رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خليل علي حيدر يكتب :لماذا لم يكتسح ربيع العرب.. الاردن!

خليل علي حيدر
خليل علي حيدر

كان قتل المعارضة والمتظاهرين من الافعال التي لا تقدم عليها حتى القوى الاستعمارية إلاّ مضطرة لم نقرأ عصرنا كما يجب ولا حللنا ثقافتنا وتراثنا حتى الآن بعكس الاوروبيين

الآن، ونحن نتأمل كيف تصرفت «الأنظمة الثورية»، و «قياداتها الوطنية»، عندما حوصرت بالثورات العارمة، وكيف بانت على حقيقتها الوحشية اللا مبدئية، ندرك بعمق كم انخدعت الشعوب في العراق وليبيا وسورية بالذات، وفي الدول العربية الاخرى، الى هذا الحد او ذاك.. بهذه الحكومات!
كان قتل المعارضة والمتظاهرين مثلاً، من الافعال التي لا تقدم عليها حتى القوى الاستعمارية الا مضطرة اشد الاضطرار. وسرعان ماتدخل حوادث القمع والقتل هذه، قاموس الوطنية، وتتحول الى ابرز معالم تاريخ العراق او سورية او ليبيا. اما انظمة هذه الدول الثورية والوطنية و «المعادية للاحتلال والاستعمار»، فأقدمت ولاتزال على القصف والقتل بالجملة والمفرق دون ان ترفّ لهم عين!
وتظاهرت هذه الانظمة ثانياً باحترام مؤسسات ومباني وتراث البلاد. وهذه بدورها تلقّت ولاتزال الضرب والقصف دون رحمة، مهما كانت هذه المباني تاريخية وتراثية أو دور عبادة، ومهما ولولت الامم المتحدة.. او استغاثت منظمة اليونسكو!
ولما استنفد قادة هذه الانظمة ما استطابوا من جرائم قتل وتخريب، وجدنا تجار الارهاب الديني في جمهورية مالي لا يترددون حتى عن حرق كتب ومخطوطات التراث النادرة من كتب اسلامية وتراثية مختلفة.. للتخلص من البدع! ثالث ما نراه في اي مقارنة بين هذه الحكومة الوطنية والاستعمار، ان الاوروبيين والغربيين لم يقدموا في ليبيا وسورية والعراق على اغتصاب النساء العربيات في بيوتهن او السجون او بعد «فتح» بغداد ودمشق وطرابلس، على يد الانجليز والامريكان والفرنسيين والطليان. ولكن معظم البلدان العربية عرفت هذا النوع الرهيب من العقاب في السجون وعلى نطاق اوسع كما رأينا في ليبيا وسورية وفي عراق صدام حسين.. بعد اقامة انظمة الحكم المستقلة! وأثناء «الربيع العربي».
عكست ندوة القرين في الكويت 2013 «ارتدادات» الربيع العربي.. بين متفائل ومتشائم! احدى الجلسات التي ترأستها كان محورها التعليم والثقافة. الاعلامي اللبناني والكاتب «ابراهيم العريس» بدا مُرتاباً من كل ما يجري وما جرى حتى الآن في بلدان «الربيع العربي».
قال في حديثه: «أنا شخصياً لم اعد استخدم هذه التسمية الا بحذر شديد. بل ولأقلها بوضوح: استخدمها فقط بصيغة الماضي، مايمكنني أن اسميه «الثورة الاولى». وذلك في عرفي، لان ثمة في الامر اكثر من ثورة. وكأن هذه الاحداث العربية.. شبيهة بتلك الدمية الروسية الشهيرة التي ما ان ترفع طبقة اولى منها حتى تعثر في داخلها على دمية ثانية اصغر منها ثم على ثالثة ورابعة على التوالي».
توقع الناقد «العريس»، ان تكون التغييرات العربية «أغلبها من فوق نحو لون آخر من الديموقراطية والانفتاح السلطوي، اما بعامل الخوف مما قد يحدث واما عن قناعة بان ثمة تغييرات لم يعد من مفر من إحداثها».
هل خسر شباب الربيع مصالحهم في هذه الثورة؟
حاول الناقد العريس تحليل مقاصد الشباب ودورهم في الاحداث العربية الجارية منذ ثورة تونس، فقال «ان الشباب الذين بدأوا الثورة لم يكونوا اصلاً راغبين في الوصول الى الحكم.. بل انهم ما كانوا ليقدروا على الوصول اليه حتى لو استبدت بهم الرغبة في ذلك. اذن لماذا عذبوا انفسهم كل هذا العذاب؟ بل لماذا انطلقوا في ثورات كانوا عارفين سلفاً، بأن غيرهم سوف يستولي عليها»؟.
انهم في الواقع، يجيب العريس، كانوا يهدفون الى ايجاد المعارضة السياسية النزيهة الى المشهد العربي، بعد ان استغل حكام وضباط بعض الدول هذه الهالة، و اوصلت الى الحكم غالباً «معارضين» جعلوا الشعوب تترنح، ويتدهور حالها ولتتذكروا معي، اضاف، «أن صدام حسين وحافظ الأسد وعلي عبدالله صالح، كانوا يوماً معارضين وكذلك حال اصحاب الثورة الاسلامية في إيران، ولدينا عشرات الامثلة الاخرى.. وتعرف وتعرفون كيف ان هؤلاء كلهم نكلوا بالمعارضين الاخرين فور تسلمهم السلطة.. ان اصحاب الثورة الحقيقيين من شبانها الذين كانوا هم اصلاً من اطلقها، اعادوا اختراع المعارضة لا الحكم ».
ولكن هل البيئة السياسية العربية قادرة على ابقاء هذا النوع من المعارضة العصرية التي تحارب القمع والجشع واستغلال المنصب ونهب المقدرات؟
«فالعقل العربي»، كما قالت د. زهيدة درويش، استاذة الادب الفرنسي والمترجمة اللبنانية، «أسير رؤية للعالم تقوم على التناقض والتضاد.. وقد تكون علة ذلك، الدور الكبير الذي يؤديه الدين في تكوين الثقافة العربية». نحن إذن، في رؤية د. درويش، نميل الى التقوقع في ماضينا خائفين من التجديد والحداثة الوافدة والغربة التي ترافقها. ويعتقد الكثير منا ان الاحزاب الدينية هي طوق النجاة في هذا الخضم. غير ان «التيارات العقائدية السلفية والاصولية مرشحة بدورها للوصول الى حائط مسدود.. لانها في حالة قطيعة زمنية مع الواقع، ولعل خير شاهد على ذلك الحراك الذي تشهده الساحة المصرية في الآونة الاخيرة».
ثم اننا في تحليلنا الفكري، تواصل د. درويش تحليلها، ننزع «الى المسلمات والى تصنيم الافكار، مما ينعكس انحساراً للفكر النقدي وتراجعاً للابداع والابتكار».
فنحن لم نقرأ عصرنا كما يجب، ولا حللنا ثقافتنا وتراثنا حتى الان كما ينبغي.. بعكس الاوروبيين. «ان المجتمعات الاوروبية لم تحقق الانتقال من التقليد الى التجديد الا بعد ان نجحت في القيام بمقاربة نقدية للواقع بدأت في عصر النهضة ادت الى زعزعة الرؤية القديمة للعالم، ولحركة الاصلاح الديني التي نجحت في تحرير العقول».
ثم ان اختلافاتنا، حتى ان كنا موضوعيين، قد تنبع من عدم اتفاقنا على مدلول المصطلحات التي نستخدمها، اي التباس المفاهيم، كما تقول د. درويش. «فمفهوم الامة مثلاً يعني بالنسبة للتيارات القومية الامة العربية التي يجمعها اللغة والتاريخ والمستقبل المشترك، وهو في نظر التيارات الاسلامية امة الاسلام التي تجمع تحت لوائها المسلمين مهما اختلفت لغاتهم وثقافاتهم مادام الدين يوحد بينهم».
ونفس الاختلاف جار في تحديد مفهوم «الوطن» بين القوميين والاسلاميين، وربما مفاهيم اخرى.
ثم اننا لا نفسح في تفكيرنا السياسي المتصارع على تحديد الهوية الوطنية والمواطنة، اي مجال لاحتمال تعقّد تركيبة هذه الهوية التي قد تجمع، كما ذكرنا في مقال سابق، عدة مكونات. فنحن، تقول د. درويش، نميل الى «المنطق الاختزالي الاحادي الذي لايزال يطغى على العقل العربي بحيث يبقى عاجزاً عن تحقيق الانسجام والتناغم بين مكونات الهوية التي لابد ان تكون

مركبة».
هناك دولتان محافظتان في المنظومة العربية، صمدتا حتى الآن رغم ما تعرضتا له من ضغوط ومسيرات ومظاهرات، هما الاردن والمغرب. وقد اثارتا فضول المحاضرين في ندوة القرين تساءل وزير الاعلام الأردني السابق والكاتب المعروف صالح قلاب: ما أسباب صمود الاردن في وجه اعصار «الربيع العربي»، وكيف تمكن من استيعاب مختلف الضغوط الداخلية والخارجية؟ كان الاخوان المسلمون مثلا يوحون للاعلام العربي والدولي وللشعب الاردني بانهم «قادمون». وكانت حتى بعض الصحف البريطانية والامريكية الرصينة تؤكد بان «ايام النظام الملكي في الاردن باتت قليلة، وان ما جرى في تونس وفي مصر وفي ليبيا سوف يجري في هذا البلد الصغير والفقير». وقد ظن الاخوان مع بعض المراقبين، يقول الاستاذ قلاب، «ان الاردنيين من اصول فلسطينية، وبخاصة ابناء المخيمات الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان الاردن، سوف يندفعون لركوب موجة الربيع العربي.. لكن هذا لم يحصل».. فلماذا؟
السبب، يضيف الكاتب، ان هؤلاء وكثير غيرهم من الاردنيين قد اخذوا درساً أليماً مما حدث في غزة، بعد «انقلاب قادة حماس عام 2007 على اخوانهم في حركة فتح». وايقنوا بانهم سيفقدون في الاردن «الاستقرار الذي بقوا يعيشونه في كنف النظام الملكي المتسامح، وانهم سيفقدون ايضاً ما يتمتعون به من اوضاع اقتصادية».
ولعل سياسات الاخوان والاسلاميين الآخرين في دول مثل مصر وليبيا وتونس وغيرها قد اقنعت الشارع الاردني بفداحة ثمن الجري خلف شعارات التغيير المتحمسة. فممارسات الاسلام السياسي في هذه الدول، يضيف القلاب، «وتكالبهم على السلطة ونزعتهم الشمولية والاستحواذية كانت ولا تزال مضرب مثل سيئ بالنسبة للاردنيين، الذين كانوا يتوقعون من هؤلاء تصرفات عاقلة وراشدة». ومما عزز هذه المشاعر السلبية، ان الاخوان في الاردن كانوا يدافعون عن كل سياسة ينتهجها الاخوان في مصر وكل خطوة وتكتيك، وكأن الدكتور محمد مرسي رئيس لهم وليس رئيساً لمصر بكل مكوناتها. وقد حمى الاردن، ما كانت الحياة السياسية الاردنية قد عرفت من الاصلاحات عام 1989، انهت الاوضاع العُرفية، وسمحت بالحريات الإعلامية والتعددية الحزبية، فزادت الاحزاب المرخصة في البلاد على الثلاثين حزباً، «والتي جعلت ظاهرة المعارضة في البرلمان الأردني حقيقة وفعلية. وكان هذا قد جعل الربيع العربي عندما وصل الى الاردن، يجد امامه دولة تختلف عن كل الدول العربية الاخرى التي وصل اليها». في المغرب، يقول د. عبدالله ولد أباه، كانت المفاجأة الكبرى ان الملك محمد السادس تجاوب بسرعة غير متوقعة مع جوهر المطالب السياسية للحركة الاحتجاجية في خطاب 9 مارس 2011، «أعلن فيه القيام باصلاح سياسي نوعي يطال شكل الحكومة ومؤسسات الحكم تشارك فيه كل القوى السياسية.. وصدر الدستور الجديد في اول يوليو 2011، وحصل على اجماع القوى السياسية الكبرى».
تم ادخال العديد من الاصلاحات في النقاط المحورية التالية: اختصاص الشعب بالسيادة وتخويل نوابه بالسلطة التشريعية، تحديد خطوط الفصل بين وظيفتي الملك السياسية والدينية، فصل السلطات واختيار رئيس الحكومة من حزب الاغلبية، احتفاظ الملك بدور الحكم بين السلطات الدستورية وبالاشراف على المؤسسة العسكرية، واعتماد نظام اللامركزية الجهوية في تسيير الاقاليم، وتكريس مسلك التنوع الثقافي واللغوي، وأخيراً التمسك بمرجعية حقوق الانسان المعاصرة في مرتكزاتها».
ثم جرت انتخابات شفافة، فاز فيها «حزب العدالة والتنمية» الاسلامي المحافظ.
لم يبدأ الاصلاح السياسي في المغرب مع التطورات الاخيرة، بل بدأت مع مبادرة الراحل الملك الحسن الثاني ودعوته الى حوار وطني جامع، لانتشال المغرب مما اعتبره «خطر السكتة القلبية» التي تهدد البلاد، واصدر دستور 1996، تلتها انتخابات برلمانية وحكومة جديدة.
هل ستصمد المغرب، وينجح الاصلاح السياسي ودستور 2011؟
يتميز الحقل السياسي المغربي، كما يصفه د. ولد أباه، بوجود احزاب سياسية قوية وفاعلة ومتجذرة اجتماعياً ونقابياً. بيد أن التجربة المغربية تعرف اليوم بعض التحديات، اولها تراجع الاحزاب التقليدية، بعد انسحاب جيل القيادة التاريخية وتحول المجتمع، كما حدث في نوفمبر 2011 التي تراجع في انتخاباتها «حزب الاستقلال» و «الاتحاد الاشتراكي»، وعانى الحزبان من ازمات داخلية عنيفة واكبت تجديد القيادة فيهما.
كما كان من ايجابيات التجربة المغربية، «ان التشكيلات الاسلامية لم تستطع احتكار مكاسب الاصلاح السياسي، بل اضطرت للتحالف مع قوى سياسية تختلف معها».