رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رغيد الصلح يكتب:“الربيع العربي” وأخطار الحروب الأهلية

رغيد الصلح
رغيد الصلح

ينظر الكثيرون إلى حال الحرب والسلم على النطاقين الدولي والتاريخي، معتبرين أن السلم الأهلي هو الحال الطبيعي في المجتمعات، وأن الحروب الأهلية هي الاستثناء، وأنها تشكل خروجاً عن القاعدة وعن المبادئ التي تحكم هذه المجتمعات وتنظم أمورها.

وهكذا كان الذين يخشون الحروب ويتحسبون لها يرقبون بقلق احتمال انفجار الحروب الكبرى، ويندفعون ويعملون من أجل درء الحروب التي تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، ويكون الفاعل الرئيس فيها الجيوش المحترفة المجهزة بأحدث الأسلحة وأفتكها .

خلافاً لهذا النمط التقليدي من التفكير، فإن المعنيين بقضايا السلم والحرب باتوا يخصصون جهداً أكبر لدراسة الحروب الأهلية، كأحد أهم مصادر تهديد الأمن الجماعي للدول ولعالمنا الراهن، ويسعون إلى اكتشاف أكثر السبل فعالية لدرء هذه الحروب، وللتخفيف من آثارها المهلكة . في هذا السياق يجد كولن كول الباحث الرئيس في مركز الأمن الأمريكي الجديد، المختص بقضايا الشرق الأوسط الذي يسهم في بلورة السياسة الأمريكية تجاه أحداث الربيع العربي، أنه من الضروري بذل المزيد من الاهتمام بظاهرة الحروب الأهلية . ويسند كول دعوته هذه بالإشارة إلى أن 75% من الحروب التي جرت في العالم منذ العام 1945 وحتى منتصف العقد الفائت، كانت حروباً أهلية داخل المجتمعات الدولية وليس بينها .

كذلك يستند كول إلى دراسات تقول إنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أدت الحروب الأهلية وحدها إلى مقتل ما يفوق الأربعين مليوناً من البشر، وإن الأضرار غير المباشرة التي سببتها ذهبت بحياة عدد أكبر من هؤلاء بكثير . من هذه الأضرار الفاجعة ما تجاوز حدود البلدان التي شهدت الحروب الأهلية . إن هذه الحروب لا تعترف بالحدود الدولية، ولا تقتصر على بلدان المنشأ . يكفي أن نلقي نظرة على معضلة اللاجئين الذين يفرون من أراضي الحروب حتى نتأكد من ذلك . فهناك خشية حقيقية من انتقال الحرب الأهلية/العسكرية الدائرة في سوريا إلى لبنان وربما إلى الأردن . ومن يرجع إلى تاريخ العلاقات في دول أخرى يجد أن معضلة اللاجئين تكون هي في حد ذاتها من أسباب نشوب الحروب بين الدول . فالحرب التي وقعت بين الهند والباكستان، وأدت إلى تقسيم الأخيرة كانت من نتائج انتقال الملايين من النازحين الباكستانيين إلى الهند، هرباً من الحرب الأهلية بين شقي الباكستان الغربية (الحالية) والشرقية (بنغلاديش) .

تميل أكثر الدراسات التي وضعت عن الحروب الأهلية، إلى الاعتقاد أن الحروب الأهلية في العالم وصلت إلى ذروتها خلال مرحلة التسعينات، وأنها أخذت تتراجع ولو ببطء شديد منذ ذلك التاريخ . قد يكون هذا الأمر صحيحاً وينطبق على ساحات الصراع الموروثة منذ الحرب الباردة في شرق ووسط أوروبا، وفي بلدان الفضاء السوفييتي السابق . ولكن إذا انتقلنا إلى خارج هذه المنطقة، وإلى المنطقة العربية بصورة خاصة، فإننا نجد أن للتخوف وللحذر من تفاقم ظاهرة الحروب الأهلية الكثير من المبررات، خاصة عندما نستعرض أسباب الحروب الأهلية .

تتفق دراسات كثيرة على إعادة الحروب الأهلية إلى أسباب ديموغرافية، وبيئية  اقتصادية، وسياسية . على الصعيد الديموغرافي تركز هذه الدراسات على دور الشباب المشبعين بالحيوية وبالآمال، الذين يعانون الإحباط الناجم عن ارتفاع معدلات البطالة في الاندفاع صوب الاقتتال، وعلى ظاهرة ترييف المدن بحكم الانتقال من الريف إلى الحواضر، وما يخلفه هذه الانتقال من اضطرابات مجتمعية وقلق وضياع إنساني، وعلى الصراع على الثروات الطبيعية، وخاصة المياه في انفجار الحروب الأهلية .

إن هذه الظواهر منتشرة على نطاق واسع في المنطقة العربية، وقد ازدادت حدة عقب

التحولات الكبرى التي طرأت على المنطقة . فالبطالة كانت تفوق 25% من مجموع اليد العاملة في الدول التي شهدت هذه التحولات، مثل مصر وتونس . إلا أن أكثر التوقعات تشير إلى أن نسبة البطالة بين الشباب مرشحة للقفز إلى 40% منهم . وتستند هذه المخاوف إلى توقعات موازية على صعيد تراجع الاقتصاد الكلي في هذه الدول، فبينما وصل معدل النمو قبل أحداث الربيع العربي إلى ما يفوق الخمسة في المئة في البلدين، يرجح المعنيون بالأوضاع الاقتصادية فيهما ألا يزيد معدل النمو لهذا العام عن 5 .1%، ما يؤثر تأثيراً مباشراً في إمكانات توفير فرص عمل للشباب، وحل الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها البلدان .

الأوضاع السياسية مرشحة هي أيضاً لتوفير بيئة مناسبة في العديد من دول المنطقة لانتشار الحروب الأهلية فيها . يعود السبب في ذلك، وفقاً لإحدى الدراسات التي وضعت عن الأسباب السياسية للحروب الأهلية، إلى طبيعة المرحلة التي تمر بها المجتمعات في تطورها السياسي . قارنت هذه الدراسة بين ثلاثة أنواع من الأنظمة: الأنظمة المطلقة، الأنظمة الديمقراطية الراسخة، والأنظمة التي تمر في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، وتوصلت هذه الدراسة إلى أن الحروب الأهلية تقل في ظل النظامين المطلق والديمقراطي الراسخ، ولكنها تكثر وتكون أرجح احتمالاً في أنظمة الانتقال إلى الديمقراطية .

تقدم هذه الدراسة الأخيرة بعض الأسباب والإحصاءات المقنعة لتفسير الاستنتاج الرئيس الذي توصلت إليه . المشكلة في هذا النوع من الاستنتاجات أن البعض في الدول العربية قد يستخدمها في تبرير التراجع عما تحقق في مصر وتونس وليبيا واليمن من تطورات سياسية مهمة، وفي الدعوة إلى العودة إلى “الحكم القوي” الذي يحقق الأمن على حساب الحرية . لقد ثبت أن هذا النوع من الحكم لم يتمكن من معالجة أي مشكلة من المشكلات التي تسبب الحروب الأهلية، وإلا لما كان “الربيع العربي”، بالمقابل فإنه من المستطاع الإشارة إلى أمثلة لا حصر لها من الإنجازات التي تمكنت الأنظمة الديمقراطية من تحقيقها في العالم . إن هذه الأنظمة كانت أنجح بما لا يقاس من غيرها على صعيد توفير الرخاء والسلام والحرية لشعوبها . ويستطيع المرء الاستفادة من تجارب هذه الأنظمة، عبر تصحيح وتسريع مسار التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي .
نقلا عن صحيفة الخليج