عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جلال عارف يكتب:صحافة مصر.. في مواجهة «فاشية» الإخوان

جلال عارف
جلال عارف

بعد ساعات من انتخابات حاسمة قال فيها الصحافيون المصريون كلمتهم، وأسقطوا كل مرشحي "الإخوان" وأنصارهم، جاء الرد من الجماعة بالعدوان الآثم الذي استهدف الصحافيين (مع متظاهرين سلميين) بالقرب من المقر الرئيسي للجماعة فوق جبل المقطم. هذا العدوان الذي تحول إلى فضيحة شاهد فيها العالم ميليشيات الجماعة وهي تضرب النساء وتسيل دماء الصحافيين وتكسر الكاميرات حتى لا تسجل ما يحدث.

جاءت انتخابات الصحافيين بعد عامين انقسم فيها المجلس بين نقيب موالٍ للإخوان، ومجلس معظم أعضائه من تيار الاستقلال النقابي. وكانت النتائج كارثية بعد خروج النقيب السابق على قرارات المجلس بمقاطعة لجنة الدستور، وبعد سكوته على اعتداءات صارخة ارتكبتها السلطة في حق الصحافة والصحافيين.

الانتخابات الأخيرة جاءت لتصحيح الأوضاع. نجح النقيب الجديد ضياء رشوان ومعه ستة أعضاء معظمهم من الناصريين واليساريين، ومعهم اثنان من رؤساء التحرير السابقين الذين أطاح بهم حكم الإخوان. أما الصفعة الحقيقية فكانت في نجاح صحافية شابة قبطية تعمل في صحيفة "وطني" التي تعكس وجهة نظر أقباط مصر.

وذلك في وقت تتعرض فيه المرأة المصرية لمحاولات مستمرة لفرض أفكار التخلف، وبعد إصرار "الإخوان" وحلفائهم على حذف الكثير من حقوق المرأة في دستورهم الباطل. فإذا بالصحافيين المصريين يردون بانتخاب هذه الصحافية الشابة "حنان فكري" لتنضم إلى زميلة أخرى في المجلس، ليكون هناك سيدتان من بين 12 عضواً في المجلس، منهم واحدة من الأقباط أسعد نجاحها كل أنصار الدولة المدنية في مصر.

الرد بالعنف والعدوان من أمام مقر الجماعة كان إعلاناً جديداً بالكراهية التي يضمرونها للصحافة والإعلام، والإصرار على مخططاتهم للهيمنة على الصحافة المصرية باستخدام كل الأسلحة، اعتقاداً منهم بأنهم لن يتمكنوا من فرض حكمهم الاستبدادي إلا بإخضاع الإعلام وضرب استقلال القضاء، ثم اختراق الشرطة والجيش.

مرشد الإخوان بدأ المعركة مبكراً بوصف الصحافيين والإعلاميين بأنهم "شياطين الإنس" وبعدها بدأت الحرب على الصحافة من مختلف الجبهات. أطاحوا بقيادات الصحف القومية وجاءوا بقيادات موالية لهم. انتقموا من المجلس الأعلى للصحافة الذي تم تشكيله بعد الثورة وضم رموزاً من أفضل القامات الصحافية بعد أن أدان المجلس خطة "الإخوان" للسيطرة على الصحف القومية .جاءوا بوزير إعلام تابع للجماعة ليسيطر على القنوات التلفزيونية الرسمية بعد أن تحولت إلى أجهزة دعاية للحكم كما كانت قبل الثورة. أما ما حدث في الدستور الباطل فكان كارثة بكل المقاييس.

لقد رفضوا النص على إلغاء الحبس في قضايا النشر، بعد أن كنت قد حصلت قبل تسعة أعوام على موافقة الرئيس السابق على ذلك، وبعد أن قطعنا شوطاً في تطبيق هذه الموافقة بتعديلات مهمة أدخلناها على القانون في عام 2006 ألغينا فيها عقوبة الحبس في جرائم القذف والسب، وكذلك في عدد آخر من الجرائم الأساسية بين جرائم النشر.

ولم يكتفوا بذلك، بل فتحوا الباب مرة أخرى أمام إغلاق الصحف وتعطيلها بحكم قضائي، بعد أن كنا قد ألغينا كل المواد المتعلقة بذلك من القانون ووضعنا قاعدة بأنه لا يجوز اللجوء لعقوبة جماعية (مثل تعطيل الصحيفة) على أي جريمة نشر ينبغي أن يكون عقابها لمن ارتكبها فقط!!

وسط هذا كله كان وزير العدل يقول إنه يعد قوانين جديدة لتشديد العقوبات على الصحافيين بما فيها الحبس، وهو الذي كان رمزاً من رموز استقلال القضاء في زمن مضى، ووسط هذا كله كانت رئاسة الجمهورية تلجأ لإقامة عشرات الدعاوى القضائية ضد الصحافيين بتهمة "إهانة الرئيس" في سابقة جديدة كان الرؤساء السابقون يتحاشونها.

كان حصار مدينة الإنتاج الإعلامي لترويع القنوات التلفزيونية المستقلة، وكان

الاعتداء على مقرات صحف "الوفد" ثم "الوطن" وإشعال الحرائق فيها، وكانت الاعتداءات المتوالية على الصحافيين والصحافيات والتي وصلت ذروتها باغتيال الشهيد الحسيني أبو ضيف وهو يؤدي واجبه في تغطية أحداث "الاتحادية" أمام قصر الرئاسة، وعلى أيدي ميليشيات دخلت الميدان، وهي تهتف جهاراً نهاراً بأنهم "رجالة مرسي في الميدان".

المشكلة انه بعد ذلك كله، مازال هناك إصرار من "الإخوان" على خوض المعركة مع الصحافة والإعلام حتى النهاية. وهناك إصرار على أن المشكلة في مصر هي من صنع "الإعلام الفاسد" وليس "الحكم الفاشل"، ومع اقتراب انتخابات البرلمان، يفقد "الإخوان" اتزانهم وهم يرون تراجع موقفهم في الشارع. ويدركون مغزى سقوطهم الكبير في انتخابات طلاب الجامعات المصرية التي كانوا يسيطرون عليها، وصفعة انتخابات الصحافيين، والتهاب الأوضاع في النقابات العمالية، والتذمر في أوساط الفلاحين، والسخط الذي يتنامى بين الفقراء ومتوسطي الحال الذين يعانون بصورة لا تحتمل.

لا يريد "الإخوان" أن يستمعوا للحقيقة البسيطة والواضحة التي قلناها بدل المرة ألف مرة. وهي أن تاريخ الصحافة في مصر يقول بكل صراحة إنه لم يكن هناك صراع بين الصحافة والنظام إلا وكان هذا تعبيراً عن أزمة في الحكم.

وانه لم يكن هناك يوماً عدوان من النظام على حرية الصحافة والإعلام إلا وكان ذلك إعلاناً عن قرب السقوط للنظام وليس للصحافة. بالمصادفة كان الأسبوع الماضي موعداً لحدث مهم وخطير لم يأخذ حتى الآن حقه من الاهتمام. فقد صدر قبل أيام حكم محكمة حقوق الإنسان الأفريقية بإدانة السلطة الحاكمة في مصر أثناء الأحداث التي وقعت عام 2006 حين تم الاعتداء على الصحافيات المصريات أثناء احتجاجهن على الاستفتاء الذي تم في هذا الحين على التعديلات الدستورية التي كان هدفها التمهيد لتوريث الحكم.

هل يدرك حكم "الإخوان" مغزى الحكم القضائي الذي صدر؟ هل يفهمون أن الجرائم التي يتم ارتكابها الآن ضد الصحافيين لن تسقط بالتقادم، ولن يفلت أصحابها من العقاب؟ لا أعتقد ذلك، فللفاشية منطقها، وللاستبداد طريقه الذي لا يفهم معنى الحرية، ولا يعترف بقانون إلا قانون السمع والطاعة، ولا يرى الهاوية التي يسير إليها إلا بعد أن يستقر في القاع، وسوف يعرف أن وصفهم بـ"شياطين الإنس" كانوا - لمصلحة الوطن- لا يريدون له هذا الطريق، وكانوا لوجه الله لا يريدون له هذا المصير!!

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية