رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبد الرحمن سيف النصر يكتب :مخاطر الحل الأمني

شريف عبد الرحمن سيف
شريف عبد الرحمن سيف النصر

من المعلوم أن سيناء المصرية كانت ولا تزال ضحية سنوات من الإهمال والعزلة، وأن سكانها كانوا ولا يزالون ضحايا سنوات من الارتياب والشك. ومن المعلوم أن النظام السابق لم يحقق التزاماته تجاه هذا الإقليم الحيوي من أقاليم الدولة المصرية،

ولم يحقق فيها أي معنى من الانتماء إلى الدولة المصرية على نحو جاد. ومن المعلوم أن حالة العزلة وغياب الخدمات التي غرقت فيها سيناء لسنوات طويلة سمحت لجماعات كثيرة أن تعتبر نفسها خارجة عن مفهوم الدولة، وأن تعتبر نفسها في خصومة مسلحة مع أجهزتها، إلى الدرجة التي تقدم معها على تصفية جنود مصريين ثأرا لمحكوميهم، فضلاً عن أن تهاجم مقرات الشرطة أو تختطف مجندين لمساومة الدولة على الإفراج عن معتقليهم كما حدث في الأزمة الأخيرة.
أما غير المعلوم فهو حجم تدخل الخارج في هذه اللعبة المعقدة، سواء على المستوى الصريح أو على مستوى التحريك غير المباشر للجماعات المسلحة الموجودة على الأرض. فأطراف خارجية كثيرة يهمها أن تبقى سيناء على حالتها الخالية من العمران، ويهمها أن تظل جماعاتها المسلحة ذات حضور فعال يعرقل خطط التنمية ويحول دون امتداد معنى الدولة لهذا الإقليم الاستراتيجي. ولذا كان ملف سيناء دوما محط أنظار أطراف دولية وإقليمية يعنيها أن يغيب الاستقرار عن هذا الإقليم. أو يهمها التأثير سلبيا على الحراك السياسي الداخلي وعلى توجيهه في وجهات معينة.
وتبدو ملامح هذا التأثير في الأزمة الأخيرة أوضح، فالأفعال تبدو مخططة على نحو بدائي، وهي في مجملها تساق في اتجاه معين يتضمن المزيد من التصعيد وليس حل الأزمة على أية نحو. فاختطاف الجنود ثم تصويرهم في وضعية الأسرى، وهم معصوبو الأعين، مربوطو الأيدي، يضفي مبالغة على السلوك الثأري، ويصعد من مستوى الخصومة بحيث لا يمكن تصور معالجتها على نحو غير صدامي وكأن التصعيد هو الغرض وليس الإفراج عن المعتقلين.
ما يدفع بالتفكير أيضا في اتجاه دور الخارج في تلك الأزمة هو تلك الحالة من الحشد الإعلامي والتكتل "النخبوي" باتجاه التصعيد المضاد، خاصة أن هذه النخبة تتقاطع مصلحتها مع الخارج في استثمار الأزمة لتصفية حسابها مع الإسلاميين، بأكثر مما يهمها حل الأزمة في سيناء. والدليل هو سكوتها المطبق عن أزمات من نفس النوعية كانت تحدث خلال عهد النظام السابق، ثم حرصها على إدانة التيار الإسلامي بكافة فصائله بمناسبة هذه الأزمة، حتى سمعنا أحد مفكري النخبة وهو يؤكد أن البلد صارت واقعة في إطار ثلاثية خطيرة، تتمثل في تيار إسلامي يحكم باسم الدين، وتيار سلفي يتفاوض مع الخاطفين، وجماعات إرهابية تمارس العنف، ويطالب من ثَمَّ باتخاذ موقف واضح وصريح من هذه التيارات، وكأن استبعاد هذا التيار من الحياة السياسية هو ما سيضمن أن تستتب الأمور ويعود الخاطفين إلى رشدهم ويخلوا سبيل المخطوفين.
من ناحية أخرى فإن تزامن هذه الأحداث مع النشاط الحكومي المكثف في موضوع تنمية محور قناة السويس القريب من سيناء يشير إلى احتمال أن يكون مقصود الأزمة الحالية إحداث حالة من القلق الأمني الذي يصعب معه ترجمة مشاريع التنمية إلى واقع حقيقي. خاصة أن المرجفين من النخبة لم يضيعوا وقتهم، وبدؤوا عقب الأزمة مباشرة في التحذير من الإقدام على مشروع القناة، وفي الطنطنة حول هروب المستثمرين من المنطقة، وفي التأكيد على أن ما يجري يحمل

بصمات تنظيم القاعدة نفسه، فضلاً عن ثرثرة متناثرة عن خلافات داخلية بين الرئاسة وقادة الجيش، تصب جميعها في اتجاه عرقلة أي عملية تنموية محتملة والحيلولة دون استقرار الأوضاع في مصر الثورة على أي نحو.
ولكن التورط في حرب أهلية مع سكان إقليم كان دائما ما يستشعر حالة من التهميش والاضطهاد يمكن أن يخلق في مصر دارفورا جديدة تكون ذريعة للتدخل الدولي على مستويات مختلفة. وهذا ربما ما يريده من يطنطنون حول استحالة التفاوض مع الخاطفين، وحول هيبة الدولة، وضرورة الحسم العسكري، إلى آخر هذا الكلام الذي يختلف ظاهره في معظم الأحيان عن باطنة، والذي لا يصلح للتطبيق الحرفي في أزمة تحمل طابعا استدراجيا واضحاً، قد تورط الدولة في منازلات ثأرية أو تجرها إلى حرب عصابات لا يحسن أن تنحدر إليها، كما أنه قد يفتح الباب أمام تدخلات دولية تعيد تكرار السيناريو الدارفوري المشؤوم.
من ناحية أخرى، فإنه من غير المتوقع أن يسفر قرار التدخل المسلح، الذي يلح عليه ثوار الفضائيات، والنخبة الطفيلية عن نجاة الجنود الذين تم اختطافهم، أو ردع الخاطفين الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب مظالم حقيقية. فالحلول الأمنية عادة ما تفشل في إجهاض التمردات القبلية، وقلما تنجح في تصفية المقاتلين الأيديولوجيين، وكما رأينا في الحالة الجزائرية. تم استنزاف جهاز الدولة لمدة عشر سنوات في محاولة لاستئصال العنف الأيدولوجي، ورغم ذلك لم ينته مسلسل القتل إلا من خلال سيناريو للوئام المدني.
وعليه فإنه يفضل أن تمارس الدولة المصرية نوعا من ضبط النفس بشكل أو بآخر إزاء هذه الأزمة. وذلك غلقا لباب الفتنة الداخلية، ووأدا لمحاولات التدخل الخارجي. وإذا كان التفاوض المباشر من جانب النظام مع الخاطفين يمكن أن يتسبب في إحراج له فيمكن أن يقوم بهذه الخطوة أفراد المجتمع المدني من العلماء وقادة الحركات السلفية الذين يحظى كثير منهم بثقة شيوخ البدو. ويجب التذكير بأنه إذا كانت المقارنة بين حل أمني يتضمن إهدارا للمزيد من الدماء ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية محتملة، وحل سلمي يتضمن خسارة سياسية مؤقتة للنظام أو لأحد مفاصل حكمه فإن المفاضلة يجب أن تحسم لصالح الخيار الثاني، ولو كره المرجفون!
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية