رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عاطف الغمري يكتب : حين ينفصل العمل السياسي عن الزمن وتغيراته

بوابة الوفد الإلكترونية

لا يخفى على أحد حجم التشوش الذي يخيم على الوضع العام في مصر، والذي يجسده انقسام مجتمعي وصراع حاد، وكأننا نعيش في دولتين وليس في دولة واحدة .

ويزيد من هذا التشوش، صراع لم يسبق أن عرفته مصر على هذه الصورة القاسية .

ومن المعروف أن أي صراع، سواء داخل أي دولة، أو في إطار المجتمع الدولي بشكل عام، تحكمه قواعد . ففي الدول الديمقراطية يدور الصراع بين الحكم والمعارضة، بناء على فهم كل منهما، أنهما شريكان، فتلك أولى قواعد الديمقراطية . وأي دولة تعدّ هي الصيغة التي اختارها مواطنوها، للخروج من مجتمع البدائية الهمجية، إلى نظام الدولة . وارتضوا الخضوع لقواعد تحكم حياتهم المشتركة التي ينظمها ما أصبح يعرف بدولة القانون .

وبنفس المعايير كان الصراع يدور بين الدول وبعضها على خريطة العالم، حسب قواعد مستقرة لا يتخطاها أي منهم .

وهو ما عرفناه في العصر الحديث، في أشد مراحل الصراع الأمريكي -السوفييتي حدة، حيث التزمت القوتان بعدم تجاوز حدود معينة في الصراع، إلى ما يسمى جوهر مصالح الأخرى، تجنباً لصدام نووي مدمّر .

والمشكلة التي غيبت قواعد الصراع، عما يجري في مصر، أن الصراع بدا وكأن كل طرف يعيش في عالم منفصل عن الآخر . فهناك طرف، تمثله الملايين التي خرجت للثورة في 25 يناير ،2011 مطالبة بالحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، في استجابة لدعوة الشباب الذين أطلقوا شرارة الثورة، وهم من أبناء الطبقة الوسطى، الذين اطلعوا على ما يجري في العالم من تغييرات شاملة، في النواحي السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والنفسية، من خلال متابعة لما تنقله شبكات الإنترنت .

وهناك طرف ثان، عزل نفسه مسبقاً عن العصر، واستحكم فيه نزوع إلى الابتعاد عن الزمن، نتيجة طول معايشته العمل السري، لعشرات السنين، تجنباً لملاحقة السلطة . وضاقت دائرة تفكيره في حدود التنظيم الذي يرتبط به أعضاؤه، بأكثر من ارتباطهم بالدولة . وفي هذا المجتمع الضيق والمغلق عليهم، كان ما يقرأونه يتركز على إصدارات يكتبها أعضاء التنظيم عن التنظيم، وعن فكر قادته . ولم يتسع إطلاعهم إلى العلوم الإنسانية الأشمل، إما عزوفاً عنها، لأنها لا تستهوي تفكيرهم، وإما لاقتناعهم بعدم اتفاقها مع أفكارهم . فغابت عنهم تجارب سياسية واقتصادية وعلمية تجري في العالم، وتنهض بدول كان بعضها فقيراً ومتخلفاً، لكنها نجحت في الانتقال إلى أعلى مراتب التقدم والثراء . وبعد عشرات السنين من التقوقع في عالمهم المحكوم بالسرية، وصلوا إلى السلطة، فأظهرت لغة كلامهم، وتصرفاتهم، عدم معرفة بالعصر، وكشفت عما بهم من افتقاد إلى الرؤية، والفكر السياسي، والاستراتيجي، والنتيجة أداء عاجز عن حل المشكلة، الاقتصادية المتفاقمة، وفشل في بلورة مشروع تنموي اقتصادي، بالطريقة التي ارتقت بها في سنوات قليلة، دول صعدت في آسيا، وأمريكا اللاتينية .

كان العصر المتغير يحمل مفاهيم مختلفة تطورت بسرعة،  مع دخول العالم عصر ثورة المعلومات، فظهرت أفكار ونظريات جديدة في السياسة،  والاقتصاد، والأمن القومي، والعلاقات الدولية . ومن أبرزها تغير مفهوم قوة الدولة، وصعود القدرة الاقتصادية إلى قمة مكونات هذه القوة . وصارت هي مفتاح الدخول إلى مجتمع الشركاء الجدد،  في إدارة شؤون العالم وهو ما اتفقت عليه المؤسسات الاقتصادية الكبرى، ومراكز الفكر السياسي في العالم، وضمت أسماء مجموعة من الدولة الصاعدة، إلى قائمة المرشحين ليكونوا شركاء، في إدارة النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين  .

لم يكن الوعي بهذه الأفكار المتغيرة،  مقصوراً على الدول الصاعدة التي حققت

ازدهاراً اقتصادياً داخلياً، ومكانة خارج حدودها،  بل إن القوى الكبرى أيضاً، راحت تشهد سياسات وضعت خططاً لإطلاق خيال خبرائها ومفكريها، لابتداع، وإنتاج أفكار جديدة، تضمن المحافظة على رفاهية شعوبها وتعمل على دفع نموها الاقتصادي، وتقوية قدرتها التنافسية على مستوى العالم .

وهذا المعنى يظهر في رؤية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون  التي عرضها في كتابه الصادر أخيراً بعنوان العودة إلى العمل Back to work  والذي ركز فيه على قيمة إطلاق الخيال في النظر إلى شؤون الدولة،  وكذلك ربطه بين النمو الاقتصادي،  وبين الأمن القومي .

إن العالم تغير، وتطورت التحديات التي تواجه الدولة،  فهي لم تعد حبيسة حدودها،  بل صارت عابرة للحدود . وهو ما أوجد توافقاً دولياً على قيمة التعاون بين شركاء،  يكون لكل منهم قدرته المؤثرة في منطقته الإقليمية . وكان الرئيس الأمريكي أوباما قد طرح مبدأ الشريك،  باعتباره المفهوم الأساسي لسياسته الخارجية، وعلاقاته الدولية، حين قال في أكثر من خطاب رسمي، إن بلاده لم تعد تستطيع وحدها حل المشكلات العالمية،  أو أن تتصدى منفردة لتحديات أمنها القومي،  وأنها تحتاج إلى شركاء .

. .وبالطبع أن يكونوا شركاء حسب معايير القوة في هذا العصر، التي تعبر عنها القدرة الاقتصادية التنافسية .

وإذا كان مفهوم الشركاء هو محور قاعدة العلاقات الدولية في هذا العصر ضماناً لأمن وسلامة وتقدم المجتمع الدولي،  حتى لو لم يتوقف الصراع بين دوله،  فمن باب أولى أن يكون هو ذاته، المفهوم الذي تحتاج إليه العلاقات داخل الدولة الواحدة، وبين أفراد الشعب الواحد .

أما أن تتحول العلاقة داخل الدولة إلى صراع وجود بوازع من عدم تقبل فريق لدور الآخرين، واحتكاره تشكيل المجتمع وفق رؤيته وحده،  فإن في ذلك انسلاخاً عن مفهوم الدولة ومحاولة مجافية للعقل، والمنطق، وحكمة الأمن والتاريخ، لجر الدولة إلى شكل من أشكال مجتمع البدائية قبل قيام نظام الدولة .

ورغم ذلك،  فإن التشوش وتداعياته في مصر، يبقى جزءاً من فوضى ما بعد الثورات - حسب ما تشهد عليه أحداث التاريخ - لأن الدولة في مصر، بهويتها القومية،  كان لها وجودها المضاد لهذا النوع من الأفكار، عبر عصور الهبوط، والغزو الخارجي،  وهي الهوية التي تكونت أولى لبناتها منذ فجر التاريخ، وظهور مصر كأول مجتمع عرف نظام الدولة تاريخياً .