رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صالح سليمان عبدالعظيم يكتب :أقباط مصر .. عيد سعيد عليكم

بوابة الوفد الإلكترونية

كنا نعتقد أن الثورة المصرية سوف تكنس بقايا المشاعر الطائفية التي أججها المتشددون في مصر. وكنا نظن أن المتأسلمين المتشددين على وجه الخصوص، الخارجين من جحيم السجون، سوف يدركون معنى الحرية والأثمان الغالية التي دفعوها تحت وطأة ودموية التعذيب.

وكنا نتمنى أن يكون الإخوان، ومن على شاكلتهم، سيفاً حاداً في سبيل إعلاء قيم الحق والعدل والمساواة بين كل أطياف الشعب وشرائحه المختلفة. كنا نعتقد هكذا، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؛ ففي ظل الاستعلاء الإخواني وسيادة المتأسلمين، ارتفعت وتيرة وحدة التوجهات الطائفية والشعارات التي تميز بين أقباط مصر ومسلميها.
ووصلت صفاقتها في الاعتداءات السافرة على مبنى الكاتدرائية، الرمز الأكبر للأقباط في مصر وبيتهم الكبير، في ظل عدم اهتمام من جانب مؤسسات الدولة المصرية، بل وفي ظل تواطؤ كبير انتهى بتوجيه اللوم للأقباط، وتجاهل قتلاهم في مدينة "الخصوص" المصرية.
اللافت للنظر أن ما كان يحدث على استحياء في ظل النظام القديم، أصبح يتم الإعلان عنه بفجاجة وغلظة وقسوة لا تراعي مشاعر الأقباط، وتنال منهم، بل وتدعو للتخلص منهم وإخراجهم خارج البلاد.
فما من فتاة مسلمة تتغيب إلا وتصبح الكنيسة مسؤولة عنها، وما من مشاجرة عابرة تحدث بين أسرتين مسلمة وقبطية، إلا ويعقبها حرق وتدمير لمحال الأقباط ومنازلهم، بل ومحاولات لاقتحام إحدى الكنائس وحرقها وتدميرها. يحدث ذلك بشكل خاص في المناطق الشعبية والريفية، التي ترتفع فيها نسبة الأمية والفقر وهيمنة الخطاب الديني الغوغائي، الذي يبث الفرقة ويدعو للشقاق، بل ويحلل القتل والتدمير.
آخر تلك الدعوات القميئة التي خرجت ممن يدعون انتماءهم للتيار الإسلامي والجماعات الدينية، تحريم تهنئة الأقباط وتأثيم الذهاب لكنائسهم للتهنئة، في ظل احتفالاتهم هذا الأسبوع بعيد القيامة المجيد. هكذا يشغل المتأسلمون أنفسهم بشؤون الآخرين، ويدّعون فهماً مغلوطاً للدين، يتيح لهم إطلاق الفتاوى هنا وهناك.
لقد أصبحت مصر مرتعاً لشيوخ الفتاوى الذين يفتون باسم الدين، ويسمحون لأنفسهم بالحديث باسمه وغواية الفقراء والبسطاء والأميين، وتأجيج مشاعرهم وتوجيهها وجهة مغلوطة ومعيقة لتقدم المجتمع وتأكيد لحمته وروابطه. ولا ندرى إلى أين يسير بنا هؤلاء الذين خرجوا من السجون، ولا يحملون لهذا المجتمع سوى الشر كل الشر.
والرغبة الهائلة في الانتقام والفتك بما يأتي على هواهم ولا يتجاوب مع ما يدعون إليه، مهما كانت تفاهته وابتذاله. واللافت للنظر أن تلك الدعاوى التي تكرس الفصل بين المسلمين والأقباط، تأتي في وقت تحتاج فيه مصر لكل من يضمد جراحها ويصون لحمتها، ويخرجها من أتون الكوارث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتلاحقة، فيأتي هؤلاء ليزيدوا الطين بلة بتلك الدعوات، التي لا تثير إلا الأحقاد وتعصف بالبقية الباقية من

مصر.
ومن الغريب أن تلك الدعوات تتعارض مع صحيح الدين وممارساته الحقة، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في تعامله الإنساني مع البشر جميعاً من دون تمييز ولا استعلاء. والغريب في الأمر أن دعاة هذه الفتن يتسمون بالازدواجية؛ فالإخوان على سبيل المثال كانوا يهيمون سعادة بتواصلهم مع الولايات المتحدة في بداية وصولهم للحكم،.
ويسعدون حينما تتناولهم وسائل الإعلام الغربية بالمدح، قبل أن تنقلب عليهم الآن. المسألة كلها تتعلق بالمصالح والأهواء؛ فحينما تكون هناك مصلحة فأهلاً بالتعامل مع الكفار، وحينما تغيب تلك المصلحة يعودون سيرتهم الأولى ويطلقون دعاوى التكفير والتأثيم.
وإذا كانت تلك الازدواجية الانتهازية تحدث مع الغرب، فإن الأمر لا يجب أن يتم على هذا المنوال مع الأقباط، ملح الأرض في مصر وجذورها البعيدة الممتدة في أعماق تاريخها. فليس للأقباط من وطن آخر، وليس لهم من ذكريات سوى في هذا المكان، وليس لهم من رغبة في الخروج من رحاب تلك الأرض الطاهرة مثلنا نحن المسلمون. فلماذا إذاً تلك الدعوات الفاشية التي ترفض تهنئتهم والابتسامة في وجوههم، والتعامل معهم على أنهم شركاء في الوطن، شركاء في الحقوق والواجبات على السواء!
لم يكن من الممكن أن يحدث ما يحدث الآن، لو أن رئاسة الجمهورية كان لديها توجه واحد تجاه كل المصريين، مسلمين أو أقباط، إخوان أو ليبراليين، سلفيين أو يساريين، نساء أو رجال. لكن حينما تتحيز الدولة ورئاستها بشكل علني وضمني لفصيل دون آخر، والتأكيد على حمايتها لجماعة دون أخرى، تبرز تلك الدعوات المجنونة التي لا تليق بمصر، ولا بالمجتمعات الإنسانية في القرن الواحد والعشرين!
لك الله يا مصر، وكل عام وأنتم بكل خير أقباط مصر الأحباء.. رغم أنف شيوخ الفتاوى الموتورين.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية