شريف حتاتة يكتب :الثورة المصرية وقضية الاستقرار
يقول عدد متزايد من الناس في مصر: «عهد مبارك كان أفضل مما نحن فيه الآن»، ثم يضيفون: «مبارك كان على حق عندما قال رداً على شعار إسقاط النظام إن الفوضى ستسود إذا ما تحقق هذا الشعار في عهده،
على رغم الطغيان الذي كان يمارسه نظام حكمه، كانت الحياة سائرة على نحو أفضل عما هو الحال هذه الأيام». قد يعود جزء من هذا الإحساس إلى خيبة الأمل التي أصابت الناس إزاء السياسات التي طُبقت بعد وصول «الإخوان المسلمين» إلى الحكم، وغياب أية بوادر، ولو بسيطة، على تحسن الأحوال المعيشية للشعب، لكنها تعود إلى أسباب أخرى صار من الضروري التنبه إليها، إن كانت البلاد ستتفادى كوارث تفوق ما عانى منها الناس حتى الآن.
إن جنوح عدد متزايد من المواطنين والمواطنات العاديين إلى التعبير بروح من التشاؤم الشديد إزاء ما حدث بعد الثورة، ظاهرة ينبغي أن تكون مقلقة للذين ما زالوا يعملون لكي تحقق الثورة أهدافها في تطور ديموقراطي واجتماعي عميق في المجتمع المصري، وبالذات لآلاف الشباب الذين فتحوا الباب لحدوث هذا التغيير العميق من طريق التحرك الذي أعدوا له، ثم بدأوه في مظاهرة يوم 25 يناير 2011. إنها ظاهرة تعني أن عدداً متزايداً من جماهير الشعب يمكن أن يبتعد عن الحركات التي تسعى إلى تحقيق أهداف الثورة، وأن يلجأ إلى الردود العشوائية، أو أن يصبح احتياطاً للحركة المناهضة للتطور الديموقراطي، ففي ظروف اليأس تُصبح الاحتمالات كافة واردة.
هذا يحدث في مرحلة تتحدد فيها أشياء جوهرية تتعلق بمستقبل الشعب والبلاد، مرحلة تسعى فيها حركة «الإخوان المسلمين»، وحزب «الحرية والعدالة» التابع لها إلى احتكار السلطة. فقد تمكنت من تمرير دستور يفتح لها الباب واسعاً لتنفيذ سياساتها، وإصدار قوانين تحاصر حريات سياسية أساسية، مثال ذلك قانون الأحزاب، وقانون الانتخابات، وقانون حماية الثورة الذي يدعون أنه موجه لأنصار النظام القديم. وتمكن الإخوان أيضاً من السيطرة على رئاسة الجمهورية، ومجلس الشورى الذي أوكل إليه وفقاً للإعلان الدستوري الصادر من رئيس الجمهورية إقرار القوانين إلى حين انتخاب مجلس النواب، وعلى المجالس البلدية من طريق تعيين المحافظين. كما تسير الأمور في اتجاه السيطرة على القضاء بإخضاع الموافقة على تعيين القضاة لرئاسة الجمهورية.
خطورة «الإخوان المسلمين» تنبع من كونهم مقتنعين بأنهم يملكون وحدهم الحقيقة، بل يملكون وحدهم الإسلام الصحيح، ولذلك لا بد لهم من إقصاء جميع من لا يتفقون معهم في كل ما يرونه، للحيلولة دون أن يلعبوا دوراً في تحديد حاضر ومستقبل المجتمع. لديهم تنظيم قوي يضم عشرات الآلاف من الأنصار، تنظيم يمتلك إمكانيات مالية ضخمة، يتمتع بتأييد أميركي ودولي فضلاً عن مساندة أنظمة خليجية لها ثقلها، وعن تعاطف ناشئ بينهم وبين إسرائيل.
قضية الثورة وأهمية الاستقرار.
ربما تكون حركة «الإخوان المسلمين» فقدت جزءاً مهماً من التأييد الذي كانت تحظى به في الماضي نتيجة السياسات التي اتبعتها منذ أن وصلت إلى الحكم، ونتيجة استمرار تدهور الأحوال المعيشية للناس، وغياب أية مبادرات ولو بسيطة تدل على أن هذه السلطة الجديدة ستحرص على تحسين الظروف المعيشية التي تعاني منها جماهير الشعب. لكن في الوقت نفسه، فإن هناك رغبة قوية ومتزايدة عند مختلف مراتب الشعب للتخلص من حالة الفوضى والانفلات التي جعلت الحياة صعبة للغاية والتي تؤثر على الجميع لأنها تجعل مسار الحياة الذي كان قائماً قبل 25 يناير، على رغم صعوباته الكثيرة، أفضل مما هو الآن. بالطبع توجد ظواهر يصعب التحكم فيها بسهولة، لكن التساؤل الذي أصبح من الملح أن يثار الآن هو مسؤولية الحركات الثورية والقوى الديموقراطية، إلى جانب مسؤولية النظام في تجاوز حالة الفوضى
القوى الثورية والديموقراطية في مصر تحتاج إلى الانتقال من مرحلة الاحتجاج والتمرد والاعتصام والتظاهرات، إلى مرحلة جديدة تُقلل فيها من هذه المظاهر وتركز على توحيد قواها القادرة على إحداث تغيير ديموقراطي واجتماعي حقيقي.
نقلا عن صحيفة الحياة