رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبدالله ناصر العتيبي يكتب :مصر: ضحية الفهم الخاطئ للديموقراطية!

عبدالله ناصر العتيبي
عبدالله ناصر العتيبي

هل ما حدث في مصر يُعد انقلاباً أم ثورة شعبية؟ الكل يسأل هذا السؤال هذه الأيام. «الإخوان» و»المتأخونون» وأنصار الدكتور محمد مرسي والمتعاطفون معه يسمّونه انقلاباً. والمعارضون له داخلياً والمختلفون معه خارجياً يسمّونه ثورة شعبية.

الأطراف المتورطة (حباً وكراهيةً وحسابات ومصالح) تتعامل مع ما حدث باستقطاب شديد، لكن الواقع من وجهة نظري لا يتطلب كل هذا الانحياز إلى تباين الألوان! ما حدث ليس انقلاباً بالمفاهيم المعروفة للانقلابات العسكرية، وليس ثورة شعبية (كاملة) كما حصل في 25 كانون الثاني (يناير) ٢٠١١، إذ إن هناك ملايين (أخرى) في رابعة العدوية تدعم الرئيس المنتخب وتقف معه! ما حدث كان خليطاً من أمور عدة. فبالنسبة الى الشعب المصري الذي ترتفع فيه مستويات الأمية في شكل كبير يسهل تشكيل الحشود وشحنها بالشعارات العاطفية المفرغة من محتواها والمعتمدة في الأساس على منطلقات اقتصادية، وتوجيهها من نخب متمصلحة ومستفيدة. كما أن جهله بالديموقراطية التي لم يجربها قبلاً عبر تاريخه الطويل يصور له أن الديموقراطية مرتبطة بتوفير لقمة العيش لا أقل ولا أكثر. لقمة العيش التي لا تقتضي المشاركة الفعلية للفرد في الناتج المحلي للدولة، وإنما التي تأتي على صحون الخيرية والرعوية والأبوية. كما أن نقص الخبرة عند «الإخوان» في ميادين العمل العام، وتخبطهم في تطبيق مفردات السياسة عملياً في مقابل نجاحهم في إدارة المعارضة النظرية لأعوام طويلة، وربط الحكم في التراث «الإخواني» بالخلافة، وما يقتضيه هذا الربط من الاستئمار والطاعة لرجل واحد، كل ذلك أسهم أيضاً في كشف ملعب الحزب الفائز بالانتخابات الرئاسية قبل عام، وجعل السهام تنطلق باتجاه الرئاسة من كل جانب. أما الضلع الثالث لمثلث إسقاط «الإخوان»، فكان هشاشة الدولة التي تكوّنت بعد الثورة الشعبية الأولى والاستعجال في قطف نتائج سقوط الرئيس السابق حسني مبارك قبل أن توضع الأسس المناسبة لبناء دولة (مشروع ديموقراطي). كان الأجدر بالنخب المنتصرة تفعيل خطط استدراج آليات الديموقراطية وأساساتها، ولو احتاج ذلك سنين طويلة، والاعتراف بالحاجة إلى بدء مشروع «الدمقرطة»، بدلاً من التظاهر بانتصار الديموقراطية في مجتمعات لم تعرف الديموقراطية أصلاً! محمد مرسي لم يسقط لأن أداءه الرئاسي كان سيئاً (لا يوجد في الدساتير المصرية جميعها - الأول في ١٨٨٢ والأخير في ٢٠١٢ - فقرة تتحدث عن عزل الرئيس بسبب عدم كفاءته الإدارية)، ولم يسقط لأنه خان الأمانة الملقاة على عاتقه كما حكمت بذلك إحدى المحاكم بالإسكندرية، لأن ذلك يتطلب رفع عريضة بذلك من ثلث النواب والموافقة عليها بغالبية الثلثين بحسب الدستور الأخير. ولم يسقط لأن الشعب كافة سحب عنه غطاء الشرعية (التي ذكرها في خطابه الأخير عشرات المرات)، ولم يسقط لأنه عمل على

«أخونة» الدولة للقضاء على «الدولة العميقة» من جهة والتطلعات الديموقراطية من جهة أخرى. محمد مرسي سقط لأن المواطن البسيط والرئيس وما بينهما ظنوا أنهم قادرون على ممارسة الديموقراطية، كفكرة مطلقة في العقول من دون الحاجة لصنع قالبها على الأرض أولاً. وعندما أتحدث عما بينهما، فإنني أتحدث عن المرشد الذي يظن أنه الحاكم بأمر الله على الأرض، وأتحدث في الوقت نفسه عن بعض الرموز الشعبية التي خسرت في جولة الانتخابات الرئاسية الماضية، وعلى رغم ذلك عملت خلال الـ12 شهراً السابقة على تقويض حكم مرسي من خلال القنوات القانونية والدستورية الهشة مرةً، ومن خلال استمالة عواطف ملايين الغلابة مرات ومرات.
لا يمكن أن أفهم حديث ابن النظام السابق عمرو موسى عن الديموقراطية أو تنظير الناصري حمدين صباحي عن ضرورة المشاركة الشعبية أو أمالي أبو العز الحريري أو خالد علي على الشعب المسحوق في ميدان التحرير عن الحرية والعدالة، وكل هؤلاء بحكم الأخلاق الديموقراطية يجب أن يكونوا خارج اللعبة موقتاً عملاً بمبدأ تضارب المصالح! الوضع في مصر الآن ليس ثورة ثانية، ولا علاقة لها بما حدث في 25 يناير ٢٠١١. ما يحدث في مصر الآن نتيجة طبيعية لكذبات متتالية، بعضها كان بسبب حسن الظن والجهل، وبعضها كان متعمداً ومدبراً ومخططاً له بعناية! ويخطئ من يظن أن ما حدث هو استعادة للثورة أو تصحيح لمسارها. الأيام حبلى، لكن ما هو مقبل سيكون أصعب مما مضى إن لم تتدخل النخب المصرية العالمة المدركة المثقفة في رسم طريق الإصلاح في مصر، ولعل أول ذلك بالعودة إلى دستور ١٩٧١ بشكل موقت والعمل على تشكيل حكومة انتقالية توافقية تضم الأطياف المصرية كافة، وتستظل برئيس متفق عليه حتى ولو كان يلبس الجبة المرسيّة!


نقلا عن صحيفة الحياة