رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب : إدانة للقاضي مع المتهم

فهمي هويدي
فهمي هويدي

ما هي الرسالة التي يتلقاها المجتمع في مصر حين يجد أن شخصا أدين بازدراء الدين المسيحي فحكم عليه بالحبس مدة 11 سنة كما حكم بحبس ابنه 8 سنوات، وحين أدينت مدرسة بازدراء الدين الإسلامي فإن القاضي حكم بتغريمها مبلغ عشرة آلاف جنيه؟

ما تمنيت أن أجري هذه المقابلة، وما تمنيت أن يتراشق المتعصبون المسلمون والأقباط ويتبادلوا التجريح والاتهامات.
علما بأن سب معتقدات أصحاب الديانات الأخرى منهي عنه بنص القرآن، على الأقل كي لا يسبوا الله «عَدْوًا بغير علم»، كما تقول الآية 108 من سورة الأنعام. ثم إن تبادل السباب والازدراء بين المتدينين يعد إهانة لنا جميعا وتعبيرا عن تردي أوضاعنا وتهتك وشائجنا، لأننا قبل سنوات كنا قد قطعنا شوطا في الحوار الإسلامي المسيحي دفاعا عن العيش المشترك والسلم الأهلي، وإذا بنا الآن ننتكس ونتراجع إلى الوراء بعدما صرنا متمنين وقف السباب وفض الاشتباك بين المسلمين والأقباط.
أدري أن الموضوع دقيق وحساس، وأن النفوس معبأة بدرجات متفاوتة من العتاب والغضب. وأفهم أن التعصب والمرارات تتوزع على الجانبين، لكني أحمل الأغلبية بالمسؤولية الأكبر عن إزالة المخاوف وإشاعة الطمأنينة وإرساء قواعد السلم والتعايش المنشودين. ولا أستطيع أن أتجاهل أن وباء الاستقطاب الذي تفشى في مصر أصاب علاقات المسلمين بالأقباط، وأن صوت المتطرفين علا بقدر تراجع دوائر العقلاء والمعتدلين. كما لا أنكر أن ثمة أطرافا تسعى جاهدة لتعميق الحساسيات والمرارات الطائفية وإذكاء أسباب الخلاف بكل السبل. ولا أخفي أنني ترددت في إثارة الموضوع والمقارنة بين العقوبتين السالفتين، ليس فقط استهجانا وشعورا بالقرف من فكرة تحول ازدراء الأديان إلى ظاهرة في الساحة المصرية، ولكن أيضا تحسبا لاحتمالات التأويل وإساءة الظن في أجواء الحساسيات الراهنة. لكني راهنت على أن أحدا لا يستطيع أن يزايد عليَّ في الموضوع، متصورا أن موقفي من العلاقة مع الأقباط محسوم ومعلن منذ أكثر من ربع قرن، حين صدر لي كتاب «مواطنون لا ذميون» في سنة 1985. وهو ما أحسبه رصيدا يقطع الطريق على أي تفكير في استقبال ما أكتبه باعتباره تحيزا ودفاعا عن الازدراء بالديانة المسيحية الذي صدر عن صاحبنا أحمد عبد الله (أبو إسلام) الذي صدر الحكم بحبسه.
ولكي أكون أكثر وضوحا أسجل أنني لم آخذ الرجل يوما ما على محمل الجد، وإنما اعتبرته أحد غلاة المتدينين المسطحين الذين كرسوا جهودهم لمخاصمة الأقباط والدفاع عن النقاب، وخاض معركته الأولى بإصدار مجلة محدودة التوزيع باسم كنيستي المصرية، ولأجل معركته الثانية فإنه أنشأ قناة تلفزيونية خاصة بالمنتقبات. ولدي علامات استفهام كثيرة حول الجهة التي تمول المشروعين.
الخلاصة أنه ليس أي دفاع عن فكر الرجل وما صدر عنه من قول أو فعل بحق الأقباط، لكنني

أدافع عن مظلوميته. وأزعم أن الحكم بحبسه مدة 11 سنة وحبس ابنه ثماني سنوات يعبر عن غلو وشطط من جانب القاضي تفوح منه رائحة تفتقد إلى البراءة ــ أكرر أن صاحبنا تجنَّى وأخطأ وما كان له أن يسيء إلى الأقباط أو كتابهم المقدس ــ لكن الجزاء لا يتناسب البتة مع الفعل الذي صدر عنه. صحيح أن تقدير الحكم متروك للقاضي، لكنه ليس مطلق اليد في ذلك. وهذا التحفظ معمول به في أحكام القضاء الإداري التي كثيرا ما انتقدت المبالغة في عنصر التقدير من جانب بعض القضاة، ودأبت على نقد الأحكام التي يثبت فيها أن القاضي جنح إلى الشطط، حين أنزل عقوبة بحق أناس لا تتناسب مع ما صدر عنهم من فعل، أو اتسمت أحكامهم بالغلو والجسامة إذا ما قورنت بالسوابق والأفعال المماثلة.
لا أجادل في محاسبة أبو إسلام ومعاقبته، وهناك أكثر من صيغة للعقاب، وغرامة العشرة آلاف جنيه التي عوقبت بها المدرسة التي أدينت في تهمة الازدراء بالدين الإسلامي نموذج لذلك. وستظل المقارنة بين العقوبتين دليلا على الغلو والشطط الذي وقع فيه قاضي محكمة مدينة نصر حين قرر حبس أبو إسلام 11 عاما في الحكم الذي أصدره في 15/6 الحالي.
ولأن البون شاسع والمقارنة فادحة وفاضحة بين حكمي الغرامة والحبس، فإنه يخطر لي أن حكم الحبس الجائر بحق الرجل وابنه فيه من السياسة أكثر مما فيه من الإنصاف، وهو خاطر لا يأتي من فراغ، لكنه يجد قرينة له في التحولات السلبية التي نشهدها في ساحة القضاء، والتي حولت بعضهم إلى «نشطاء» يغلبون الهوى السياسي على معايير إحقاق الحق وإقامة العدل.
في زماننا أحكام تدين القاضي بأكثر مما تدين المتهم، وما جرى مع أبو إسلام من ذلك الصنف.
نقلا عن صحيفة الشرق القطر ية