رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

جلال عارف يكتب :تطهير الثقافة والتتار الجدد في مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

التعديل الحكومي الأخير في مصر يحمل الكثير من الدلالات، ولعل أخطرها وأهمها أن الحكم قد رفض كل المحاولات لتحقيق أي نوع من التوافق مع باقي القوي الوطنية، وقطع الطريق على أي أمل في ذلك بالإصرار على بقاء رئيس الحكومة هشام قنديل الذي أجمعت كل الأحزاب على ضرورة تغييره، وأصر الرئيس المصري محمد مرسي على بقائه.

كما أصر على رفض مطالب المعارضة بحكومة محايدة تشرف على إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة بعد شهور. لتكون النتيجة هذا التعديل الحكومي الذي أبقى على وزيري الداخلية والإعلام رغم تصاعد المطالبة بتغييرهما لأسباب مختلفة تراوحت بين التمادي في استخدام العنف، والتمادي في التحرش والايحاءات الجنسية.
وإذا كانت الاضواء قد تركزت على تعيين المستشار بجاتو القاضي بالمحكمة الدستورية وزيراً للشؤون القانونية، وهو الذي كان يشغل موقع الأمين العام للجنة التي أشرفت على انتخابات الرئاسة، ونال من هجوم الاخوان الشيء الكثير، إلا أن الإشارة الأهم في هذه التغييرات والتي ستنفجر آثارها في الأيام القادمة هي تعيين وزير الثقافة الجديد الدكتور علاء عبد العزيز.
صحيح أن معظم أسماء الوزراء الجدد مجهولة لدى الرأي العام، لكن الكثيرين منهم كانوا معروفين في الدوائر المحيطة بعملهم. أما هذا القادم إلى المقعد الذي جلس عليه ثروت عكاشة وغيره من أساطين الثقافة فكان أمره عجباً.
حيث ظل المثقفون والمبدعون الذين يملأون سماء مصر والعالم العربي بنور الإبداع يتساءلون عن هذا "المجهول" الذي سيقود الثقافة المصرية في هذه الأوقات الصعبة ولا يجد جواباً، وحتى جاءت المعلومات بانه مدرس بأكاديمية الفنون حصل على الدكتوراه قبل بضع سنوات.
وهو على أعتاب الخمسين، يقوم بتدريس مادة "المونتاج" وله مشاكل كثيرة مع الإدارة، أما إنتاجه العلمي والثقافي فهو مقال نشرته مؤخراً صحيفة حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان، هاجم فيه المثقفين وصب لعناته على الإعلام الفاسد ودعا بطول البقاء لحكم الأهل والعشيرة.
المهم أن الوزير الجديد بدأ العمل فور حلف اليمين القانونية بتصريح قال فيه إن مهمته الأساسية هي تطهير الثقافة، وأنه سيبدأ بتطهير أكاديمية الفنون، ليكون ذلك إشارة إلى معركة قد تكون الأخطر في المعارك التي تدور حول حاضر مصر ومستقبلها، لأنها تتعلق بالمحاولة المستميتة التي تجرى للمساس بهوية مصر، ولأنها أيضاً تعني دخول الحرب على الإبداع وحرية الرأي مرحلة خطيرة وحاسمة.
طوال العامين الماضيين تشهد مصر هجمة شرسة على الفن والإبداع، وتتوالى فتاوى التكفير والتحريم للموسيقى والتمثيل والفنون الجميلة. وشاهدنا من يدعو لتحطيم آثار مصر منذ الفراعنة حتى الآن، ومن يقوم بالفعل بالاعتداء على تماثيل لطه حسين وأم كلثوم.
وبينما كان البعض يدعو لمصادرة كتب نجيب محفوظ واستدعائه من قبره لمحاكمته على ما أبدع، كان بعض من اغتصبوا منابر المساجد أو فتحت أمامهم شاشات التلفزيون يكيلون الشتائم للفنانين والمبدعين، وبعضهم وصل لدرجة من الفحش لا يمكن أن تصدر عن رجل دين كما فعل هذا الذي انتشى بانتهاك الأعراض وهو يتحدث عن الفنانة إلهام شاهين التي لجأت للقضاء فحكم عليه بالسجن.
وفي نفس الوقت الذي كان "الأشاوس" يطاردون فناناً مثل عادل إمام ويتهمونه بالإساءة لدين الله، كانت التحركات تتم على قدم وساق لمحاصرة الإبداع والعدوان على الحريات، سواء في الدستور الباطل الذي تم تمريره، أو في قيود بدأ تطبيقها في التلفزيون، أو في إلغاء عروض مسرحية.
أو في تهديدات تصل للفنانين والفنانات، أو في مناخ كئيب تحاصر فيه الصحف أو تحرق، ويبعد فيه مثقفون كبار عن مواقعهم في الصحف القومية، وتمضي سياسة الأخونة في المجالات الثقافية، ويتحول النقد من علم إلى وسيلة لتوجيه اتهامات الكفر

والإلحاد.
والخطر هنا أنهم لا يطاردون فقط فكراً معارضاً أو سياسات مخالفة، ولكن المطاردة هي لثقافة بكاملها، والهدف هو ضرب أسس الدولة الحديثة كما عرفتها مصر على مدى مئتي عام. ومن هنا تتكامل الهجمة على الثقافة والفنون والاعلام، مع السيطرة على التعليم وتغيير المناهج، ومع اغتصاب منابر المساجد لتدعو لإسلام آخر غير الاسلام الذي عرفته مصر دينا للرحمة والتسامح.
تعيين وزير الثقافة الجديد هو الرسالة الأكثر وضوحاً على حرب لحصار الإبداع ومطاردة المثقفين وتحريم الفنون ومحاكمة الفكر من ناحية، وعلى حرب أكثر شراسة ضد عقل مصر ووجدانها وتراثها الثقافي العظيم، لكي تحل محلها ثقافة أخرى تستقي مصادرها من عصور التخلف، ومن اكثر الأفكار تطرفا، ثقافة لا تريد مصر المدنية الديمقراطية، التي تكفل حقوق المواطنة لكل أبنائها. ثقافة تعتبر العروبة دعوة عنصرية وتعتبر الوطن بدعة، وتعتز بشعارها الأثير "طظ في مصر."
منذ أنشئت وزارة الثقافة بعد ثورة يوليو وكل من تولاها كان من أبناء الثقافة المصرية والدولة الحديثة.. كانوا من اليمين أو اليسار أو الوسط، الآن تتغير الأمور. تضع الدولة مؤسسات الثقافة في يد من يسيرون في طريق الانقلاب على الدولة الحديثة، ومن يريدون تغيير الهوية الثقافية لمصر. يعلن الوزير الجديد أنه قادم لتطهير الثقافة، يعرف المثقفون جيداً معنى كلمة "التطهير" التي يراد لها أن تشمل الإعلام والقضاء أيضاً.
"التظهير" ينطلق ـ كما قالوا طوال العامين الماضيين ـ من القطيعة مع كل الحضارات التي مرت على مصر، وتدمير الآثار كما نادى البعض وكما حاول البعض الآخر، وتحريم الموسيقى، واعتبار الفن لوناً من الدعارة، هذا هو قدر الثقافة والفنون إذا تمكنت الفاشية وسيطر التتار الجدد.
الفاشية تريد الخلاص من طه حسين والعقاد والمازني وشوقي وحافظ وصلاح عبد الصبور وامل دنقل. لا تطيق أن تسمع أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم. تخاصم سيد درويش وتكره صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وفاتن حمامة. تعرف ان حربها مستمرة على دولة قامت بنضال أبنائها وبقيادات عبقرية منذ عمر مكرم ومحمد علي وسعد زغلول وحتى عبد الناصر والذين ورثوا كل هذا ويقاتلون اليوم من اجل حمايته من التتار الجديد.
المعركة على عقل مصر ووجدانها وثقافتها العربية المنفتحة على العالم. إنها معركة لا تستطيع مصر أن تخسرها ولا يتحمل العالم العربي كله عواقب هزيمة الثقافة في مصر.

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية