رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فهمي هويدي يكتب :مبارك لم يحاكم

فهمي هويدي
فهمي هويدي

استوقفني تعليقان على ما نشرته في هذا المكان قبل أيام عن التسهيلات التي قدمها الرئيس السابق للأمريكيين في ميناء رأس بيناس المطل على البحر الأحمر،

وهي القصة التي عايشها وأورد تفاصيلها في مذكراته السفير إبراهيم يسري المدير السابق للشؤون القانونية بالخارجية المصرية. الأول من قارئ بدا متشككا في الرواية، وتساءل قائلا: إذا صحت فلماذا لا تعلن ذلك حكومة الثورة وتقوم بإلغاء تلك التسهيلات. التعليق الثاني جاءني من دبلوماسي مخضرم، وقد اختزله في ثلاث كلمات هي: وما خفي كان أعظم.
الرسالتان عكستا موقفين في مصر هذه الأيام. موقف فريق لم يتح له أن يعرف حقيقة ما جرى خلال الثلاثين عاما التي أمضاها مبارك في الحكم لأنه كان بعيدا عن الصورة طول الوقت. وفريق يضم أناسا آخرين كانوا في الصورة أو قريبين منها، والأولون غير مستعدين لتصديق ما يقال عما جرى في تلك المرحلة. والآخرون يعرفون جيدا لكن منهم من آثر الصمت لسبب أو آخر، ومنهم من لم تتح لهم الفرصة لكي يتكلموا، ومازلنا في أمس الحاجة لأن نسمع شهاداتهم.
صاحبنا الذي لم يكن مستعدا لتصديق ما أعطاه مبارك للأمريكان من تسهيلات معذور وله الحق في تساؤله وتشككه، فضلا عن أنني أزعم أنه يمثل بعضا من الذين باتوا يتعاطفون مع مبارك هذه الأيام.
صحيح أن أغلبية الشعب هتفت لسقوط النظام قبل عامين استجابة لشعور جارف بالظلم والفساد اللذين أشاعهما نظامه، إلا أن الجميع وجدوا بعد ذلك أن مبارك حوكم على أمور أخرى مغايرة لتلك التي ثاروا من أجلها. فقد اختزل الظلم والاستبداد الذي مارسه في موقفه خلال الثمانية عشر يوما التي استغرقتها الثورة، والتي سقط فيها نحو ألف من القتلى، وأسقطت من لائحة اتهامه ممارساته خلال الثلاثين سنة السابقة. وقد برأه القضاء من تهمة القتل، أما الفساد فقد اختزل في بعض المخالفات المالية التي رصدها جهاز الكسب غير المشروع والتي يتعلق بعضها بنفقات القصور الرئاسة. وهذه أيضا لا أستبعد أن يبرأ منها.
هذه الصورة تعني أن مبارك لم يحاكم على جرائمه الكبرى، الأمر الذي لا أستغرب معه أن يتشكك مواطن كذلك الذي تلقيت رسالته في فكرة أن يكون قد قدم تسهيلات عسكرية للأمريكيين في ميناء مطل على البحر الأحمر.
إن أحدا لم يعرف حقيقة التعهدات التي قدمها مبارك للأمريكيين ولا المساعدات التي قدمها لهم في حروبهم القذرة بالمنطقة، خصوصا في غزو العراق. كما أننا لم نعرف عمق وأبعاد علاقاته مع الإسرائيليين التي جعلتهم يعتبرونه «كنزا إستراتيجيا» لهم. كذلك لم نعرف تفاصيل تحيزاته ضد الفلسطينيين ودوره في حصار غزة. وليس بوسعنا أن نحدد مدى إسهامه في انفصال جنوب السودان عن شماله. أو تقزيم دور مصر في العالم العربي.
الأسئلة المثارة حول سياسته الداخلية أصعب وأخطر. إذ يتعلق بعضها بنظامه البوليسي والقوائم الطويلة للذين تعرضوا للتعذيب والقتل والاختفاء القسري، فضلا عن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وبعضها الآخر يتعلق بانحيازه إلى الأغنياء وسياساته الاقتصادية التي دمرت الطبقة الوسطى وأدت إلى تصفية القطاع العام وتوزيع تركته على الانتهازيين والمحاسيب. ناهيك عن جرائم تزوير الانتخابات وتدمير الحياة السياسية وتركيزه على توريث السلطة لابنه، ومن ثم تعطيله لخطط التنمية في البلاد، أما مسؤوليته عن انهيار التعليم وتدهور الخدمات الأخرى في قطاعات الصحة والنقل والإسكان. وإهدار نظامه للثروة العقارية لمصر، فهي أيضا تحتاج إلى تحرير، ولا نستطيع أن نتجاهل في هذا السياق مسؤولية نظامه عن حرق الفنانين في قصر ثقافة بني سويف، وغرق 1300 مواطن مصري في جريمة العبارة، وإبادة 400 مواطن مصري في قطار الصعيد، وفي النهاية تحويل ذلك البلد الكبير إلى مجموعة من الخرائب والأنقاض.
تلك مجرد أمثلة لما لم يحاسب عليه مبارك، وما لم يعد ممكنا مساءلته عليه إلا في ظل محكمة خاصة توضع أمامها كل تلك الملفات، لا للانتقام منه ولكن لاستيفاء حق الشعب الذي دفع ثمن الثورة كاملا من دماء أبنائه، ليفاجأ في نهاية المطاف بتبرئة ساحة رأس النظام الذي ثاروا عليه. وقد تعرضت لهذه النقطة من قبل وأشرت إلى المادة 150 من الدستور التي تعطي رئيس الجمهورية الحق في أن يستفتي الناخبين في المسائل التي تتصل بمصالح الدولة العليا، ورأى المستشاران حسام الغرياني وطارق البشري أن ذلك لا ينطبق على الحالة التي نحن بصددها، في حين قال المستشار سمير حافظ رئيس الاستئناف السابق إن تشكيل محكمة خاصة لمحاسبة مبارك تدخل ضمن مصالح الدولة العليا. وهو لا يزال عند رأيه، كما أنني عند رأيي في ضرورة اتفاق القانونيين على حل للإشكال.

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية