رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبد المنعم سعيد يكتب : الانفجار أو الانطباق أو السيولة؟!

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

باتت الخيارات المتاحة في منطقتنا كلها صعبة، بل وكافية لخلق صداع مخيف لكل من عليه اتخاذ القرار، وحتى نعرفها ربما نحتاج إلى درجة من التبسيط. تعالوا نتخيل علبة فارغة من علب المشروبات الغازية. كل ما علينا، وبطريقة محكمة،

أن ندخل فيها هواء ساخنا أو باردا وبقوة اندفاع كبيرة، والنتيجة سوف تكون أن تنفجر العلبة وتتحول إلى شظايا كل منها له أطراف حادة تكفي للجرح وربما القتل. كان ذلك هو ما فعله إرهابيان من أصل شيشاني في مدينة بوسطن الأميركية عندما أحضروا إناء الطبخ بالبخار، ووضعوا فيه بضع شفرات ومسامير وأدوات صغيرة حادة، ومع بعض البارود الذي تم استخلاصه من ألعاب الأطفال مضافا إليه آلة تفجير صغيرة مستخلصة أيضا من لعب الأطفال. هذه تم تفجيرها فتولد عنها بخار كثيف ضغط على جوانب الآنية فإذا بها تنفجر في مكان تقتل ثلاثة وتصيب 260 بجروح قطعية. العكس يمكن أن يحدث أيضا، ولكن النتيجة سوف تكون مختلفة، وهو أن يتم سحب الهواء من العلبة بسرعة واندفاع، فيكون المشهد هو أن تنطبق العلبة على نفسها لأن الضغط من خارجها تفوق على ذلك الواقع داخلها، فانطبقت على نفسها ولم تعد علبة على الإطلاق. ماذا يحدث لو أن كلتا العمليتين تمت في آن واحد؟ الحقيقة أن النتيجة لن تكون متعادلة، فسوف تتشقق العلبة نتيجة الضعف الذي سوف تتعرض له جدرانها، وتصبح حالة السيولة هذه، حيث لا انفجار أو انطباق، وسيلة من وسائل الكسر والوهن.
بشكل ما، فإن هذا التبسيط هو ما يجري بشكل أكثر بشاعة في منطقتنا العربية، كان البخار قد تراكم طوال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ومع العقد الثاني انفجرت دول عربية لم تعد تتحمل ضغط البخار المتصاعد داخلها، وكان ذلك هو ما سمي «ثورات»، أو ما ادعاه رومانسيون «الربيع العربي»، ولكن الثورة ما كان لها قيادة تعرف إلى أي اتجاه تذهب، ولا الربيع كان يانعا بزهور أفكار جديدة تقيل دولا من عثراتها ومن مد يد البؤس لغيرها. انفجر العراق بعد إطاحة صدام حسين عن طريق قوة أجنبية، ولكن لا انسحاب هذه القوة سمح بعودة البلاد إلى مسارها الطبيعي، ولا ذهاب صدام أعطى لجماعات كثيرة أن تستغل الحرية التي حصلت عليها، وما انتهى إليه الأمر كان أن العراق بدأ ينطبق على نفسه، متشظيا إلى الداخل في حالة انطباق عجيبة. وما جرى في العراق بدأ يتكرر بقوة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وظهرت تقلصات له في دول عربية أخرى أخذت أشكالا أقل من الانفجار والانطباق، فبقي بعض من جدران العلبة ولكن العلبة نفسها باتت معوجة في أماكن متعددة.
ما جرى في الكثير من الدول من انفجارات، تلتها انطباقات من السماء على الأرض، ومن بعد ذلك لم يعد هنا إلا سيولة تظهر في ضعف الدولة وعجز النخبة السياسية عن الاتفاق على شيء ما، ووقوف دول الجوار والنظام الدولي عاجزين عن فهم ما يحدث. تونس انفجرت وذهب الديكتاتور، ولكنّ السلفيين جاءوا وتنظيم القاعدة حل على الساحة، وباتت المظاهرات موازية لعدد الوزارات والتعديلات الوزارية. واختلفت مصر كثيرا أو قليلا ولكن الجوهر بقي على حاله، فالدولة لا تخرج مشروعا إلا وكانت الاعتراضات عليه كتلك التي ذاعت أيام النظام القديم، وباتت الحكومة والمعارضة في حالة خصام تشبه الخصومات الزوجية بعد فترة العسل في ميدان التحرير، وضربت السلطات بعضها في بعض، فإذا ما فتحت السلطة القضائية ملف مشروعية مجلس الشورى، فتح المجلس قانون السلطة القضائية، وتنطبق الجدران بعدها فورا على مؤتمر العدالة. الانفجار والانطباق والسيولة الجارية في القاهرة لا تجعل

واشنطن تعرف ما إذا كانت مصر حليفا أو عدوا، ولا تجعل صندوق النقد الدولي يعطي قرضا أو يحجبه، ولا تعود الدول العربية المستورة تعرف هل تترك مصر تنهار، أم أنها أكبر من أن تنهار فتضيع المنطقة من ورائها.
حالة سوريا لا تقل فيها المعادلة الثلاثية، فتصاعد البخار الاحتجاجي على البعث أدى إلى الثورة، ولكنها اختلطت بأبخرة من نوع جهادي قاعدي يذكر بما جرى في العراق تحت تحكم الزرقاوي في المناطق السنية، ونتيجة الانفجار كانت محاولات لاستيعاب البخار من قوى خارجية حاول بعضه سحبه بعيدا عن السلطة مثل إيران وحزب الله وروسيا، وبعضه الآخر حاول تكثيفه لعل القضية تنتهي وتعود الأيام الطيبة للشام سيرتها الأولى. الدول العربية تنقل الاعتراف بسوريا من البعث إلى قوى الثورة المؤتلفة والمتحالفة، ولكن الدول العربية تستنكر في الأمم المتحدة الاعتداء الإسرائيلي على سوريا، وبعدها يجري في الأمم المتحدة أيضا إلقاء اللوم على النظام السوري وتحميله - عن حق - مسؤولية استمرار الأزمة. هل توجد حالة سيولة أكثر من ذلك؟ وهل يمكن لدولة لم تعرف حكما مركزيا ولا دولة مثل ليبيا أن تخرج من تلك الحالة السائلة دون أن تغرق أو تنكسر؟
لا أظن أن مثل هذه الحالة يمكنها أن تستمر طويلا، ولقد سبق أن شبهت الموقف في المنطقة العربية الشرق أوسطية بالأحوال في أوروبا خلال القرن التاسع عشر وكيف تحولت الفوضى - وهي خليط من الانفجار والانطباق والسيولة - التي جلبتها الثورة الفرنسية إلى نظام استمر مائة عام. ولكن النظام لم يتولد فجأة أو دون محاولة وقيادة، وما نشاهده أن هناك محاولة للصياغة تجري في الجامعة العربية تحت القيادة الخليجية هذه المرة، وبالتعاون مع الأمم المتحدة تارة والدول الكبرى تارة أخرى. ولكن الشواهد تقول إن الصياغة ليست قريبة، فالحالة مغرية للأقوياء لميراث إقليم بأكمله. لاحظ هنا أن روسيا في الوقت الذي وافقت فيه على عقد مؤتمر دولي يخص الأزمة السورية قامت بتزويد بشار الأسد بصواريخ مضادة للقطع البحرية، وصواريخ أخرى مضادة للطائرات لكي تمنع المؤتمر من اتخاذ أي قرار له علاقة بالحصار البحري أو المناطق المانعة للطيران. باختصار، لا حل إلا في الحدود التي تعطي لبشار سبيلا إلى المشاركة. روسيا تعرف أن الانفجار والانطباق الذي جرى أنهى إلى الأبد بشار وسلطته، ولكن موسكو تريد ثمنا حتى ولو لجثة هامدة!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط