رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الغزاوي يكتب :أمن وطن...عشوائية وكذب

مصطفى الغزاوي
مصطفى الغزاوي

الأمم التي تملك شجاعة مواجهة النفس، أمم قادرة على البقاء ومواجهة التحديات. ومواجهة النفس بقدر ما تحمل من سمات الشجاعة، فهي لا تحتمل الخداع أو الكلمات ذات الطنين،

أو الخلل في التوصيف، ويلزم الحديث والحوار خلالها بالموضوعية والصدق والتدقيق في الألفاظ التي تذهب للمعنى مباشرة وقاطعة دون أن تكون حمالة أوجه، وأي حديث تعبوي أو تحريضي يبقى تأثيره خادعا للإرادة ولا يرتقى بحالة الوعي بل يزيدها حيرة ويصبح الحديث مجرد قطع زمن أو تلوين صورة دون مضمونها الحقيقي، وكل حديث تعبوي أو تحريضي في مراحل مواجهة النفس هو تشتيت للوعي أكثر منه تعميقا للرؤية واستنزاف للجهد بديلا عن تحديد مهام اتجاه المجهود الرئيسي.
ما يدور في مصر يتسم بالاختلال في التعريفات والمعاني وحسابات الوجود والانتماء، وكأننا في استعراض بين الطاووس والحدأة، وغابت الصقور والنسور وكأنها انقرضت.
مصر بعد الثورة كأنها ريشة في مهب رياح عاتية، تقتلع الأخضر وتهدم حضارة وتطمس هوية، وكأن المصريين بلا ذاكرة وبلا عقل، ويعيد كل من شاء تعريف ما يريد حسب الأهواء، وصار الخداع والكذب والادعاء سمة اللحظة.
تعلمنا أن أي بيان من مستوى أعلى بالقوات المسلحة للمستويات التالية له هو أمر قيادة، والقيادة لا تعرف الاعتذار ولا التذلل ولا التسامح، والقيادة إن أرادت الاعتذار تتنحي عن مسؤولياتها لغيرها، أو تطلق الرصاص على نفسها للانتحار، والقيادة تعبير عن كرامة أمة، تعبر عن عزتها، ولا تتذلل لشعبها، إرضاء أو نفاقا، والقيادة التي يدخل قاموسها التذلل تفقد قدرة حماية عزة الأمة وكرامتها، والقيادة التي تجهل أبعاد ما حدث وقت أن كانت مسؤوليتها المباشرة أن تملك المعلومات وتعد للموقف، قيادة لا تستطيع مواجهة المواقف، بل هي تدخل معركتها وميدان المعركة منطقة عمياء لها.
هناك وقفات تعبوية للقوات في الحرب بين معاركها وأهدافها المتوالية، ولكن درة التكتيك العسكري هو "سرعة استغلال النجاح"، وهو أمر يحتاج إلى امتلاك دائم للقدرة على تقدير الموقف وسرعة اتخاذ القرار.
الوقفة مع النفس لا تعني تكرار الحديث عن سلطة الإخوان، وتحول مصر إلى بيئة حاضنة للإرهاب، أو غياب أهداف الثورة واعتقال وقتل ومحاكمة كل من يتحدث حولها، وتحول الشعب إلى كتل متنافرة، بين الإيمان والكفر، والاستيلاء على الدين حسب الهوى، وتفكيك الدولة ضمن إستراتيجية التفتيت للإقليم، ومما يضاعف الخطر إلى حد انتحار الدولة هو غياب مفهوم الأمن القومي واستبداله بأحاديث جوفاء لا تعني غير الجهل بشموليته وما يفرضه علي مفاهيم الديمقراطية الوليدة التي صارت "قميص عثمان" تخليا عن مسئوليات واجبة تجاه ثورة شعب.
إن الوقفة الموضوعية مع النفس تلزمنا بالحديث عن عنوانين رئيسيين:
الأول: ما يطلق عليه المعارضة.
مجرد القبول بصفة المعارضة، هو قبول بأنهم طرف في نظام، وقبول بدستور جري صناعته بعيدا عن التوافق. ومؤدي ذلك هو القبول بلعبة الانتخابات، وبالاحتكام إلى صندوق التصويت، هو ذات منهج المعارضة مع النظام السابق، القبول بالنظام والصراع داخله علي السلطة وفقط، دون وجود نقاط تمايز في الرؤية السياسية أو الارتباط الشعبي. وصار الصراع علي السلطة يركن إلى توصيف لأطرافه بأسماء الأشخاص، وصارت السياسة تجريف للثورة ولمعني التغيير. ولم تفقد الحالة السياسية في مصر معارك الوهم، وأحاديث تسقط من حسابها ما يجري علي الأرض من إهدار للأهداف وللهوية والزمن، لصالح الاقتتال إمام عدسات التصوير، وصارت عجلة القضم والهضم لوجود الوطن أكثر إنتاجا من المقاومة، وتساوت جماعة الإخوان مع المعارضة في تقدير الشعب وتوصيفه، وإذا خسرت الإخوان وجودها بين الناس، فهو أمر مرده ما تؤتيه الجماعة من أفعال وانكشاف أمرها أمام الشعب، وهو معامل لا يمكن الارتكان عليه، ودلالة ذلك أن سؤالا جوهريا يطلقه المواطنون عما يمكن أن يكون بديلا للإخوان، يرفضونهم نعم، ويسألون باستنكار لغيرهم عن البديل. وصار المواطن مطالب بالمقارنة بين حالة السكون والجهالة لدي المعارضة وبين حالة الاستحواذ والسيطرة من جماعة الإخوان، مقارنة بين سكون وفعل وليس بين فعل للثورة وفعل مضاد لها.
لم تنتج الثورة قوي اجتماعية تتحالف لصالحها، ولكنها أنتجت أسماء أشخاص تحمل ختم ميدان التحرير وعرقه ومواقف جرت حينها، وورثت بذلك مستقبل الوطن.
ويستخدم التعامل الأمني تارة لوأد عناصر مقاومة، وتارة أخرى لصناعة نجوم سياسية جديدة دون سند لها من الواقع.
غابت مهام المرحلة الانتقالية، وصارت العشوائية هي سمة الأداء العام، ويدفع الشعب الثمن مرة تلو أخرى، ويتحمل هو أعباء الحياة اليومية وألم ضياع الحلم المحتمل.
الثاني: الجيش والدولة.
كتبت من قبل حول أمر العلاقة بين الجيش والدولة ما أرى انه من المفيد تذكره "العلاقة بوجه عام بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية علاقة معقدة وبالغة الأهمية خاصة في البلاد النامية التي تحدث فيها التغييرات الداخلية عادة باستخدام القوات المسلحة والتي لا يتحدد فيها أسلوب نقل السلطة بطريقة تمنع الهزات والرجات. إن اختلال التوازن في العلاقة بين القيادتين يتسبب في مخاطر كثيرة تؤثر على الأمن القومي للبلاد مما يحتم معالجة الموضوع معالجة حاسمة وحكيمة وواضحة.
تشير دراسات متعددة إلى أن العلاقة بين الجيش والسلطة السياسية ترتبط بمدي التوازن في القوة والسلطة بينهما.
وأن هناك مهمة داخلية يراها الخبراء في العالم هي دفاع عن النظام السياسي (الدستور) القائم ويبقي السؤال: ما إذا كانت ستتدخل؟ ومتى وكيف؟ مكملا لمنظومة العلاقة بينهما".
الفارق بين جوهر العلاقة علميا وبين ما يجري في مصر يعود إلى ما يلي:
1. إن الجيش لم ينقلب علي النظام السابق، ولكنه استلم سلطة الإدارة بعد ثورة الشعب.
2. إن المجلس العسكري الذي تسلم السلطة، أدارها بأسلوب يتنافى والمنطق ومجريات الأمور خلال المراحل الانتقالية، وصار أداء المجلس العسكري مشوبا بالانحياز إلى جماعة الإخوان

وتمكينهم، وفتح الباب على مصراعية للتنظيمات الدينية للظهور متجاوزا واقع المجتمع السياسي، بل وفتح باب الدخول إلى مصر لجماعات كانت تمارس القتال خارج مصر.
3. إن هناك وقائع جرت مازالت دون التحقيق استشهد فيها شباب وتعرضوا للاعتقال والمحاكمات العسكرية، ولم يجر أي تحقيق في هذا الشأن، واستطاب الطرفان الانقسام بين من يهتفون بسقوط حكم العسكر، والمجلس العسكري الجديد يعتب إنهم تحملوا في هذا إذا كبيرا، وصار تبويس اللحي بعد رحيل المجلس القديم وقدوم الجديد، بديلا عن المواجهة الموضوعية.
4. عندما حاول المجلس العسكري السابق مراجعة أمر تشكيل اللجنة التأسيسية عبر إعلان دستوري مكمل، تجاهل المجلس العسكري الجديد ما ترتب على أداءات سابقه من اختطاف الدستور وصياغته ومضمونه. وتصور المجلس العسكري الجديد انه يبدأ من أول السطر، بينما ذاكرة الشعب لم تنسي مسئوليته عما جري، وللمرة الثانية يجري الحديث العاطفي ولا يجري التقييم الموضوعي ولكن هذه المرة يكون الواقع قد تغير إلى بيئة حاضنة للإرهاب، ويتبدى أن هناك تدخلا أمريكيا يوجه أو يستحسن، وصار الخطر يحيط بالأمن القومي ووجود الدولة.
5. صمت عناصر كانت تحسب على الثورة عن الهتاف ضد المجلس العسكري، كشف واقع أن الخصومة الحقيقية بين الجيش والسلطة وموالوها. لم يسلموا من التوصيفات او الحصار بالقرارات أو حتى الاتهام بالتآمر، لم يعترفوا بحقيقة أنهم جاءوا بكل هذا وهم مسؤولون عنه، بل ادعوا وللمرة الثانية أن الصندوق هو الحل.
6. اختلت العلاقة بين الجيش والشعب من جديد، وكأن الشعب مطالب أن يكون أكثر رجاحة في العقل من السلطة والمؤسسة العسكرية، وهو الذي يدفع ثمن الغلاء والانفلات الأمني، وتحرق التصريحات بالتهديد والوعيد من التنظيمات الدينية كل أمل لديه في استعادة المسار الصحيح للثورة التي أراد منها هدف "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية".
7. ووجد الشعب نفسه بين شقي رحى الجماعات والمجلس العسكري الجديد، وكثرت التأويلات، خاصة أن المناورة بالشعب أو علي الشعب هي مغامرة وليست تكتيكا يؤدي لتوازن القوي، أو إعادة الأمل للشعب.
8. إن حديثا لا يحمل أي منطق يقول بان الجيش المصري فقد خلال الفترة الانتقالية قدرته القتالية وحالة الانضباط داخلة، خاصة وان بناء جيش فوي وتنوع مصادر السلاح كان حديث الثورة، ولم يتعرض الجيش لغير عدوان رفح، ولم يحقق الجيش سيطرة علي ارض سيناء، بل إنه يقوم بهدم الأنفاق بينما التوصيف انه في هدم الأنفاق يدخل صراعا مع سلطة الاخوان، وان القرار السياسي يغل يده عن التعامل مع الجماعات الإرهابية، فهل يتحمل الأمن القومي هذا الانقسام.
المعارضة والجيش هما مبحث اللحظة بالكلام، والضحية وطن وامن وحلم المستقبل.
يقول البعض بأن الجيش إذا وضع في اختيار حقيقي بين وطن ولا وطن لكان واضحا أمامه الانحياز، ولكن الدعاة إلى موقف يتخذه الجيش من السلطة القائمة تحكمهم الأهواء، وهذه المقولة بقدر محاولتها لرأب الصدع بين الشعب والجيش بقيادته الحالية، فهي تنطوي على اتهام ضمني أن فقدان الأمن القومي واستباحة مصر وأرضها من جماعات الإرهاب لم يصل إلي إدراك ووعي القيادة العسكرية.
الأمر ليس اتهاما هنا أو هناك، ولكن الأمر أن العقل والفكر يجب أن يسبق تحول الخطر إلى واقع، فهل تترك قيادة الجيش الكلام لغيرها وتحول دون إهدار أمن مصر القومي الذي يبدأ من لقمة العيش إلى حق الحياة وفق دستور توافقي؟ هل تنحي قيادة الجيش جانبا الحديث عن حماية صناديق الانتخاب؟ هل تكتشف قيادة الجيش لنفسها سبيلا صحيحا لأعمال إرادة الشعب؟ قال وزير الداخلية إن محمد مرسي غير مسجل بسجن وادي النطرون الذي هرب منه، ويقول قائد الجيش بعد عام كامل إنه لا يعرف من قتل الجنود في رفح، فكيف سيحمون صناديق الانتخاب؟.

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية