحياة السياسية.
تبدو جماعة الإخوان وقد أخذت بالخيار شمشون، تهدم المعبد على رأس الجميع، تدعو للعنف وتمارسه وتصل إلى حد قتل وتعذيب مواطنين ـ حتى الصبية والنساء ــ لا علاقة لهم بسلطة غير عابئة بحرمة الدم، ولا تدرك ما وصلت إليه علاقتها بالمجتمع من عزلة وتنامي الرفض لها ككيان ولأعضائها كأشخاص، وتذهب إلى الدعوة للتدخل الأجنبي لإنقاذها، وكأن لسان حالها يقول إن كنت لم أستطع أن أقوض الدولة في مصر، فلتأتي أمريكا لتقوضها، وأيضا غير عابئة أن هذه الدعوة تعد في الضمير الوطني المصري خيانة، وقد يمكن تجاوز الدم بين أبناء الوطن الواحد ولكن لا يمكن تجاوز وصمة الخيانة، وهي بذلك تحرق الأرض بينها وبين وطن وشعب هما بيئة وجودها وكأنها وافد أجنبي على الأرض والناس.
ووقعت الجماعة ضحية حالة الإنكار لما حدث وعدم القدرة على استيعاب حقيقة أن الشعب خرج بثلاث موجات تحدث خلال 26 يوما لأول مرة في تاريخ الإنسانية بهذه الأعداد، وهذا الوضوح والإجماع الشعبيين في مطلب إزاحتهم عن السلطة، وبحالة من السلمية لا تتناسب وحجم الأعداد والتكدس والاستمرار.
ورغم كل ذلك فإن حالة من عدم التصديق وما يشبه الشفقة أصابت بعضا من العناصر خارج التيار الديني، فهي لا تريد الدم ولا تقبل به، وهي في الوقت ذاته عاجزة عن تجاوزه، فلم يعد أمامها غير أن تنضم بما تقول به إلى جانب التيارات الدينية، وكأن حالة فقدان التوازن، وعدم القدرة على استيعاب أبعاد الخطر، قد شملتهم، خاصة بعد مواجهة حدثت كانت الشرطة طرفا فيها، وبلغ عدد ضحاياها ما يزيد عن 70 شخصا، وعندما تصبح الشرطة طرفا، يستدعي الكثيرون حالات المواجهة السابقة، وصارت الكلمات تجري على الألسن حاملة شكل القيم، وفي حقيقتها تحمل شبهة التردد وعجز الإدراك.
الدم حرام، حقيقة، وسواء، نعم. والوطن.... ماذا عنه؟.
الشعوب تقدم أرواحها فداء لحرية أوطانها واستقلال أراضيها، ولكنها لا تفرط في أوطانها حفاظا على دمها.
الجيوش الوطنية ليست مستأجرة لمهمة الدفاع عن الأوطان، ولكنها طليعة مسلحة للشعوب دفاعا عن حرية الأوطان.
هنا خط واحد وفقط لا يمكن تجاوزه، وهو بقاء الوطن ووحدة أراضيه واستقلاله، الدم له والفداء له والجيوش له والكلام له، أما أن يجري التفتيت والتوزيع والتقسيم حسب الأهواء، فهذا بالقطع دلالة غياب العقل والإدراك والإرادة.
السؤال الآن إلى أين من هنا؟ هل هناك خطوات قدرية لا فكاك منها؟ أم أننا نملك أن نختار؟.
لا أكون متشائما بقول إننا لا نقفز إلى مجهول أسود، ولكن حتى نعبر ما نحن فيه مازال أمامنا مسار طويل، ومرير، ويحتاج إلى رجال بأحجام الحوادث.
رسخ في خيال الساسة أن الحياة السياسية طريق المغانم وليس طريق المسؤولية، وكأننا في حاجة إلى ثورة "ثقافية" على غرار ما حدث في الصين، لنعيد مفهوم العمل العام على أنه مسؤولية، لا هو طريق للثراء والوجاهة الاجتماعية، ولا أن من يتولاه هو عرضة للدهس بالأقدام، ثورة داخل الثورة هو ما نحتاج.
فكما أن الحديث عن الحروب ليس كخوض الحروب، فالكلام عن الحقوق والمهام ليس كالتصدي لها.
أعادت الحركة الشعبية تشكيل الواقع في مصر، رفضت حكم الإخوان والرئيس، ولم تكن ترغب في إقصائهم، ولكنهم حملوا السلاح ومشروع القتل إلى الشعب، فصار حديث عدم الإقصاء نوع من المثالية المفرطة.
وهنا تبدو المبادرات التي لا تعترف بما جرى في الواقع نوعا من أحلام اليقظة، كما أن الإبادة بالدم كابوس لا يتحمله وطن ولا يطيقه، يرفضه نعم، فهل بلغ

الصدق برجال فيه أن يتجنبوه؟.
ليس هناك طريق للحل بدون تضحيات، ومصائر الشعوب لا تتقرر بالتمني أو بالبلطجة، ولكن بالحقائق التي تتشكل فوق الأرض، بعيدا عن أحلام اليقظة أو كابوس الدم، ووسط ذلك كله يجب الإمساك بالتالي:
1. لقد استردت مصر بثورة يونيو دينها وولايتها على أمرها.
2. إن ما تدور وقائعه في مصر الآن هو استرداد للثورة، وهو يعني بالقطع التمسك بأهداف الثورة، والوعي بمهام المرحلة الانتقالية.
3. أن اللحمة بين الشعب والجيش، واسترداد مؤسسات الدولة هي معامل رئيسي لضمان أمن الوطن القومي.
4. إن المعركة ضد الإرهاب هي معركة الحياة للأمة.
5. إن ثورتي يناير ويونيو أسقطتا نظامي استبداد وفساد، وان التعايش مع عناصر الاستبداد والفساد هو أمر سيجعل الشعب يدفع الثمن مرات متكررة، فتحقيق التطهير من عناصر الاستبداد والفساد ضرورة لبناء المستقبل.
6. الالتزام بحل كافة التشكيلات التي حملت السلاح ضد الشعب، دينية كانت أو سياسية، وأن جماعة الإخوان يجب حلها وحسابها على كافة ما جرى خلال الثلاثين شهرا الماضية.
7. أن تظل الذاكرة الوطنية في حالة يقظة لما جري خلال الثلاثين شهرا الماضية، وألا تفقد القدرة على تحديد من المسؤول ومدى مسؤوليته.
8. أن الدستور والقانون هما سبيل العدل والحقوق في دولة الثورة.
أن هذه المحددات ضمانة عدم الانحراف عن الطريق أو الانسياق إلى معارك فرعية حول حرمة الدم والمصالحة والإقصاء، وأن الحمائم ليس في مواجهتهم صقور، ولكن في مواجهتهم حق وطن في الحياة وأمنه القومي.
قال صديقي إن أمه الفلاحة المسنة (85 عاما)، ولها حفيدان بالكليات العسكرية، بعد أن استمعت إلى خطاب وزير الدفاع، أمرت أبناءها وأحفادها بالخروج وهي معهم، وعندما عاتبها ابنها أنت مش خافيه يا أمي يحصل لك حاجة، فأجابته وهي التي عانت من دفع ضريبة اعتقاله المتكرر بسبب العمل السياسي، أنا عشت عمري خايفة عليك إنك تموت.
ما تواجهه مصر ليس خلافا سياسيا، ولكنها حالة احتراب واستقواء بالخارج، وبقدر ما أسقط خروج الشعب المصري النظام والجماعة وأتباعهم وحوارييهم، فإن حركة الشعب كشفت لمصر وللعالم العلاقة بين الإرهاب وأمريكا، وكشفت مدى كره الشعب المصري للأداء الأمريكي الذي لا يعنيه على الإطلاق غير مصالحه، وتبنيه لجماعة الإخوان وتمويلها ومشاركته في حملة التشويه الإعلامي لحركة الشعب في يونيو.
الإرهاب في سيناء هو ذاته ما يحدث في رابعة العدوية وميدان النهضة، والفصل بينهما نوع خداع الشعب، ففي كل هذه الأماكن هم يحملون السلاح ويقتلون ويغتالون، ولا يعنيهم دين أو وطن أو شعب، والاعتقاد أن مواجهتهم بالحوار ستؤتي نتائجها، هو نوع من التنصل من مسؤولية الدفاع عن الآمنين، نعم سنتألم، وسنمضغ العلقم، ولكن هي لحظات في تاريخ الأمة لا تقبل ازدواجية المعايير.
الخيار شمشون هو خيارهم، ولم يدفع بهم أحد إلى الانتحار، ولكن حق الشعوب في الدفاع عن النفس والأرض والعرض، هو حق لا فصال فيه، فما الذي تحمله الأيام القادمة، قد تحمل أي شيء إلا أنها لن تحمل تراجع عن الثورة وأهدافها.