عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سمير الحجاوي يكتب:خيانة المثقفين للثورة السورية

سمير الحجاوي
سمير الحجاوي

يمكن إطلاق تسمية الثورة السورية "بالفاضحة" لأنها وضعت المثقفين العرب على مفترق طرق واختبار نوعي بشكل لا يترك مجالا لعدم الاختيار، وعملت على فرز المثقفين والمبدعين والكتاب والحزبيين ودعاة حقوق الإنسان، ووضعتهم أمام تناقضات من الصعب التحايل أو الالتفاف عليها.

وصار لابد من الوقوف مع ثورة الشعب السوري التي تطالب بالحرية والكرامة والعدالة وحق اختيار الحاكم، وبين نظام لا يتورع عن سفك الدماء والقتل وتدمير البلد من أجل البقاء في سدة الحكم والاحتفاظ بالسلطة والثروة ومقدرات البلد الاقتصادية.
لقد كانت الثورة السورية منذ البداية جزءا من الربيع العربي، لكنها كانت أهم ثورة وضعت بعض المثقفين العرب أمام حالة من الانكشاف والعري والسقوط الأخلاقي والتناقض السافر والانتقال من كتابات نظرية كانت تمجد الحرية والعدالة إلى مواقف وممارسات عملية مناقضة ممارسات للرؤى النظرية، مما كشف عن بؤس هؤلاء المثقفين وتناقضاتهم ونفاقهم.
وإذا أردنا أن نصنف المثقفين السوريين والعرب فإن عددا كبيرا من هؤلاء المثقفين أعلنوا منذ اليوم الأول وبدون تردد انحيازهم للثورة والخيارات الشعبية والمطالب الجماهيرية وأسهموا بكتاباتهم ومواقفهم ومشاركتهم السياسية والثقافية الفاعلة في دعم الثورة وتصويب مسارها.
وهناك فئة أخرى وقفت من الثورة موقفا معاديا ورافضا ومشككا بهويتها ومنطلقاتها بحجة أنها مؤامرة امبريالية و "سايكس بيكو" جديدة لتقسيم المنطقة وخلق شرق أوسط جديد، خوفا من وصول الإسلاميين و "الأصوليين والسلفيين" إلى السلطة، وتحول هؤلاء إلى أبواق للنظام القائم يقدمون تبريرات لجرائمه وظلمه واستبداده، وتحولوا إلى جزء من آلة النظام الدعائية ضد الثورة والشعب.
وهناك فئة ثالثة، وهم المترددون، غير القادرين أو غير الراغبين، باتخاذ مواقف تؤيد الثورة ويبحثون عن ذرائع لتسويغ سلبيتهم وترددهم، ويحاولون إمساك العصا من الوسط، وآثروا الصمت والتزموا الحياد السلبي تجاه معاناة المجتمع وأسهموا بشكل مباشر أو غير مباشر بنشر روح الخوف والخنوع.
هناك العديد من المبررات التي دفعت هؤلاء المثقفين إلى معاداة الثورة أو عدم تأييدها على الأقل منها:
1- البعد الطائفي
كشفت الثورة عن بعض هؤلاء المثقفين الذين لم يستطيعوا إخفاء توجهاتهم الطائفية حتى وإن كانت تحت مسميات أخرى.
2- البعد الأيديولوجي
بعض المثقفين وقف من الثورة موقفا معاديا لأسباب أيديولوجية خاصة من قبل العلمانيين الذي كشفت الثورة أنهم يفضلون التحالف مع نظام استبدادي يسفك الدماء على مجرد التفكير بوصول الإسلاميين إلى السلطة
3- البعد السياسي
بعض هؤلاء المثقفين لا يزالون أسرى عقليات تتغذى من شعارات "الممانعة" ومواجهة الصهيونية والتصدي للمؤامرات والأخطار الاستعمارية والامبريالية
4- الخوف من المجهول
بعض المثقفين يتخذون موقفا عدائيا من الثورة لأسباب تتعلق بالمجهول والاعتقاد أن النظام قوي ولا يمكن هزيمته وأن ما يجري يغرق البلاد في الدماء والفوضى، وهم يؤثرون

السلامة على التغيير ويفضلون الخبز على الكرامة
5- عدم الاقتناع بالمعارضة
هناك فئة من المثقفين يعادون الثورة بسبب أخطاء المعارضة أو بسبب ممارسات بعض الجماعات المسلحة على الأرض وهم يطعنون بأخلاق الثورة وتشتتها وبعض النزعات الأنانية فيها أو بعض جوانب الفساد والصراع على المواقع والمناصب.
6- الارتهان للتفكير القديم
بعض المثقفين العرب والسوريين ما زالوا أسرى لطرق التفكير القديمة وغير قادرين على الخروج من الصندوق والبارادايم "النموذج الاسترشادي الغالب"، ولم يتحرر من الارتهان الأيدولوجي حتى التعبئة الأيديولوجية لتفسير ما يجري بطريقة خاطئة ومنحرفة.
هذه الفئة من المثقفين الذين عارضو الثورة أو وقفوا إلى الحياد السلبي "سقطوا" أخلاقيا في اختبار الحرية التي يطالب بها الشعب السوري، فهم يعبرون عن حالة متهرئة لجزء من الجسم الثفافي العربي، ويعانون من الخوف والجبن والعجز والنخبوية والقصور التحليلي والمثاليات الخيالية وممارسة الهجاء الإعلامي والثقافي الذي يعبر عن حالة من الافلاس والهشاشة والتهافت، وصولا إلى دعم نظام الأسد الدموي الهمجي والدفاع عن جرائمه وحشد التأييد له.
من الإنصاف الإقرار أن عددا كبيرا من المثقفين انحازوا إلى الثورة منذ سنوات طويلة، ودفعوا ثمنا غاليا من حريتهم وحياتهم وحياة أسرهم، وكانوا محرضين على التغيير والمطالبة بالديمقراطية قبل اندلاع الثورة السورية العظيمة، وبعضهم انخرط في الثورة بشكل مباشر بعد اندلاعها وشاركوا في العمل الميداني والسياسي، وهؤلاء المثقفين يمثلون الضمير السوري والعربي والثقل الأخلاقي للأمة، رغم وجود من سقطوا في اختبار الحرية الكبير.
* هذه الأفكار جزء من ورقة ألقيتها في ندوة "الثورة السورية وتناقضات المثقف العربي" التي نظمها الصالون الثقافي التابع لوزارة الثقافية القطرية وشارك فيها نخبة من الباحثين والمفكرين وهم الأستاذ ميشيل كيلو والدكتور حازم نهار والأستاذ عبدالله العذبة والدكتور خالد الجابر.

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية