عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب :تساؤلات الانتخابات الرئاسية الإيرانية

بوابة الوفد الإلكترونية

إذا أعلن رفسنجاني وخاتمي تأييدهما للمرشح الإصلاحي حسن روحاني فإن احتمالات فوزه ستصبح كبيرة

الحوارات غير المسموعة باتت تدعو إلى إعادة النظر في صلاحيات المرشد والتفكير من جديد في مسألة ولاية الفقيه

الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تجري يوم الجمعة المقبل هي الأكثر استعصاء وتعقيدا من كل سابقاتها، الأمر الذي يجعلها مصدراً لغموض وحيرة بالغين، يتعذر في ظلهما التنبؤ بما إذا كانت حصيلتها تشكل خطوة إلى الأمام أم إلى الوراء.

(1)
خلال ربع القرن الأخير، منذ تولي السيد علي خامنئي منصبه مرشدا للثورة في عام 1989، قدر لي ان أتابع الانتخابات التي فاز فيها رؤساء الجمهوريات الثلاثة هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وأحمدي نجاد، حيث قضى كل واحد ثماني سنوات في منصبه.وخلال تلك الجولات كان بوسع المراقبين الذين كنت واحدا منهم ان يتعرفوا على المرشح الذي ترجح كفته، على الأقل من خلال ملاحظة نبض الشارع.كان ذلك سهلا مع رافسنجاني وخاتمي وأصعب في حالة أحمدي نجاد الذي لم يكن يعرفه أحد، باستثناء أنه كان محافظا ناجحا ورئيسا لبلدية طهران.لكن كل تلك الخبرات تظل في كفة ومشهد الانتخابات الراهنة في كفة أخرى، خصوصا أنهم جميعا ليسوا من رجال الصف الأول للثورة، وإنما هم من أبناء الصف الثاني أو الثالث أو حتى الرابع (المرشح الدكتور سعيد جليلي كان عمره 14 عاما حين قامت الثورة).
ثمة سبب آخر لا يقل أهمية هو أنني في المرات السابقة كنت أتجول في شوارع طهران وبعض المدن الأخرى في محاولة لتحسس نبض الشارع، لكنني فوجئت هذه المرة بأنه لم يكن هناك شارع في طهران على الأقل.لأن رئيس البلدية (هو بالمناسبة أحد المرشحين) منع الدعاية في الشارع وألزم المرشحين بأن تكون دعاية كل واحدة منهم مقصورة على مقره في العاصمة، وعلى استخدام لوحات متواضعة الحجم وزعت على بعض نواصي الشوارع، وهو اجراء له مغزاه الذي سأتحدث عنه توا.

(2)
على الرغم من أجواء الغموض والحيرة المخيمة على الأفق السياسي في إيران فبوسع المرء ان يسجل خمس ملاحظات على الأقل هي:
-1 ان السلطة القائمة المرشد في الأغلب حرصت على ألا يتكرر في الانتخابات هذه المرة ما جرى في عام 2009، حين خرجت المظاهرات الاحتجاجية على النتائج إلى شوارع طهران التي احتفت بها الدوائر الغريبة ووصفت حينذاك بأنها حركة خضراء (البعض يصفها الآن بأنها فتنة ومؤامرة)، وقد تزعم تلك الاحتجاجات اثنان من المرشحين، هما مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى (هما رهن الاقامة الجبرية الآن).ولا أستبعد ان يكون منع حملات الشوارع وثيق الصلة بالاحتياطات التي اتخذت لعدم تكرار ما جرى حينذاك، كما ان هناك احتياطات أخرى اتخذت لمراقبة الاتصالات الهاتفية وحجب المواقع الالكترونية لقطع الطريق على أي محاولة لاثارة الاضطرابات بمناسبة الانتخابات.
-2 إلى ما قبل من موعد التصويت من الواضح ان كفة المحافظين مرجحة على الإصلاحيين.
الا ان باب المفاجآت يظل مفتوحا على نحو قد يقلب الصورة لمصلحة الأخيرين.والمفاجأة المرتقبة في هذا السياق ان يعلن الرئيسان السابقان هاشمي رفسنجاني والسيد خاتمي عن تأييدهما للمرشح الإصلاحي الدكتور حسن روحاني، واذا ما حدث ذلك فان احتمالات فوزه بأغلبية الأصوات ستصبح كبيرة.
-3 على الرغم من ان المرشحين الذين أقرهم مجلس صيانة الدستور ثمانية، فان السباق الحقيقي بين أربعة هم: محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران والدكتور علي ولايتي مستشار المرشد ووزير الخارجية طوال 16 سنة والدكتور حسن روحاني (رجل الدين الوحيد بين المرشحين) مسؤول مجلس الأمن القومي السابق وعضو مجلس خبراء القيادة وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الدكتور سعيد جليلي مسؤول الملف النووي في مجلس الأمن القومي.
-4 ثمة اتفاق بين مراكز استطلاع الرأي المحللين على أنه لا مفر من الاعادة بين اثنين من المرشحين، لأنه لا توجد بين الثمانية الشخصية القوية التي تستطيع ان تحسم السباق من الجولة الأولى.
-5 أيا كانت النتائج سيظل الفائز الحقيقي في الانتخابات هو المرشد السيد علي خامنئي (74 سنة) الذي اذا مد الله في عمره، فانه سيقضي السنوات الثماني المقبلة هادئ البال وبغير أي منغصات من جانب مؤسسة الرئاسة، لأن الرئيس المنتظر سيكون أحد رجاله المخلصين، ذلك ان قاليباف يعتبر نفسه من جنوده، أما الدكتور ولايتي فهو مستشاره، وجليلي وروحاني يمثلانه في مجلس الأمن القومي، على الرغم من ان الأول يعد محافظا والثاني إصلاحي.

(3)
ما سبق يعد استباقا قد يصيب وقد يخيب.وهو رصد للمشهد في الأسبوع الأخير من الرحلة، في حين ان ثمة مشاهد أخرى سابقة لا تكتمل الصورة بغير الاحاطة بها.فالمرشحون الثمانية الذين يتنافسون الآن هم من تمت اجازتهم من قبل مجلس صياغة الدستور، يعد فرز أوراق أكثر من 600 مرشح قدموا أوراقهم لكي يدخلوا السباق.ولئن بدا ان الذين تمت اجازتهم قد أصبحوا في صدارة المشهد، الا ان خبرهم لم يكن مثيرا للدهشة أو اللغط، لأن كليهما كان من نصيب المستبعدين.أعني بذلك تحديدا السيد هاشمي رفسنجاني أحد رفاق الامام الخميني الذي رأس مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية، وهو الآن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وكان له دوره البارز في تولي السيد خامنئي منصب المرشد بعد وفاة الامام.كما أعني السيد اسفنديار رحيم شائي رئيس الأركان السابق الذي رفض المرشد تعيينه نائبا لأحمدي نجاد رئيس الجمهورية، فاختاره الرجل مستشارا أول له.ورفسنجاني له ثقله التاريخي وشخصيته القوية والعريضة، فضلا على أنه صنف ضمن قادة الإصلاحيين إلى جانب السيد خاتمي.أما مشائي فان المحافظين يعتبرونه منحرفا، اضافة إلى أنه شعبوي له مؤيدون كثيرون في أوساط العامة، في حين ان النخب لا ترحب به كثيرا.
في الظروف العادية فان حملة الانتخابات الرئاسية تبدأ قبل موعد التصويت بحوالي سبعة إلى ثمانية أشهر، الا أنها تأخرت كثيرا هذه المرة، لأن الجميع وفي مقدمتهم المرشحون كانوا في انتظار التعرف على موقف كل من رفسنجاني ومشائي، وظل السؤال المتداول هو ماذا سيكون مصير التحالفات اذا ما ترشح الرجلان.وعلى سبيل المثال فان المرشحين الثلاثة الدكاترة علي ولايتي وحداد عادل وسعيد جليلي اتفقوا فيما بينهم على التنازل لواحد منهم اذا

ما رشح رفسنجاني نفسه، وكان مفهوما ان الإصلاحيين حسن روحاني ومحمد رضا عارف الذي كان نائبا للسيد خاتمي أثناء رئاسته للجمهورية سوف ينسحبان من السباق اذا دخل رفسنجاني إلى الحلبة.وحين استبعد الشيخ المخضرم فان الثلاثة لم يتنازل منهم أحد، كما ان روحاني وعارف واصلا المشوار.وكما ذكرت قبلا فان الجميع لايزالون يتساءلون عما اذا كان الشيخان رفسنجاني وخاتمي سيلتزمان الصمت حتى اللحظة الأخيرة، أم أنهما سيؤيدان الدكتور حسن روحاني بما قد يقلب الطاولة في اللحظة الأخيرة.
اللافت للنظر ان الشيخ رفسنجاني الذي أعرض الناخبون عنه في انتخابات عام 2009 حتى خسر السباق أمام الرئيس الحالي أحمدي نجاد أصبح يتمتع بشعبية كبيرة بعد ذلك، حتى اتفقت الآراء واستطلاعات الرأي على أنه سوف يفوز في الجولة الأولى اذا ما سمح له بالترشح هذه المرة.لهذا فان مفاجأة استبعاده كانت أكثر ما أثار اللغط والدهشة في المعركة الانتخابية، بل كان الخبر الرئيسي في كل نشرات أخبار المعركة.
السؤال الذي أثار اللغط هو كيف يمكن ان يستعبد من الترشح الرجل الثاني في الدولة الإيرانية الآن، على الرغم من أنه تولى الرئاسة من قبل وأثبت كفاءة ونجاحا، فضلا على أنه من مؤسسي الثورة وأعمدتها الرئيسية؟ لم يكن مقنعا ما قيل من ان الرجل تقدم في العمر (79 سنة) ولم يعد قادرا على تحمل مسؤولية المنصب.لأن الامام الخميني قاد الثورة وهو في الثمانين، فضلا على ان الحجة ذاتها يمكن ان تستخدم ضد السيد خامنئي حين يبلغ تلك السن بعد خمس سنوات، ليطالب بسببها بالتنحي عن منصبه.
الرأي الذي سمعته من أغلب الذين تحدثت اليهم ان استبعاد رفسنجاني كان في حده الأدنى لارضاء السيد خامنئي إن لم يكن برغبة منه.لأن الرجل يعتبر نفسه شريكا وليس مقلدا للمرشد.والشريك يمكن ان يكون منافسا أو مناوئا، وهذا ما لا يرحب به القائد.وهناك تفاصيل كثيرة تتردد عن محاولة الشيخ مقابلة المرشد والتفاهم معه قبل تقديم أوراق ترشحه، لكن ذلك اللقاء لم يتم، ولذلك فان رفسنجاني اتخذ قراره في نصف الساعة الأخير قبل انتهاء الموعد.ويحسب له أنه التزم الصمت حين رفضت اجازته، وباستثناء اشارات ضيق واستياء مقتضبة، فانه هو ومشائي لم يحولا الرفض إلى أزمة أو معركة مع المرشد.وآثرا تمرير الموقف في هدوء حفاظا على استقرار الموقف الداخلي.

(4)
حين زرت طهران في آخر مرة قبل سنتين كانت لا تزال كما عرفتها مدينة الشهداء التي تغطي جدرانها صور وجوه الإيرانيين الذين سقطوا في حرب السنوات التسع مع العراق.لكن مدينة الشهداء أصبحت الآن مدينة الجسور والأنفاق والطرق الالتفافية السريعة، إلى غير ذلك من مظاهر الانقلاب العمراني الذي عرفته العاصمة منذ انتخب قاليباف رئيسا للبلدية فيها.لاحظت أيضا ان ارتفاع البنايات والأبراج السكنية توازي مع ارتفاع مماثل في أسعار السلع الغذائية، التي تضاعفت أسعار بعضها ثماني مرات في المتوسط، وفي حين ارتفعت البنايات والأسعار فان صوت النخبة الذي أعرفه صاخبا ولاذعا انخفض كثيرا، حتى أصبح الحوار من خلال الهواتف المحمولة والانترنت متقدما كثيرا على الحوار الذي تشهده المنابر العامة الملتزمة بسياسة الدولة وتوجيهات المرشد.وحين قلت ان المرشد في خطبته بمرقد الامام الخميني في ذكرى وفاته حث الناس على التصويت في الانتخابات الرئاسية وتحويل المناسبة إلى «ملحمة»، قال لي أحد الخبراء ان الولي الفقيه يتأهب للدخول في طور جديد يمارس فيه ولايته المطلقة.وهذه الانتخابات تهمه شخصيا بأكثر مما تهم المجتمع الإيراني.لذلك لن استغرب اذا قل اقبال الناس عليها، بعدما أدرك كثيرون أنهم ليسوا طرفا أصيلا فيها، وهو ملاحظة استوقفتني حتى صرت أسأل: في هذه الحالة هل تكون الانتخابات قرينة على التقدم إلى الأمام أم النكوص والتراجع إلى الوراء، وهو سؤال لا أطرحه من فراغ، لأن الحوارات غير المسموعة في وسائل الاعلام باتت تدعو إلى اعادة النظر في صلاحيات المرشد ووضع المرجعية والى التفكير من جديد في مسألة ولاية الفقيه، خصوصا ان المرشد السيد خامنئي في العام المقبل سيكون قد قضى ربع قرن في منصبه.
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية