رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب: في زمن اللايقين

فهمي هويدي
فهمي هويدي

في مصر الآن ما عاد المرء يسأل عن الأمور التي جرى التشكيك والطعن فيها، لأن السؤال الصحيح والأكثر دقة ينبغي أن يستفسر عما لم يجر التشكيك والطعن فيه. حتى أزعم أن الأجواء الراهنة غاب عنها اليقين. تماما كما غاب الإجماع الوطني حول أي قضية.

وإذ أفهم أن يحدث الاستقطاب في البلد حيث يقسمها إلى معسكرين أو فسطاطين كما يقال. حيث يعد ذلك من قبيل الاختلاف في الرؤى والاجتهادات. إلا أن الخلاف حين يكون حول المعلومات وما يفترض أنه حقائق. فذلك يضعنا أمام حالة عبثية، لا تسمح حتى بالتحليل والمناقشة.
ثمة اختلاف طال الثورة ذاتها، حتى جرى التشكيك في مراحلها والقوى التي شاركت فيها. ومن بين مثقفينا البارزين من صورها أقرب إلى المؤامرة الأمريكية. وهناك اختلاف حول دور حركة حماس في أحداثها، من فتح السجون إلى عمليات قتل المتظاهرين من فوق بعض الأبنية، كما أن الجدل مستمر حول موقعة الجمل، وهل كانت استعراضا أم تدبيرا لإجهاض الثورة. وقد امتد الخلاف إلى ملابسات إقالة المجلس العسكري ودور بعض التيارات العسكرية والرسائل الأمريكية التي حسمته، بل طال الاختلاف الانتخابات الرئاسية التي يروج البعض للادعاء بتزويرها سواء برضا المجلس العسكري أو من وراء ظهره. وتعددت الآراء في علاقة الجيش بالإخوان، وشكك البعض في أن ثمة محاولة لأخونة الجيش والشرطة. وكما طعن في مجلس الشعب أو النواب الذي تم حله، فثمة طعون أخرى طالبت بحل مجلس الشورى وإلغاء الجمعية التأسيسية ومن ثم إبطال الدستور الذي أنجزته. إضافة إلى ذلك، فما من قانون صدر إلا وجرى الطعن فيه. وحتى الآن فنحن لم نعرف من المسؤول عن قتل الـ16 جنديا مصريا في رفح خلال شهر رمضان الماضي. كما لم نعرف مصير الضباط الذين قيل إنهم خطفوا في سيناء. كما أننا لم نعرف ما إذا كانت الأنفاق مع غزة تهدد أمن مصر وتسرب المخربين إليها، أم أنها توفر احتياجات المحاصرين في القطاع وتلبي متطلباتهم. ولم نعرف ما إذا كانت الصكوك تخدم الاقتصاد المصري أم تخربه، ونفس الشيء بالنسبة لإقليم قناة السويس. وحتى القمح الذي بشرونا يوما ما بأنه حقق إنجازا كبيرا بزيادة إنتاجية هذا العام بنسبة 25٪، وجدنا من بين السياسيين والإعلاميين من يكذب المعلومة ويطعن فيها ويعتبرها من قبيل الدعاية الخادعة.
إلى جانب ذلك، فإن الخلاف السياسي اتخذ منحى مثيرا للدهشة، ذلك أنه لم يعد يحتمل الحياد ولا الإنصاف. بحيث ماعدا ممكنا أن يقف المرء في الوسط رافضا الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك. وبذات القدر فما عاد مقبولا أن نشجع ما هو إيجابي ونرفض ما هو سلبي. وإنما بات المطلوب ليس فقط أن تصطف في هذا الجانب أو ذاك، وإنما أيضا أن يقترن الاصطفاف بتجريح الطرف الآخر وتوجيه الاتهامات والسباب إليه. من ثَمَّ فإن مصطلحات مثل الموضوعية والاعتدال باتت تحتاج إلى تعريف جديد. فأنت تعد إخوانيا أو متأخونا مثلا إذا لم تكتف برفض كل ما يصدر عن الرئيس محمد مرسي، وإنما عليك أيضا أن

توجه إليه السباب والشتائم بمناسبة وبغير مناسبة. وحين قرأت كلاما لأحد المثقفين المحترمين اعتبر فيه أن تلويح المتظاهرين بالملابس الداخلية وإلقائهم البرسيم أمام بيت الرئيس المرسي من «إبداعات» الثورة، قلت إن مصطلح الإبداع بدوره بات يحتاج إلى إعادة تعريف.
ثمة رأي يرى أن هناك من لا يريد لأوضاع مصر أن تستقر، بحيث تشيع البلبلة بين الناس بما يقودهم إلى اليأس والتطلع إلى بديل آخر للنظام. وهو ما عبر عنه الدكتور عماد شاهين أستاذ العلوم السياسية في مقالة نشرتها جريدة الأهرام في 9/5 تحت عنوان «المعارضة الانقلابية المناكفة».. وقد أورد فيها سبع قرائن دلل بها على أن المعارضة المصرية لا هي منصفة ولا مسؤولة ولكن هدفها الحقيقي هو الانقلاب على النظام وإسقاطه. ولذلك فهي تشكك في شرعيته ومن ثم ترفض كل ما يصدر عنه. وهو رأي له وجاهته إلا أنني أزعم أن المشكلة الحقيقية تكمن في انعدام الثقة بين القوى السياسية المختلفة، بحيث أن كل طرف بات يشكك في الآخر ولا يظن به خيرا. ولذلك فإن كل ما يصدر عنه يستقبل على محمل سيء وشرير. ولا أظن أن ذلك راجع إلى الخلافات الفكرية والعقائدية، لأن خبراتنا دلت على أن أمثال تلك الخلافات لم تحل دون تعاون المختلفين في العديد من الملفات والمواقف وثيقة الصلة بالعمل الأهلي. إنما أزعم أن غياب الثقافة الديمقراطية يشكل عاملا رئيسيا في ذلك المشهد المحزن. ذك أن تلك القوى المتناحرة الآن، والتي يصر كل منها على إقصاء الآخر، لم يتح لها خلال نصف القرن المنقضي على الأقل أن تعمل معا في المجال السياسي، فجهل كل منهم الآخر وأساء الظن به بحيث لم ير إلا أسوأ ما فيه. في ذات الوقت فإن ممارسات الرئيس محمد مرسي خلال الأشهر العشرة الماضية لم تنجح في احتواء الآخرين فيما هو ظاهر على الأقل. مما اضطر أغلبهم إلى الانقضاض من حوله، الأمر الذي كرس الانقسام والاستقطاب ــ والله أعلم.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية