عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حسن أبوطالب يكتب: الإخوان والدولة المصرية

مقر جماعة الإخوان
مقر جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم

مع صعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر وانتخاب أحد أعضائها البارزين رئيساً، ظهرت تعبيرات فريدة من قبيل «التأخون» و«الأخونة».

الأول أشار إلى هؤلاء الذين مالأوا الجماعة ونافقوا سياساتها وتحولاتها الأخيرة، وباتوا يدافعون عنها وعن سلوكها في الحكم، متصورين أن تلك هي الطريقة للتقرب من الجماعة ومن الرئيس وصولاً إلى منصب أو منفعة ما. أما «الأخونة» فهي التعبير الذي أصبح أكثر انتشاراً والأكثر سلبية، إذ يشير إلى جهود متعمدة تقوم بها الجماعة تحت رعاية مباشرة من الرئيس محمد مرسي ودعم وتخطيط من مكتب إرشاد الجماعة من أجل التمكن من المناصب العليا في المؤسسات المختلفة والمحافظات والإدارات المحلية والوزارات، كوسيلة لا محيد عنها من أجل تثبيت حكم الجماعة وإطالة أمده وتحقيق الخطة القديمة الجديدة في آن، وهي التمكن من مصر شعباً وموارد ومجتمعاً ومؤسسات ورئاسة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

كانت انتقادات حزب النور السلفي لتحركات جماعة الإخوان لتسريب العديد من أعضائها في المناصب المختلفة قدر بعدد 12 ألف وظيفة في مستويات متعددة، وفقاً لما أعلنه الشيخ يوسف مخيون رئيس حزب النور أمام الرئيس مرسي في أحد اللقاءات التي جمعته وممثلي أحزاب مختلفة، واحدة من تجليات فك الارتباط بين هذا الحزب السلفي الواسع الانتشار والجماعة. فبعد أن وقف الحزب مع الجماعة منذ الانتخابات البرلمانية الأولى وانتخابات مجلس الشورى ومساندته غير المسبوقة لمرشح الجماعة في انتخابات الرئاسة، تبين له أن الجماعة لا تقدر من يساندها أو يرغب في التعاون معها حتى من أجل تحمل مسؤولية إعادة بناء الوطن وفق قناعات مرجعية إسلامية، وأن الأولوية هي لأهدافها الخاصة، وأن مسألة التمكين هي استراتيجية واجبة التنفيذ مهما أدت من انتقادات أو استنكار.

تمكين الجماعة أو تمكنها من الدولة المصرية ليست فكرة افتراضية أو خيالية، فإلى جانب قوائم الأسماء الإخوانية المتزايدة التي باتت معروفة ومنتشرة في مصادر الأخبار المختلفة وتم تعيينها في مناصب قيادية متنوعة سواء في الوزارات أو المحافظات المختلفة، فهناك الخطة المحكمة التي تنظم وتهندس هذا التمكن التدريجي أفقياً ورأسياً. وهي خطة نُشر الكثير عنها منذ عام 2005، ونسبت وثيقتها الرئيسة إلى المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام والمعروف بأنه حامي خزائن الجماعة ورجلها القوي، وكان عنوانها «فتح مصر»، وهو عنوان ذو دلالة رمزية وتاريخية لا تخطئها العين، فحين فُتحت مصر على يد الصحابي عمرو بن العاص قبل 1400 عام، لم تكن مصر قد عرفت الإسلام ولم تدخل فيه، فجاء فتحها مقروناً بدخول الإسلام وانتشاره بين المصريين مع الحفاظ على عقيدة بعض المصريين الأقباط الذين ظلوا على دينهم وعقائدهم. وحين يُقال إن الجماعة تريد فتح مصر وتسعى إلى ذلك وفق خطة منهجية، من بين خطواتها نشر دعوة الإخوان بين الناس والتغلغل في النقابات المهنية واتحادات الطلاب الجامعية ووسائل الإعلام ومجالات الاقتصاد والتجارة المختلفة، والمشاركة في الانتخابات البرلمانية وإقامة سلاسل المدارس الإخوانية والجمعيات الأهلية والأنشطة الخيرية، بعد كل هذا الزمن الطويل من استقرار الإسلام فيها، فكأن مصر فقدت هويتها وباتت مؤهلة لإعادة بناء هويتها من جديد ولكن بيد الجماعة وفكرها.

ومع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) تبدلت الأوضاع كثيراً، وجاءت الفرصة التاريخية للجماعة لكي تصل إلى أعلى مراتب السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس محمد مرسي، والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشورى ذي الغالبية الإخوانية والذي مُنح سلطة تشريع موقتة وفقاً لدستور 2012، وذلك إلى حين انتخاب برلمان جديد المرجح أنه لن يرى النور قبل مطلع العام الجديد. وبما أن طموح الجماعة أكبر من مجرد اعتلاء وسيادة سلطتين أساسيتين في الدولة المصرية الحديثة، وهما التنفيذية والتشريعية، تتوجه أنظار الجماعة إلى مؤسسة القضاء بغية التغلغل والتمكن. لكن تقاليد المؤسسة القضائية والقوانين التي تنظم عملها وتراثها المدني الليبرالي بشكل عام، على رغم وجود قضاة ينتمون للجماعة أو يميلون إليها، تحول دون وصول الجماعة إلى هدفها الأسمى وهو التمكن من هذه المؤسسة لاستكمال منظومة التمكن من مؤسسات الدولة المصرية. ومن هنا يأتي ذلك الصراع المدوي بين تحركات الجماعة وبين إصرار غالبية القضاة على استقلال مؤسستهم.

الدولة تقاومهم

ليس القضاء وحده الذي يبدو عصياً على الجماعة واستراتيجيتها، فهناك الإعلام والجيش والمخابرات وأجهزة الأمن الوطني والداخلية، فلكل هذه المؤسسات تقاليد تتعلق بفكرة الدولة الحديثة التي تعمل خلالها المؤسسة لصالح كل المواطنين، إضافة إلى خبرة ثورة 25 كانون الثاني (يناير) ودوافعها وطموحاتها في الحرية والمشاركة والعدالة والتي يتعلق بها قطاع كبير من المصريين، وكذلك البيئة السياسية التي تولدت عنها وتحركات القوى الشبابية التي تأخذ منحى إبداعياً متصاعداً في وسائل المواجهة والتصعيد والتعبئة الشعبية ضد الجماعة ومساعيها في أخونة الدولة، من بينها حملات «الإخوان كاذبون» و «تمرد» التي فرضت نفسها في الشهرين الأخيرين، والتي تسعى إلى نزع الشرعية الشعبية عن الرئيس مرسي نظراً للإخفاقات العديدة التي حدثت في ظل رئاسته. وهي عوامل متضافرة معاً تحول دون انصياع هذه المؤسسات السيادية لإرادة جماعة واحدة أو فصيل واحد حتى لو كان الرئيس منحدراً منها، لكي تكون في مواجهة باقي الشعب بفصائله وتياراته وأجياله المختلفة.

وما الانتقادات التي يوجهها رموز الإخوان ومن يواليهم من قيادات أحزاب صغيرة ذات أصول إخوانية بالأساس لمؤسسة القضاء وللجيش والمخابرات وجهاز الأمن الوطني، والمطالب التي تُرفع تحت شعارات تطهير القضاء والداخلية وإقصاء ما يقرب من 3000 قاض بدعوى ارتفاع السن، إلا محاولات فجة تحت مظلة عمل تشريعي مشكوك في شرعيته بهدف ضخ عناصر إخوانية في هذه المؤسسة كخطوة لإخضاعها لاحقاً.

معضلة التمكن الإخواني من الدولة المصرية هي جزء من معضلة أيديولوجيا الجماعة ذاتها في ما

يتعلق بوضع الدولة والوطن، والتي تربت عليها أجيال الجماعة منذ نشأتها وإلى الحين. والتي يتنازعها تياران رئيسيان، الأول تعليمات مؤسس الجماعة حسن البنا كما وردت في رسائله، والثاني أحد أبرز مفكريها وهو سيد قطب، الذي أسس لفكرة المجتمع الجاهلي الواجب استئصاله حتى يمكن تطبيق شرع الله، والتي أسست بدورها لقناعة - على الأقل لدى البعض - أن من يخالف جماعة الإخوان ينتمي إلى المجتمع الجاهلي الواجب محاربته وتغييره.

ما يتعلق بالإمام المؤسس نجد في إحدى رسائله ما يكشف عن مبادئ خطة متدرجة من عشرة عناصر تهدف إلى تمكن الجماعة مما سماه أستاذية العالم، منها ستة عناصر تتعلق بنشر فكر الجماعة في المجتمع المحلى، والعناصر الأربعة الأخرى تتعلق بتحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق لتؤدي مهمتها كخادم للأمة وأياً كان شكلها فالمهم هو أن تكون متوافقة مع القواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي فإن أدت واجبها فلها السمع والطاعة وإذا قصرت فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد. وثالثا إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ويما يؤدي إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة. وأخيراً أستاذية العالم بنشر الدعوة الإسلامية في ربوع العالم.

هذه الخطوات العشر تخلو تماماً من فكرة الدولة المدنية الحديثة، كالتي أنشأها محمد علي مطلع القرن التاسع عشر، ذلك أن الوطنية والجنسية والمواطنة لدى الإمام المؤسس ليست مرتبطة بالوطن وحدوده الجغرافية، وإنما الوطن هو العقيدة الإسلامية. وأينما يكون الإسلام يكون الوطن لعضو الجماعة. ولذا لم يكن غريباً أن يصرح أحد أقطاب الجماعة، وهو مرشدها العام السابق مهدي عاكف بأنه لا يرفض أن يحكمه، وهو المصري، مسلم ماليزي مثلاً. ووفقاً لما ورد في مبادئ الإمام المؤسس من تدرج يبدأ «بأخونة المجتمع»، ثم القفز على الحكومة ويتلوها مباشرة توحيد الأوطان المسلمة وإقامة الخلافة وأخيراً ريادة وأستاذية العالم، فإن الحالة المصرية، قياساً على هذه الخطوات، تُعد في إطار يجمع بين عنصري أخونة المجتمع والهيمنة على الحكومة بمعناها الشامل التي يعني نظام الحكم بمؤسساته الثلاث. ومن يعود إلى بعض تصريحات قادة الإخوان أثناء الحملة الانتخابية للرئيس مرسي، سيجد توظيفاً لفكرة أن انتخاب مرسي رئيساً هو خطوة لازمة نحو أستاذية العالم بعد إقامة دولة الخلافة. وبالتالي فإن التمكن من مفاصل الدولة المصرية يعد شرطاً لازماً من وجهة نظر الجماعة وقناعاتها الفكرية الأصيلة حتى تستطيع أن تصل إلى دولة الخلافة.

التمكن الإخواني كما يفهمه المصريون في السياق الراهن هو مغالبة وليس مشاركة، بعبارة أخرى هو هيمنة على صنع القرار وعلى المؤسسات، وتجاهل القوى الأخرى والمغايرة بل وإقصاؤها، وفي أفضل الأحوال تجاهلها إلى حين. والمغالبة تعني أولوية مصالح الجماعة على حساب الوطن والدولة ومؤسساتها المختلفة. والشائع، مصحوباً بالشواهد العديدة، أن الرئيس مرسي يتنازعه سلوكان متضاربان، الأول يتعلق بكونه رئيساً لا بد أن يكون مسؤولاً عن كل من يعيش على أرض مصر أياً كان فكره أو انتماؤه السياسي، وتلك بدورها محل شكوك كبيرة وانتقاد دائم. والثاني التزامه ذو الأولوية بالجماعة وأهدافها وفكرها، والتي لولاها لما كان هناك من يسانده فيما يقوم به من أداء يصب في مجال هيمنة الجماعة على مفاصل الدولة المصرية.

صحيح أن بعـــض الأصوات الإخوانية تتحدث أحياناً عن أن الإخوان لا يستطيعون وحدهم تحمل عبء الخروج بمصر من أزماتها الموروثة عن النظام السابق، وأن الأخونة ليست إلاّ افتراءات ومن لديه دليل يقدمه، لكن تحركاتهم الفعلية حتى تجاه قوى رئيسية في التيار الإسلامي السائد الآن في مصر، مثل حزب النور السلفي، تؤكد أن تلك التصريحات ليست إلا نوعاً من ذر الرماد في العيون، ولا تأثير فعلياً لها. فالقناعات الراسخة هي ما يجب أن يسود.

نقلا عن صحيفة الحياة