رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبدالله بن بجاد العتيبى يكتب :مصر: الدولة التركية أم الخلافة العثمانية؟!

عبدالله بن بجاد العتيبى
عبدالله بن بجاد العتيبى

التصريحات المقبلة من تركيا تجاه الأوضاع في مصر بعد 30 يونيو (حزيران) تبدو صارمة، خاصة من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو، وهي تصريحات تبدو عدائية ومستفزة للقيادة السياسية الجديدة بمصر ولغالبية الشعب المصري التي عبرت بصراحة وقوة عن رفضها لسنة من حكم جماعة الإخوان المسلمين.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو لماذا تتخذ تركيا مثل هذا الموقف؟ مع استحضار أنه موقف يتطابق تماما مع رؤية جماعة الإخوان المسلمين، ويتعارض مع رغبة غالبية الشعب المصري، كما يتعارض مع مواقف بعض الدول العربية والغربية التي تعاملت مع الوضع الجديد بأريحية وهي تدعم خارطة الطريق التي أعلن عنها، وبدأ في تطبيقها الجيش الذي أعلن بوضوحٍ أنه لا يريد الاستمرار في لعب دور سياسي، فضلا عن الاستحواذ على العملية السياسية، كما تروّج جماعة الإخوان المسلمين وتركيا فقط.
لقد جاءت عبارات المسؤولين الأتراك شديدة ومستغربة، حيث التعبير عن «خيبة الأمل» و«الانقلاب العسكري»، وهي ترفض التواصل مع الحكومة المصرية الجديدة، وتبذل قصارى جهدها للتأثير في الدول الغربية والدول العربية لتغيير مواقفها تجاه الوضع الجديد، وهي تصرّ على الاستمرار في هذه السياسة، مع أن الأوضاع تشير بجلاء إلى أنها سياسة محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ.
للإجابة عن السؤال أعلاه، فإن العلاقة التاريخية بين جماعات الإسلام السياسي والجيش في تركيا شديدة التعقيد، بل ظاهرة العداء، وطالما أحبط الجيش التركي طموحات تلك الجماعات لتغيير الهوية التركية العلمانية الحديثة، وكان من نتائج ذلك العداء أن هذبت تلك الجماعات من خطابها، ورضيت بالعلمانية والمدنية، وحظيت بالدعم الأميركي ثم الأوروبي، حتى استوت على عرش السلطة، وهي تخشى أن قبول ما جرى في مصر دوليا وإقليميا قد يحيي الطموحات السياسية للجيش التركي.
ليس هذا فحسب، بل إن حكومة السيد أردوغان تواجه كثيرا من التهديدات والملفات العسيرة، فهي تحاول إحداث اختراق تاريخي في العلاقة مع الأكراد، وتواجه في الآن ذاته قلقا من تطوّر الحرب الطائفية التي يشنها المحور الإيراني ضد الغالبية السنية في سوريا لتصل للعلويين والسنة في الداخل التركي، مع استمرار لاحتجاجات شعبية تقودها حركات شعبية وأحزاب سياسية معارضة أثبتت قوة وانتشارا أقلق الحكومة، وهي قبل هذا وذاك لم تزل تراوح مكانها في قضية الانضمام للاتحاد الأوروبي، والغريب أن الحكومة التركية بدأت في غالب هذه التحديات تلجأ إلى نظريات المؤامرة لا إلى الحلول الواقعية والعملية.
كل ما تقدم جدير بالاهتمام والنقاش والتحليل، غير أن الأهم في نظر كاتب هذه السطور هو ظهور مدى الارتباط الآيديولوجي بين النسخ المتعددة للإسلام السياسي، وأن ما جرى في مصر في 30 يونيو أحبط حلما آيديولوجيا لبناء تحالف لجماعات الإسلام السياسي في السلطة على ضفتي البحر الأبيض في أنقرة والقاهرة، وهو ما يثبت أن كل الخطابات التي تحدث بها قادة تركيا الإسلامويون عن العلمانية ونصائحهم لجماعة الإخوان المسلمين بمصر بتبنيها يجب أن تكون محل تساؤل حول مدى جديتها، وهل أن حزب «العدالة والتنمية» التركي عميق الإيمان بالعلمانية والمدنية حقا، أم أنه قد أجبر على هذا الخيار بناء على موازنات داخلية وعلاقات استراتيجية دولية على مستوى الاقتصاد والسياسة؟
من حق تركيا أن تطمح لدور إقليمي فاعل ومؤثر، ولكن عليها أن تعرف أن هذا الدور لا يمكن أن يكون على حساب دول إقليمية قوية ومؤثرة كالسعودية، التي وصفتها صحيفة «تلغراف» البريطانية بأنها «قوة إقليمية عظمى» أو «لاعب إقليمي رئيس» (Powerful Middle East player)، وكان ينبغي لقائد الدبلوماسية التركية أحمد داود أوغلو، وهو صاحب كتاب «العمق الاستراتيجي»، أن يعرف

أن عمق مصر الاستراتيجي يقع في السعودية ودول الخليج وليس في تركيا، وأن من شأن مثل هذا الموقف التركي أن يؤثر على العلاقات الاقتصادية المتنامية مع السعودية ودول الخليج والعقود الكبرى، التي وُقعت مؤخرا.
كان يفترض بالدبلوماسية التركية أن لا تتدخل في الشأن الداخلي المصري، وأن تتعامل مع القيادة السياسية الجديدة بحكمة وروية، وأن تتمعن في قراءة المشهد الداخلي المصري، فجماعة الإخوان المسلمين فشلت فشلا ذريعا في قيادة الدولة، وألهتها طموحات الاستحواذ عن مسؤوليات القيادة، وانشغلت بقمع الخصوم وإقصاء الفرقاء السياسيين أكثر مما اهتمت بالتنمية والتطوير، وهي لم تخسر كل المؤسسات الكبرى في الدولة كالجيش والأزهر، والقضاء والكنيسة، وقوى الأمن والقوى الشبابية والشعبية، بل خسرت بعض حلفائها الأصوليين كحزب النور السلفي الذي عبر عن مواقف ورؤى وتبنى سياسيات مخالفة لجماعة الإخوان، بل قدم نقدا علنيا لها.
قد تجني تركيا بانحيازها غير المبرر سياسيا على مستقبل علاقاتها مع مصر وكثير من الدول العربية، والموقف السياسي يجب ألا يقوده وهم إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، بل قراءة متأنية وواعية بمعطيات الواقع وطبيعة الموقف الحالي.
ليس من غرض هذا السياق إلغاء الدور التركي أو تهميشه في المنطقة، فتركيا دولة مهمة وفي الإمكان خلق تحالف قويّ معها في الملفات الساخنة والكبرى في المنطقة، كالأزمة السورية والخطر الإيراني، يبنى على رؤى مشتركة ومصالح متبادلة على كل المستويات، ولكنّ الغرض الأكثر أهمية هو أن دورها مقبول ومتفهّم كدولة تركية، ولكنه مرفوض وغير واقعي ولا منطقي كخلافة عثمانية.
تحاول الآلة السياسية والإعلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين بشتى تمثلاتها، إن كمؤسسات إعلامية معروفة أو كرموز دينية أو منتمية للإسلام السياسي بشكل عام داخل مصر وفي دول الخليج أو كمواقع إلكترونية أن تطابق ما جرى بمصر بالنموذج الجزائري لدى المتشددين أو بالنموذج التركي لدى الأقل تشددا، وهو تشبيه غير علمي، فاختلافات التاريخ والجغرافيا، وتباين المعطيات الواقعية، تفترض أن يفرض تفكيرا جديدا يكون خارج صناديق الآيديولوجيا، وأكثر قربا من الواقعية السياسية.
أخيرا، كتب حسين جيليك نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي على حسابه في «تويتر»، قائلا: «اللعنة على الانقلاب (...) في مصر، آمل أن تدافع الجماهير التي أتت بمرسي إلى السلطة عن أصواتها التي تعني الشرف الديمقراطي»، ومع الاعتذار عن حدة الكلمات، إلا أنها تكشف حدة الموقف الآيديولوجي لا الواقعي للحكومة التركية.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط