رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جميل مطر يكتب :شرط الاقتراب من حل أزمة مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

تمادينا في تشخيص الأزمة التي نعيش ويلاتها، وتمادينا في توجيه اللوم وتحميل الأطراف الأخرى مسؤولية الأحوال الثلاثة التي وصلت مصر إليها: حال الضياع، وثورة الجياع، والحرب الأهلية . والآن يتمادى كل طرف في توريط طرف آخر للدخول في حوار نعرف مقدماً أنه غير مؤهل له، وإن تأهل فهو بالتأكيد غير قادر على الالتزام بما انتهى إليه الحوار .

فرقاء الحوار انشغلوا بالدعوات إلى حوار غير ممكن، بينما الناس يزدادون ضياعاً والجوعى جوعاً والمتقاتلون شجاراً وصداماً بدرجات متصاعدة من العنف .

أكتب هذه السطور مطمئناً إلى أن أسوأ ما خبأه القدر، أو دبرته المؤامرة أو تسبب فيه جهل وجشع وسذاجة أطراف في الأزمة، قد مرّ وهو الآن وراءنا، وأن ما هو قادم أقل سوءاً أو أقل شراسة . أستند في اطمئناني، ولا أقول في تفاؤلي، إلى عدة أمور تظهر أمامي في شكل حقائق جديدة تنسج خيوطها خيطاً بخيط . أبدأ بأمر أعتقد أنه الأبرز والأوضح . نعرف أن الحوار صار كلمة أو فكرة سيئة السمعة . سمعنا طعوناً جارحة في محاورين ودعاة حوار ربما كانوا حسني النية، وشاهدنا خيبات أمل لا تُحصى تطل من عيون عديد المحاورين ودعاة الحوار . كثيرة هي الأسباب التي عطلت الحوار أو أساءت إلى سمعته كأداة للاقتراب من الحل، ولكن المؤكد هو أن غالبية الناس فقدوا الثقة في الحوار وفي الدعاة وانفضوا عنه وعنهم .

ننسى أحياناً، وربما عن قصد، أن السمعة السيئة التي لحقت ببعض الشخصيات الداعية للحوار أو المنظمة له أو المشاركة فيه، جاءت نتيجة الحملات اللاذعة التي تبادلها أطراف الأزمة السياسية المصرية على امتداد عامين . أقابل أجانب، عرباً أو فرنجة، أغلبهم مندهش لحجم الإساءات التي ألحقها كل طرف بالأطراف الأخرى . سمعت أحدهم يؤكد أنه، وبعد أن سمع ما سمع من إساءات وتهم وإدانات، لو كان مواطناً مصرياً لاحتار في اختيار من يمثله في انتخابات رئاسة أو برلمان . أكثرية الأسماء السياسية المطروحة في الساحة لوثتها الحملات المتبادلة . بعضها فقد أرصدة بذل في جمعها دماً وجهدًا ومالاً وفيرًا على امتداد عقود وتأتي في صدارة هذا البعض أسماء عديدة في قيادة جماعة الإخوان المسلمين وأسماء عينت نفسها رموزاً لتيارات سياسية أخرى .
نقلا عن صحيفة الخليج
لم يعد يوجد على مسرح السياسة في مصر من السياسيين الذين يحظون بثقة الشعب عدد يسمح بإجراء حوار مثمر ورشيد . لقد كان للثورة المصرية الفضل في أن انكشف للمصريين أسوأ ما في النفس السياسية المصرية وأسوأ ما في مؤسسات الدولة . بل ولم يعد خافياً أن فشل تجارب الحوار أو الدعوة له خلال الشهور الماضية أكد الشكوك الرائجة حول صعوبة العثور على قيادات تمارس الحوار وفي الوقت نفسه على “وسطاء” أكفاء للتقريب بين وجهات النظر المتباينة حول أزمة السياسة في مصر .

مر على مصر عامان عانت خلالهما من مضاعفات القصف المتبادل بين مختلف القوى والتيارات . جرى اتهام الإسلاميين عموماً بأنهم سرقوا ثورة عزيزة على نفوس الليبراليين خاصة وشعب مصر عامة . وفي الجانب الآخر وصم الإسلاميون الليبراليين بالعلمانية، بمعنى الإلحاد . وفي مرحلة أخرى وقع اتهامهم باستدعاء الفلول والتحالف معهم ضد الثورة وضد “الإسلام” . هؤلاء وأولئك اتهموا المجلس العسكري، ممثل المؤسسة العسكرية، بأنه تدخل في ما لا يعنيه متسبباً في ارتباك سياسي غير محدود يكلف مستقبل مصر وأجيالها القادمة ثمناً باهظاً . ثم إنه أساء إلى سمعة المؤسسة المحترمة التي يحمل اسمها حين مارست قواته قدراً عالياً من العنف في التعامل مع المتظاهرات والمتظاهرين، فضلاً عن أنه لم يبذل جهداً حقيقياً أو جاداً لإصلاح جهاز الشرطة في وقت كان مناسباً . الخلاصة أنه استحق بأخطاء عديدة وقع فيها أن تلحق به إساءات أكثرها عن حق وبعضها عن باطل ولكنها في مجملها وآثارها لا تقل خطورة عن تلك الإساءات التي لحقت بالتيارات الإسلامية والليبرالية والفلولية . ومع ذلك وبسبب تدهور أداء معظم قادة التيارات الأخرى وفشلها في التوصل إلى قاعدة حوار معقولة، عاد الرهان على المؤسسة العسكرية ليحتل مكانة سيد الاحتمالات، برضاء البعض . وفي حال استمر التدهور سيعود الرهان عليها برضاء الأكثرية .

لم يكن في حسبان الكثيرين أن تصل سياط السياسة اللاذعة إلى الأزهر الشريف . كان المتصور للبسطاء وهواة العمل السياسي أن وصول تيارات الإسلام السياسي إلى ساحات السياسة والحكم سيضيف قوة إلى قوة وقيمة هذه المؤسسة العريقة . الآن يقول بعض مؤرخي التطور الديني في

مصر على مر القرون إن الأزهر لم يتعرض في تاريخه لإساءة متعمدة ومنكرة كتلك التي تعرض لها على أيدي قوى معينة تحمل شعارات الإسلام السياسي الذي خرج من رحم الثورة المصرية .

إذا صحت صورة الوضع السياسي المصري الراهن حقيقة وواقعاً بالدرجة نفسها التي تظهر فيها لنا وللعالم الخارجي واضحة لا تقبل اللبس، فإننا نكون أمام مستقبل قريب يستحيل فيه على تيار بعينه أو مؤسسة بعينها أن تتصدر العمل السياسي مستندة إلى ثقة الشعب بها . لقد فشلت كافة الأطراف في امتحانات العامين الأولين من الثورة . لم ينجح أحد . أقول هذا وأمامي علامات الفشل أراها في كل مكان في مصر، وألمسها في كل مكان زرته خارج مصر . أكثر القوى المصرية، تيارات ومؤسسات وأحزاب وقيادات، تسببت بسوء تنظيمها أو ركاكة تكويناتها السياسية والثقافية أو بتخلف معظم قياداتها وتفاهة تفكيرها وانعدام خبراتها وهشاشة تجاربها وضعف بنيتها التحتية وبإصرارها على العيش داخل أنساق عفا عليها الزمن، في الإساءة إلى بعضها البعض، وفي المحصلة النهائية أساءت إلى ثورة مصر ومصر نفسها .

أصحاب النوايا الحسنة كثيرون . هؤلاء يعتقدون أنهم بجهود بسيطة سيتمكنون من لم شمل هذه الأطراف، أو التقريب بين وجهات نظرهم، أو التوصل بهم ومعهم إلى صيغة تعايش تضع أساساً لمرحلة انتقالية جديدة . أتمنى لهم حظاً سعيداً في جهودهم وأدعو لهم بالتوفيق في مسعاهم . ولكن يجب تحذيرهم من مغبة القفز فوق شروط أعتقد بوجوب توفرها لتحقيق نجاح مهمات الوساطة والتقريب .

لا أعتقد أن أحداً سيطالب الأطراف كافة بأن تطلب المغفرة أولاً عن ذنوبها التي ارتكبتها في حق بعضها البعض . ولكني أدعوها أن تنظر في داخلها وتتأمل في ما فعلت بنفسها وبتقاليدها وقواعدها وقيمها وطموحاتها . بل أشعر وبيقين كبير أن مصر على وشك أن تشهد عمليات واسعة من النقد الذاتي تقوم به مختلف التيارات والمؤسسات السياسية . هذه الأطراف جميعها أخطأت في حق نفسها قبل أن تخطئ في حق المجتمع أو الوطن، وأعتقد بأن بعضها أخطأ في حق الدين ورسالته وقيمه أخطاء لا تغتفر ولن تتسامح فيها الأجيال الشابة .

أتوقع أن يسبق التوصل إلى تقارب بين مختلف تيارات العمل السياسي في مصر انعقاد جلسات ومؤتمرات “مساءلة ومحاسبة” للقيادات التي تولت مسؤولية التوجيه والقيادة خلال العامين الماضيين . بعض هذه القيادات يتهمها جيل جديد في صفوف أحزابها وتنظيماتها بأنها فرّطت في تراث وجهد وأموال وأحلام ومعتقدات حملتها أجيال خلال عقود عديدة . السؤال كثير التردد هذه الأيام في صفوف تيارات دينية وعلمانية وعسكرية وأمنية هو: ماذا فعلتم يا قادة حتى جلبتم علينا سوء الحال وأساء بعضكم إلى حقائق في الدين والوطن والنهضة والتنوير والتاريخ، والآن تشوهون المصير؟

أتوقع أن تحدث في وقت قريب داخل بعض، إن لم يكن داخل كل، التيارات والأحزاب والقوى السياسية والتنظيمات الاجتماعية تغييرات تعكس انتصار جيل لم يهزم على جيل من القيادات فشل في أن يرقى إلى مستوى ثورة .