رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حسام عيتاني يكتب : مسؤولية الإسلام

بوابة الوفد الإلكترونية

معقدة وملتبسة تلك العلاقة القائمة بين الإسلام وبين العنف. تبرزها هذه الأيام أحداث في سورية ولبنان والعراق يتصدر فيها رجال دين مشاهد القتل والتحريض والتدمير. فيعاد طرح السؤال عن مسؤولية الإسلام كدين أولاً.

يأتي سريعاً التبرير والتبرؤ من الارتكابات هذه بالإعلان أن «الإسلام بعيد من هذه الممارسات» وهو دين الرحمة والسلام. هذا صحيح، لكن الواقع أعقد من ذلك. والوقائع تتطلب مواقف تتجاوز التبرؤ والنأي بالنفس عما يدعو إليه شيوخ الكراهية. وثمة ضرورة لإدانة جريمة قتل أربعة من دعاة التشيع في مصر وتدمير الآثار التاريخية، «بتهمة» الارتباط بالتصوف في مالي، وذبح الأسرى من جنود النظام السوري، التي جرت كلها وغيرها بذريعة الحفاظ على نقاء الدين القويم.
لنتفق أولاً أن الإسلام يحمل عدداً كبيراً من التفسيرات والتأويلات، وأن تاريخه يحفل بالاجتهادات التي تصل إلى حد التناقض في ما بينها، وأن الحق في الاجتهاد والتأويل والتفسير كان ساحة صراع لم تخلُ من العنف، وأن الوضع لم يزل كذلك. وسير أئمة المذاهب تُخبر بالمحن التي تعرضوا لها على أيدي أصحاب السلطان طوال عصور وعلى امتداد الطيف الديني، السني والشيعي، وداخل كل مذهب وحركة دينية، من أقصى التصوف إلى التيارات السلفية. وصولاً إلى اضطهاد من اشتغل بالفقه وعلم الكلام والدعوة في طول البلاد الإسلامية وعرضها. الأمثلة أكثر من أن تحصى.
أمام تجدد ظاهرة الاضطهاد الديني وانتشار مدّعي الإفتاء والعلم على نحو بات يهدد بفوضى خطيرة تطيح باستقرار المجتمعات العربية والإسلامية، بات من الملح فتح نقاش عام عن دور الدين في السياسة وعلاقته بها.
ينبغي هنا التذكير بإشكالية تحمل وجهين، سلبياً وإيجابياً، في التاريخ الاسلامي، خلاصتها أن الإسلام رفض تأسيس «سلك» كهنوتي مثلما فعلت الأديان الأخرى. باختصار شديد، حرر هذا الرفض المسلم من الامتثالية من جهة، وسمح بظهور عدد من المتطفلين والأدعياء من جهة ثانية. والعلاقة المضطربة بين الدين والسياسة منذ الأيام الأولى للإسلام، جعلت من قيام «مؤسسة» تنطق باسم الدين «الصحيح» ضرورة سياسية أكثر منها فقهية.
تبدو الأمور اليوم وقد انقلبت رأساً على عقب. ورغم كل الحساسيات المحيطة بدور الدين في السياسة، لا مفر من مقاربته مقاربة نقدية عقلانية ترفض الوقوع بين حدّي التحريم المطلق ومنع إدراجه في النقاش العام، وبين الدعوة المقابلة إلى حظر أي دور للدين في السياسة، بما أننا نعيش في مجتمعات للدين دور عميق في تشكيل وعيها وسلوكها وردات أفعالها. العلمانية «الطفولية» ليست رداً كافياً على مظاهر التطرف. والمسألة في نهاية المطاف ليست «معرفية» ولا تتلخص بتنقية الدين من نصوص دخيلة وضعيفة يأخذ بها شيوخ شبه أميين. بل هي اجتماعية تقوم على الخروج من الانتكاسة الرهيبة في مشاريع بناء الدولة التي أصابت مجتمعاتنا وتركتها خاوية نهباً لدعاة التطرف المرتكز إلى حساسية الهوية والخوف من التغيير.
بكلمات ثانية، ليست المشكلة في منظومة من الأفكار تواجه غيرها وتصارعها في ميدان الفقه المحض ونقد أحاديث الآحاد وسلاسل الإسناد وميزات ناقلي الأحاديث على سبيل المثال، بل هي في إعادة وضع المجتمعات العربية والإسلامية على طريق التصالح مع نفسها ومع موقعها في العالم ونزع الأسطرة عن تراثها وتاريخها.
المؤسسات الدينية مدعوة إلى دور متحرك وواع في هذا المجال. وتنديد الأزهر بجريمة أبو النمرس قد تكون بداية طيبة. في المقابل، لا يمكن تصور تقدم أي جهد في الاتجاه المذكور من دون مجتمع مدني يقظ ومسؤول.
نقلا عن صحيفة الحياة