رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الغزاوي يكتب:الحائرون في مصر الآن

مصطفي الغزاوي
مصطفي الغزاوي

• يتجلى الفارق بين تعبير الثائرين والحائرين في مصر الآن، والفارق بينهما شاسع، وهو ذاته الفارق بين المثقفين والدجالين، والفارق بين الدعاة والمشعوذين، وبين الجد والهزل، وبين الصدق والكذب، وبين الفداء والقرصنة.

يفرق بين الثورة والسياسية عوامل متعددة، طبيعة الفعل وجذرية هذا الفعل، الزمن الذي يستغرقه اكتمال الفعل، ثم نوعية القوى التي تقف من خلف الفعل وتسعى لتحقيقه، ومدى شمولها للتنوع الاجتماعي، وقدرتها للتعبير عنه.
انقضى عامان منذ تخلي مبارك عن السلطة، والفارق بين حال مصر بعد عامين لا يتسق إطلاقا مع حال مصر لحظة التنحي، يومها كان البشر فوق الأرض فدائيين ثائرين تتجلى أمام أعينهم نداءات الضمير الشعبي في حق الحياة والحرية والعدالة الاجتماعية، كان يومها دم الشهداء عطرا يتعطر به الوطن، وتتكحل به أعين أمهات الشهداء، واليوم دم الشهداء دم اغتيال وقتل وتصفية يقوم بها القراصنة والمشعوذون تحت ادعاء بالديمقراطية والشرعية والصراع بين سلطة الصندوق ومعارضة ذات الصندوق.
رحيل مبارك لم يتم عبر صندوق ولكنه تم عبر فعل جذري وبكتلة شعبية بلغت عشرين مليونا وتمت في مدى ثمانية عشر يوما، كان فعلا يمكن وصفه من حيث الجذرية والزمن والكتلة الشعبية فعل الثورة، لأن اجتماع هذه الإرادات وتوحدها ليس مصنوعا بفعل فاعل واحد، ولكنه فعل بمحصلة هذه الإرادات، فعل أسقط دور الشرطة في المواجهة، وتجاوز عجز الساسة، وهوان الأحزاب، وتجاوز فتاوى دينية بعدم جواز الانقلاب على الحاكم، وتجاوز جماعة الإخوان بالذات التي كانت في أعلى غاياتها أن تشارك النظام في الحكم، وأن يرفع يد الضغط عن كاهلها، وفرضت حركة الكتلة الشعبية على الجيش أن يختار يومها بين الشعب والحاكم، ورجح رفض الجيش للتوريث انحيازه، كما كان للعقيدة القتالية للجيش أثرها في هذا الانحياز، كان وقود الثورة شباب شعب صابرا، وتمثلت فيه كل لحظات الإباء والكرامة والتضحية عبر تاريخ هذا الشعب لمن يدركونه ولا يتنكرون له ليجدوا لأنفسهم مبرر وجود عكس اتجاه حركة التاريخ وتراكم حركة الشعب ووعيه.
انتقال الثوار إلى حالة الحيرة، ليس لغياب القائد والتنظيم، ولكن لعدم الاستفادة من دروس عامين بعد التنحي، الأهداف واضحة، وأولويات حركة التغيير واضحة، ولكن الانقلاب على الثورة وتحويلها إلى فرصة استيلاء على السلطة، ما كان له أن يتحقق دون الانحراف ببوصلة الثورة، وهو الدرس الأول المستفاد، ومازالت حركة المجتمع في الاتجاهات المنحرفة بالثورة، وهذا الانحراف هو السبب الرئيسي لتحول الثوار إلى حالة الحيرة والاختيارات البعيدة عن مطلب التغيير وأهداف الثورة، بل إن هذا الانحراف زرع الانقسام، فعندما تختزل الأمة في أشخاص، وجماعات، ويجمع بينها صراع السلطة، يصبح المجتمع عرضة للانفجار بعد الانقسام والتشتت، وتنتج الحيرة من حالة عدم التصديق، فالكل يأبى أن يرى الفارق بين القرصنة وادعاءات الديمقراطية، وتغليب الصندوق على إرادة الشعب واعتباره هو الفيصل في الاختيارات.
الديمقراطية نتاج تراكم متعدد المحاور داخل المجتمع، وليست دواء جاهزا يتعاطاه المجتمع فيقفز على كافة صور التردي والفساد داخله أو داخل عناصر منه أو داخل تكوينات الظلام.
والثورة فعل نوعي ينتج عن تراكمات سبقت عليه، وقراءة دروس العامين الماضيين تؤكد ما يلي:
1) إن الانحراف بالثورة بدأ قبل التنحي.
2) إن هذا الانحراف أفرز قوى لا تملك رؤية لتحقيق أهداف الثورة ولا يتجاوز هدفها غير الاستيلاء على السلطة.
3) إن من أُوكل إليه إدارة أمر الوطن، سواء كان لقصور لديه في الوعي بمعنى الحدث وأهداف الثورة، أو كان استجابة لضغوط خارجية، فقد سلم بمنهج للتعامل يخالف ما استقر في علم الثورة، وقدم صندوق التصويت على إرادة التغيير، فزرع أولى خطوات الانحراف بمسيرة الثورة.
4) إن ذات الإدارة في محاولة لتجاوز المد الشعبي اتخذت موقفا معاديا، رغم محدودية المواجهات بين ما تمتلكه من عناصر القوة وبين شعب ظل يتظاهر باحثا عن طريق لتحقيق أهدافه، وهو لا يملك من عناصر القوة غير الاحتشاد.
5) وذات الإدارة فتحت أمام جماعة الإخوان والكيانات السلفية باب الوجود السياسي منفردة، ومع ما ينشر عن أن هذه الجماعة استعانت بقوى خارجية للخروج من السجون، غير أن هذه الإدارة فتحت أيضاً أبواب السجون لبعض من قياداتها، وطوعت قوانين الأحزاب والانتخابات لصالح هذه القوى وغيرها من الأحزاب التي كانت تعتبر امتدادا طبيعيا للنظام السابق.
6) إن حالة من الإرهاب تحت اسم الإسلام جرى ممارسته داخل المجتمع، وكأن الثورة كانت على مجتمع كافر وليست ضد فساد أصابه وانعدام للحرية والعدالة الاجتماعية، وجرى افتعال تقسيم المجتمع بين ما هو إسلامي وغير إسلامي، وأصاب المجتمع فتنة في الدين مازالت تؤجج الصراع، وتنذر بخطر الحرب الأهلية.
7) أن القوى المدنية عجزت عن أن تستوعب جملة الدرس وطبيعة القوى داخل المجتمع، سواء كانت داخل مؤسسات الدولة، والمؤسسة العسكرية قوة رئيسية، واستدرجت إلى الصراع ضدها، وإن ظل هذا الصراع في حدود هتاف يسقط حكم العسكر، لتخسر ظهيرا رئيسيا، وتدعه عرضة للاستقطاب المضاد، ولم تبذل في اتجاه تصحيح المسار أي جهد كان، حتى

أصبحت أحلام اليقظة التي تحياها الآن إجابة تتمناها عن موقف العسكر من السلطة القائمة، خاصة أن عجز هذه السلطة عن احترام المفاهيم الحاكمة للأمن القومي أو مؤسسات الدولة فاق حالة التخمين إلى حقائق تفرض نفسها، صادمة إلى حد أن الشعب بعمومه اتخذ موقفا من الأشخاص والجماعات والأحزاب، ولم يعد يرى في أي منهم أداة للتعبير عن احتياجاته.
8) إن تقسيم القوى لسلطة ومعارضة، استبعد من الصراع القوى الاجتماعية. واستبعد مؤسسات الإعلام والقضاء، وأطلق سلطة الجماعة لتتمكن من مفاصل الدولة وتخرج المؤسسات خارج الصراع بالاستيلاء عليها.
9) إن محاولات التشويه بادعاء أن حركة الشارع، سواء حركات فئوية، أو مظاهرات شعبية، هي حركة ضد الاستقرار أو ضد الشرعية، حاصرت أي منطق لتقييم غياب الشرعية عن السلطة ذاتها، وقراراتها الخارجة عن قواعد الإدارة والقانون، بل والسيطرة على مناصب قضائية ومحاكم، واستخدام أساليب الحصار والإعلانات الدستورية ما دامت تحقق أهدافها، بينما تستعمل الغازات والرصاص في مواجهة أي عملية اعتراض.
10) إن السلطة الحاكمة، ونائبها العام تمارس الصمت وتتغاضى عن حوادث اغتيال وتعذيب لعناصر من الشباب كل جريمتهم أنهم يواجهون جماعة الإخوان على صفحات الإنترنت، بل إن السلطة تتغاضى حتى الآن عن جريمة الخامس من ديسمبر 2012 في هجوم ميليشيات الإخوان ومقتل 10 من الشباب، وحالات من الاعتقال والتعذيب.
11) إن السلطة اختارت منهج النظام السابق، بترك الأمور للزمن، حتى يصيبها النسيان أو الملل والكلل، غير آبهة بما يمكن أن يثير هذا المنهج من انحراف عن سلمية حركة الثورة.
12) واستطابت السلطة والمعارضة، كما يطلق عليهما الآن، الولاية الأمريكية عليهما، ونسوا الشعب، فوضعوا ظهرهما للحائط، وصارت الحيرة تشدهما إلى العنف، واستدعت السلطة بكل الفجور العنف في مواجهته.
13) إن المجتمع الذي يئن من تجاهل حالته الاقتصادية والاجتماعية، لم يصل أنينه إلى النخبة، ولكنها تصنع من جديد انحرافا آخر بعد انحراف نبذ العنف، أطلقوا عليه جبهة الضمير.
14) إن جملة هذه الدروس كشفت أمام الشعب حقائق ما كانت الأفواه بقادرة على كشفها، فضحت كافة الأطراف ووضعت الجميع أمام قاعدة جديدة للفرز، "لا تقل لي ولكن دعني أرى"، وهذه الحقيقة تفتح باب المقاومة الشعبية لكل صور التجاهل والانفراد والاستبداد باسم الدين وعنف السلطة، بعنف مضاد، حتى وإن كان في أطواره الأولية، ومازال يتلقى الضربات، ولكن هذه الضربات تفتح باب الثأر على مصراعيه.
أن مصدر الحيرة يكمن في البحث عن طريق سهل ومختصر للوصول إلى إعادة الثورة للشعب، ولتحقيق أهدافها، ولأن الطريق للأهداف العظيمة هو في ذاته تحدي الوجود ويسبق تحدي البناء، فليس التمني بكاف، ولكنها الإرادة والصبر وتحليل مقومات القوة وإمكاناتها وتوفيرها.
السلطة القائمة، تحاول أن تستعيد أسسا ديكتاتورية لنظام سابق، وهذا وحده كافيا لاستمرار حالة الرفض، والمعارضة القائمة تصارع السلطة على كرسي الحكم وفق قواعد للعبة تضعها هذه السلطة، وصارت المعارضة تترنح بين خيارات السياسة والثورة، ودعوات الضمير المستحدثة هي محاولة جديدة للخداع، ويبقى أن بناء قواعد الثورة بين الكتل الشعبية هو الطريق الواضح لتحقيق أهداف الثورة، وتغيير السلطة إن لزم الأمر. ورغم صخب المواجهات وعمليات الاغتيال وانحراف سلطة التحقيق، وتساقط النخبة كأوراق الخريف الجافة، فإن الحيرة التي تملأ الأفق تنذر بانفجار، وتستدعي إعادة ترتيب عناصر القوة في الوطن.

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية