رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبد الرحمن سيف النصر يكتب :شركاء في الدم السوري المستباح

بوابة الوفد الإلكترونية

في مثل هذه الأيام قبل ثمانية وعشرين عاما أشعل نظام الأسد الأب وحليفته "حركة أمل" ما صار معروفا بحرب المخيمات، والتي فاقت في فظاعتها ما فعلته إسرائيل والكتائب في مجزرة صبرا وشاتيلا.

ففي ظل تلك الحرب الدموية التي انطلقت في يونيو من عام 1985 بأوامر مباشرة من نظام الأسد وتحت ذريعة "مواجهة تمدد المقاومة الفلسطينية في لبنان"، تكبد الشعب الفلسطيني خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وسقط العديد من الشهداء من الشيوخ والنساء والأطفال، وشرد أهالي المخيمات، ونكل المعتدون بمن خرج حيا من بين الأنقاض، واعتقلوا وقتلوا العديد من الجرحى، وسويت أراضي المخيمات بالجرافات لمسح آثار الجريمة التي ارتكبت بحق أهلها دون ذنب اقترفوه. وقد امتدت هذه الحرب على مدار فترة زمنية طويلة، ولم تنته إلا باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى نهاية العام 1987.
حتى يومنا هذا، مازالت حرب المخيمات تذكر كنموذج للحروب القذرة، حيث شنت على فلسطينيي الشتات، بدون تمييز بين مقاتلين ومدنيين، فأكلت الأخضر واليابس وحصدت الأرواح، وفاقت في خسائرها كل جولات القتال التي وقعت في عموم الأرض اللبنانية منذ انفجار الحرب الأهلية عام 1975.
وكانت النقطة المضيئة الوحيدة في هذه الحرب هي الدور الذي اضطلع به "حزب الله"، والذي على الرغم من ظهوره قبل بداية حرب المخيمات بعدة أعوام إلا أنه نجح في لفت الأنظار إليه بشكل إيجابي بفعل ما قام به في هذه الحرب. فقد حمى الفلسطينيين وقاوم الحملة الدموية التي كانت تشنها حركة أمل إزاءهم، بل ووقفت قواته كحاجز يفصل بين أمل والمخيمات الفلسطينية.
منذ ذلك التاريخ اكتسب حزب الله سمعة إيجابية في إطار العمل المقاوم، وتم التغاضي عن خلفيته المذهبية، كما لم يتم الإلحاح على ما أعلنه أمينه العام في وقت مبكر من أن الحزب يأتمر بأوامر الولي الفقيه، ولا إلى ما ذكره من تبعية الحزب للنظام الإيراني، ولم يحاول المعلقون أن يقيموا صلة بينه وبين الطموحات الإيرانية في المنطقة، واعتبروا الرابطة التي تربطه بإيران رابطة ثقافية أكثر من كونها رابطة سياسية. والأهم من ذلك أن الشعوب العربية اختارت في غالبيتها التعاطف مع الحزب ومع عملياته العسكرية، وقبلت فكرة أنها مقاومة خالصة لا تندرج في بند الحرب بالوكالة، وكانت ذروة هذا التعاطف خلال حرب العام 2006، حين توحدت قلوب العرب والمسلمين مع الحزب في حربه التي رآها الجميع حربا عادلة تجاه العدو الصهيوني. ومن المعروف أن السوريين دون غيرهم قد استقبلوا اللاجئين اللبنانيين أثناء هذه الحرب واحتضنوهم، وكان معظمهم من الشيعة من سكان الضاحية الجنوبية، بل وحملت جدران بيوتهم صور زعيم الحزب للتعبير عن التضامن معه ضد إسرائيل.
ولكن جاء تورط الحزب في معارك القصير الأخيرة ليثبت أن المواقف المحايدة إزاءه كان يعوزها العمق، وأن المشاعر الإيجابية التي حملتها الجماهير نحوه قد وجهت لمن لا يستحقها، فالحزب أثبت بالدليل الحي أنه مجرد أداة من أدوات النظامين الإيراني والسوري. وأنه لا يختلف عمن سبقوه في جرأته على الدماء تنفيذا لأجندات إقليمية يستخدم فيها كجيش من المرتزقة. ففي القصير تخلى الحزب عن دوره المقاوم، وقبل أن يُستخدم سياسيا كما استخدمت حركة أمل من قبل، وأن يمارس الحرب بالوكالة عن الآخرين. ونسي أمينه العام ما كان يرفعه من شعارات حول مقاومة المحتل الصهيوني، وانخرط في قتال

لا يخصه، تلعب فيه حسابات السياسة الواقعية حسابها.
وفي خطابه الأخير حاول الأمين العام للحزب أن يصدر موقفه المشين كما لو كان منطلقا من ثوابت المقاومة، واحتج بأن سوريا هي ظهر المقاومة، وهي سند المقاومة، ولكنه تغافل عن تاريخ النظام الأسدي الدموي بحق الشعوب المقاومة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. والغريب أن الحزب نفسه كان شاهدا على جناية آل الأسد في حرب المخيمات، فهل كانت جرائم النظام السوري فيها انتصارا للمقاومة، أم محاولة لإخضاعها، وولوجا في دماء المقاومين.
في حرب المخيمات لم يكن لدى القيادة السورية مبرر لما ارتكبته من جرائم، ولكنها كانت تستكثر على المقاومين أن يستقلوا بقرارهم، والآن يلج امتداد هذا النظام في دماء الشعب السوري من جديد مستكثرا أن يستقل السوريون بقرارهم ويستعيدوا كرامتهم، فأين هي المقاومة فيما يقوم به الأسد الابن تجاه شعبه، بل وأين هي الحروب التي خاضها هذا النظام بالأصالة عن نفسه لمقاومة إسرائيل التي يفترض أنها عدوه الحقيقي والمغتصب للأراضي السورية في الجولان.
أما العلة الواهية التي اعتمد عليها الأمين العام للحزب "المقاوم"، والخاصة بوجود الجماعات التكفيرية وسيطرتها على الموقف في سوريا فهو سبب لا يختلف في ضعفه عن الأسباب التي شنت من أجلها حركة أمل حروب المخيمات سيئة السمعة. خاصة وأن الحزب قد تواطأ مع نظام بشار المجرم منذ بداية عدوانه على الشعب السوري، وليس فقط عند ظهور الجماعات الجهادية التي ينتقدها السيد نصر الله، لأنها هبت لنجدة المستضعفين من الشعب السوري.
لقد تراجعت صورة الحزب كطائر محلق في سماء المقاومة، وأصبحت صورته الجديدة في أذهان الناس لا تزيد على حفنة من رجال العصابات التي تعمل لمن يدفع لها بغض النظر عن أخلاقية ما تقوم به. وكما صارت المخيمات وصمة عار في حق حركة أمل، فقدت بعدها سمعتها الإقليمية، وسقطت ورقة المقاومة التي كانت تتستر بها. فسوف تصير "القصير" السطر الأخير في تاريخ الحزب الذي ارتبط اسمه بالمقاومة، فأبى هو إلا أن يفضح ارتباطاته الأخرى بنفسه، وأن ينتزع الأوهام التي أقنع بها الكثيرين عن جهاده ضد الصهيونية. وأن يغرس مكانها صورته كوكيل لقوى الاستبداد وشريك لها في الدم المستباح.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية