رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد السعيد ادريس يكتب : أمن مصر في سيناء بين الواقع والخيال

بوابة الوفد الإلكترونية

يبدو أنه لم تعد هناك مسافة يعتد بها بين الواقع والخيال السياسي في مصر، فالواقع مؤلم وينذر بالخطر الشديد، لكن الأفدح هو أن الخيال أضحى مقزماً وضئيلاً وغير قادر على تقديم الإلهام بأي صورة من الصور، وهذه هي الكارثة الصادمة .

مؤشرات ذلك كثيرة، أستطيع أن أتحدث عن إحداها عن قرب . فقد دعيت ظهر يوم الأحد الماضي (19 مايو/أيار الجاري) لحضور “اجتماع عاجل وطارئ مع الرئيس محمد مرسي بقصر الاتحادية” . السبب كان البحث في أزمة الجنود المختطفين داخل سيناء . لم يكن موعد الاجتماع يزيد على ساعتين من لحظة توجيه الدعوة، وهنا كان اعتقادي أن الأمر جلل وخطير، وأن هناك ما يشبه “خلية أزمة” يترأسها الدكتور مرسي، وحتماً بمشاركة خبراء ومتخصصين ومسؤولين عسكريين وأمنيين للبحث في أفضل السبل لحل الأزمة، وهذا ما فرض سرعة التفكير وعدم التردد لحظة في قبول الدعوة، اعتقاداً مني أنه في مثل هذه الظروف الوطنية والخطيرة يجب تنحية كل الخلافات جانباً، وأن تكون كل الأولوية للمصلحة الوطنية . بهذا الاعتقاد وافقت على المشاركة وتلبية الدعوة شاكراً، وبهذا التصور للاجتماع وأهميته ذهبت وأنا أركز ذهني على وضع تصورات وأفكار لإنقاذ الجنود السبعة المختطفين والحفاظ على هيبة الدولة التي أرى أنها تتداعى، وكم كانت صدمتي هائلة عندما أدركت أن كل ما اعتقدته وتصورته كان مجرد وهم وخيال، وأنا الذي مازال غارقاً في مثاليته وسذاجته .

فعندما دخلت إلى قاعة الاجتماع لم أجد أي خبير يعتد به، ولا أي مسؤول عسكري أو استخباراتي أو أمني، أو أي أستاذ متخصص، لكن وجدت الوجوه ذاتها التي اعتادت أن تشارك في الحوارات الهامشية التي تعقدها الرئاسة وتقاطعها المعارضة الوطنية خاصة الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في “جبهة الإنقاذ الوطني” وجدت رؤساء أحزاب معظمها أحزاب إسلامية خاصة حزب الوسط وحزب النور وحزب الأصالة وحزبي الوطن والأصالة والتنمية، إضافة إلى أحزاب أخرى موالية مثل حزب الإصلاح والتنمية، وحزب العمل، وشخصيات أخرى مثل رامي لكح وعمرو خالد وإبراهيم المعلم والسفير إبراهيم يسري منسق جبهة الضمير والزميل وائل قنديل، وأحد مشايخ قبائل سيناء . كل هؤلاء ليست لهم أي علاقة بمسألة عقد ورشة عصف ذهن للبحث عن حلول مدروسة تقدم للرئاسة، ولذلك كان منطقياً أن يكون الاجتماع مجرد اجتماع تقليدي للاستماع إلى ما توصل إليه الرئيس من حلول مع مساعديه ومستشاريه، ثم مشاركة الحضور بالثناء على تلك الجهود، وتقديم كل منهم مطالبه أو مطالب حزبه .

هناك من طالب بتحويل سيناء إلى منطقة حرة، وهناك من طالب بعفو رئاسي عن المحكومين في قضايا إجرام وإرهاب من أهالي سيناء، وهناك من طالب أن تتم إعادة محاكمة المحكومين غيابياً وعددهم نحو 600 شخص، وهناك من أسرف في الحديث عن “الشعب السيناوي” من دون اعتبار لما يعنيه مثل هذا المصطلح من تهديد لوحدة الشعب ووحدة الأرض، ولعل هذا ما أغرى السيناوي الوحيد المشارك في الاجتماع ليتحدث عن أنه “ليس هناك شبر واحد في سيناء لا يخضع لسيطرة إحدى القبائل العربية السيناوية” ضارباً عرض الحائط بكل ما يعنيه ذلك، في حضور رئيس الجمهورية، من نفي كامل لوجود الدولة في هذا الجزء شديد الخصوصية من أرض مصر .

لم أتصور لحظة أن يكون مثل هذا الاجتماع بمشاركة مثل هؤلاء، أو أن تطرح فيه مثل هذه الأفكار . كان تصوري عن اجتماعات الرئاسة بخصوص الأزمات شيئاً آخر مختلفاً، لكني لم أجد أبداً أدنى درجة من الاختلاف بين الواقع المرير للسياسة والحكم في مصر الذي يعيشه ويتلمسه الآن كل مصري وبين الخيال عن “أبهة الرئاسة” وأهمية اجتماعاتها وحواراتها، وكيفية صنع القرار السياسي والقرار

الأمني في هذا الوقت العصيب من حياة مصر والمصريين .

أما وقد تم تحرير المخطوفين سلمياً، فمن المهم الاشارة إلى أن الخاطفين تعمدوا ليس فقط إذلال المختطفين بل إذلال الدولة في مؤشر شديد الخطورة إلى الأمن الوطني المصري، خصوصاً في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية العصيبة، وفي ظل طموحات الكيان بافتعال الأزمة تلو الأزمة داخل سيناء وتضخيم مخاطر مثل هذه الأزمات على الأمن “الإسرائيلي” في محاولة لنقل ملف سيناء إلى مجلس الأمن تحت دعوى أنها تحولت إلى “مأوى للإرهاب” و”ملاذاً آمناً” لمن يريدون النيل من أمن ووجود “إسرائيل” بهدف الخروج بأحد قرارين: إما تمكين “إسرائيل” من الدخول إلى سيناء وفرض شريط حدودي آمن على غرار ذلك الشريط سيئ الذكر الذي فرض في جنوب لبنان على طول الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة بعرض 15 أو 20 كيلومتراً، وإما فرض وجود قوات دولية لحفظ السلام بين مصر و”إسرائيل” على طول خط الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة .

المعنى المباشر لهذا كله، أن سيناء في طريقها إلى أن تتحول إلى عبء على الأمن الوطني المصري، بسبب تآكل هامش الثقة بين المصريين من أهالي سيناء والسلطة في مصر، أو بسبب تزايد الخطر “الإسرائيلي” أو بسبب التحديات التي تعيشها مصر الآن في الداخل من انقسام سياسي وصل إلى درجة الاستقطاب بين من يحكمون ومن يعارضون يؤدي يوماً بعد يوم إلى مزيد من الشلل الأمني والتدهور الاقتصادي ووضع مصر أمام خياري: ثورة الجياع أو الحرب الأهلية .

إدراك هذا الخطر يجب أن يكون الشغل الشاغل الآن لكل المصريين الحكم والمعارضة، فليس هناك حل من دون البدء باستعادة روح وثقافة التعايش المشترك والدخول في حوار وطني حقيقي ينهي سياسات الإقصاء السياسي والسيطرة على الحكم من جانب الإخوان ويؤسس مجدداً ل”شراكة وطنية” منها يكون التوجه نحو منظومة جديدة من الحلول الأمنية والاقتصادية تضع في اعتبارها أن سيناء يجب أن تكون لمصر لا عليها، وأن تكون مرتكز الأمن الوطني الحقيقي، وهذا كله لن يتحقق إلا بالتوافق الوطني، ومراجعة اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، وخاصة في شقها الأمني الذي يحرم جيش مصر من حق الانتشار السيادي على كل أراضي سيناء ويفرض عليه الدفاع عن مصر من البر الغربي لقناة السويس، ويجعل سيناء منطقة فراغ أمني استراتيجي لصالح الكيان الصهيوني . لكن يبقى التحدي الأهم هو: كيف يمكن تحويل هذا الخيال إلى واقع؟
نقلا عن صحيفة الخليج