عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب :أين دور المجتمع؟

بوابة الوفد الإلكترونية

كارثة قطار البدرشين أغرقتنا في بحر من الحزن والأسى، إلا أن صدى الحادث في بعض وسائل الإعلام المصرية بدا صادما ومثيرا للدهشة. ذلك أن نداء العقل والمسؤولية يدعو كل ذي صلة بالموضوع إلى التفكير في مواجهة الكارثة بعدما صارت القطارات والطرق البرية تحمل الناس إلى الآخرة بأكثر مما تحملهم إلى بيوتهم ومقاصدهم.

إلا أن بعض الصحف الخاصة التي صدرت أمس لم تنشغل بموضوع الحدث ومآلاته. وإنما بدا أنها احتفت به بدرجة عالية من الحرارة، ووظفته في حملتها ضد الرئيس محمد مرسي ورئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل. واعتبرت أن القضية ليست أن مرفقا حيويا تدهورت أوضاعه. وأصبح يحصد أرواح المصريين حينا بعد حين، ولكنها في نظرهم شهادة تثبت الفشل وتعزز الدعوة إلى الخلاص من كل القائمين على الأمر في مصر الآن. فمن قائل إن الفشل لمرسي والرحيل لقنديل، وأن حكومة الإخوان تواصل حصد الأرواح، وغامز في أن مرسي تفادى الاحتجاجات والغضب بـ«هليكوبتر» وأن هتافات المواطنين طردت قنديل من موقع الحادث. وفي تعبير آخر عن التنديد والشماتة وصفت إحدى الصحف المرحلة التي تمر بها مصر باعتبارها «عصر الشهداء». إلى غير ذلك من المعالجات التي تتصاغر إلى جانبها أصداء غرق أكثر من ألف مصري في كارثة العبارة الشهيرة التي وقعت في عام 2006، علما بأن الذين أطلقوا تلك الأوصاف على كارثة القطار كانوا في مواقع المسؤولية المهنية إبان غرق الباخرة، وكان لهم رأي مختلف في الكارثة التي وقعت آنذاك.
لا أريد أن أقف طويلا أمام المعالجة الإعلامية للحدث. كما أنني لا أريد أن أعفي رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء من المسؤولية السياسية والمعنوية بدرجة أو أخرى، ولا أظن أن أحدا يمكن أن يزايد علي في الموقف النقدي للرجلين فيما استحق النقد أو العتاب. كذلك أرجو ألا يخطر على بال أي أحد أنني أهوّن من شأن مقتل ١٩ مجندا وإصابة العشرات، لأنني أعتقد أن الغضب واجب لمقتل أي مواطن ظلما وعدوانا. فضلا عن أننا أبناء ثقافة تعتبر أن مقتل أي إنسان بغير حق هو عدوان جسيم على المجتمع وقتل للناس جميعا، على حد التعبير القرآني (سورة المائدة الآية 32).
لقد قلت أمس إن الكوارث التي خلفها النظام السابق تفرض على رئيس الوزراء أن يحدد سياسة واضحة وشفافة في التعامل معها، سواء عن طريق ترتيب أولوياتها وتحديد جدول زمني لإزالة آثارها، مع الإعلان عن الموارد اللازمة للإنجاز فيها. لكنني اليوم أنبه إلى أمر آخر هو أننا اعتدنا ــ وتربينا ــ على فكرة «الرعاية الأبوية» التي تباشرها السلطة بحق المواطنين، وبمقتضاها يعفى المجتمع من المسؤولية ويظل متفرجا وتابعا. وهو الأمر الذي أزعم أنه تغير بعد الثورة مع عودة المجتمع إلى السياسة، وانتقاله من مرتبة التابع إلى موقع الشريك. ولذلك فمن المهم أن نتساءل أيضا عن الدور الذي يتعين على المجتمع أن يقوم به والمسؤولية التي يجب أن يتحملها في إزالة آثار العدوان الذي مورس علينا طوال العقود الثلاثة أو الأربعة التي خلت. بالتالي فإنه إذا كان رئيس الوزراء مطالبا بجهد معين يبذل في ذلك

الاتجاه، فإننا ينبغي أن نتساءل أيضا عن الدور الذي ينبغي أن يؤديه المجتمع في هذا الصدد.
أدري أن تسونامي المطالبة بالحقوق يجتاح مصر منذ قامت ثورة 25 يناير. وذلك شيء جيد، رغم أي تحفظات يمكن أن تسجل على الأسلوب الذي اتبع في تلك المطالبات، إلا أننا غضضنا الطرف عن الواجبات علما بأنها الوجه الآخر للتطور الذي حدث ناهيك عن أن عبء التركة الثقيلة التي خلفها النظام السابق يتطلب تضافرا واحتشادا قويين من جانب السلطة والمجتمع في ذات الوقت. ولست أشك في أن مجالات الخدمات بوجه أخص هي الأشد حاجة إلى عون المجتمع ومشاركته، من خلال جمعياته الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب والأفراد، وكل من لديه طاقة قادرة على البناء والإضافة. وقد علمتنا الخبرة التاريخية ــ من نظام الأوقات مثلا ــ أن قدرة المجتمع على العطاء لا حدود لها، وأن الجماهير إذا انفتحت أمامها أبواب المشاركة يمكن أن تندفع إلى أبعد بكثير مما يخطر على البال. والدراسات التي أجريت على نظام الوقت أبرزت حقائق مثيرة في هذا الصدد، لا تتعلق فقط بعطاء القادرين بل وأيضا بعطاءات غير القادرين وحماسهم للمشاركة في تحقيق التكافل التماسا لعمارة الدنيا وثواب الآخرة.
بعد كارثة مزلقان أسيوط التي وقعت في شهر نوفمبر الماضي، وأسفرت عن قتل 50 من أطفال المدارس، اهتمت نقابة المهندسين بالموضوع وتقدمت بمشروع يسهم في حل الإشكال، وفهمت من نقيب المهندسين الدكتور ماجد خلوصي أن رئيس الوزراء رحب به وتحمس له. ولا أعرف ما الذي تم فيه بعد ذلك. لكن الفكرة هي التي تهمني، خصوصا أن هناك نماذج مشجعة للغاية جسدت قيمة المشاركة الأهلية التي يعد مركز الكلى في مدينة المنصورة من تجلياتها الرائدة الجديرة بالاحتذاء في مجالات الخدمات الأخرى.
إن أحوال البلد سوف تنصلح لا ريب لو أن عشر معشار الجهد الذي يبذل للتنديد بالسلطة والتحريض عليها يوظف في محاولة استنفار المجتمع وتحفيزه للبناء والإعمار، لكن البعض فيما يبدو يفضلون تعميم الإظلام وتثبيته على التفكير في إضاءة الشموع.
نقلا عن صحيفة الحياة