رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب:أسلمة مبتذلة ومسطحة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

لا آخذ على محمل الجد حكاية أسلمة المقاهي (الكافيهات)، وأعتبرها مزحة ثقيلة فيها من الابتذال والمسخرة أكثر مما فيها من الرصانة والجد.

ولا أستبعد أن تكون الفكرة من قبيل ركوب الموجة ومحاولة استثمار الأجواء الراهنة في مصر، التي ارتفع فيها صوت الإسلاميين وتعالت أسهم السلفيين في بعض الأوساط، إذ طالما أن الإسلاميين صاروا بين نجوم المسرح السياسي، وأن المقاهي هي من أكثر المشروعات التجارية رواجا في الوقت الراهن نظرا لقلة الإنتاج وزيادة معدلات البطالة.
فإن أي صائد للفرص سيجدها فكرة جيدة ومريحة، أن يقوم بتركيب عمامة الساعة على بطالة الشباب وفراغهم واستخدام الخلطة في إنتاج مشروع لأسلمة الكافيهات.
القصة نشرتها جريدة الوطن أمس الأول (5 /1 /2013) وأفردت لها ثلاثة أرباع صفحة، وكأنها مشروع قومي خطير، أما عناوين التقرير فقد كانت كالتالي: دماغ كابتشينو ــ أول كافيه إسلامي في مصر يفصل بين زبائنه ولا يسمح بالتدخين أو الموسيقى ومعظم زبائنه شبان ملتحون وبنات منتقبات ــ إذا كذب زبون فرافق فتاة وادعى أنها زوجته أو من محارمه يسمح لهما بالدخول ويتحملان وزر كذبهما. في التفاصيل عرفنا أن المقهى المذكور تم افتتاحه بحي مدينة نصر بالقاهرة، وزف إلينا مدير المحل خبرا مفاده أن وراء المشروع ستة من السلفيين «هدفهم الرئيسي أسلمة الكافيهات في بر مصر» عن طريق تطبيق عدة شروط تلتزم بالشريعة وضوابطها. وقد أعلنت إدارة الكافيه على موقع فيس بوك أنها ستكون الراعي الرسمي للمؤتمر الأول لقادة النهضة الذي سينعقد في قاعة الأزهر للمؤتمرات، وهي عبارة غير مفهومة، لأنني لم أكن أعرف أن هناك علاقة للكافيهات بالنهضة، وكان ظني أنها من دلائل فشل فكرة النهضة. ولم يخطر على بالي أن تبدأ النهضة في مقهى مفتوح على أحد الأرصفة، ولم أستبعد أن يكون قد تم الزج بمصطلح النهضة من باب استثمار العناوين التي تتردد في الساحة، والتي استخدمها الرئيس مرسي في أكثر من مناسبة.
أخبرنا التقرير أن المقهى على مسافة 300 متر، وأنه مقسم ثلاثة أقسام، واحد للرجال والثاني للنساء والثالث للعائلات، وكل قسم مطلي بلون يميزه ومنفصل عن الآخر بجدار زجاجي يحجب رؤية المتطفلين. ولا مكان للوحات على الجدران أو موسيقى من أي نوع، والتدخين فيه ممنوع وكذلك الأرجيلة، وعند الباب يقف شخص مهمته الاستفسار من الداخلين، خصوصا إذا كانوا خليطا من الشبان والفتيات عن طبيعة العلاقة بين الجنسين، إذ يمنع جلوس الشاب مع الفتاة على طاولة واحدة إلا إذا كانا متزوجين على سنة الله ورسوله، أما إذا كانا صديقين أو زميلين فممنوع عليهما دخول المقهى.
في المقهى يرفع الأذان للصلاة على مدار النهار وبه مصليان، واحد للنساء وآخر للرجال، ولا تتردد في المكان إلا أصوات الأناشيد الدينية والابتهالات، أما شاشات البلازما، فلا تظهر عليها سوى صورة لشاشة إحدى القنوات الدينية، وفي موقع خاص بالمطبوعات وضعت رسائل ونداءات

تضم بعض الأدعية الدينية، وتتحدث عن عفة البنات وتدعوهن إلى الالتزام بالحجاب، إضافة إلى مطبوعات أخرى تروج لبعض محال بيع ملابس السيدات ومستلزمات المحجبات.
المشهد كله عبارة عن فرقعة سلفية، لا تخلو من لمحات طيبة، لكنها في نهاية المطاف تسفه فكرة الأسلمة وتبتذلها، من حيث إنها تختزلها في مقهى للترويح أو قتل الوقت. ثم إنها تختزل القيمة في بعض المظاهر الملموسة المتعلقة بالأزياء أو اللحى أو التحقق من طبيعة العلاقة بين الشبان والفتيات، أو حتى الامتناع عن الاستماع إلى الموسيقى والأغاني. إلى غير ذلك من الجوانب التي يهتم بها الفكر السلفي عامة، في حين لا علاقة لذلك الفكر بالأخلاق أو القيم الإنسانية الأخرى، فالمسلم المثالي لديهم يتم تقييمه بمظهره وليس بقيمه ومسلكه، والأسلمة عندهم مسطحة للغاية إذ يكفي لها أن تقيم كيانا يحمل اللافتة، ويلزم زبائنه بأشكال معينة، ويمنع عنهم التدخين والموسيقى، ويفرض عدم الاختلاط بين النساء والرجال، وبذلك يتحقق المراد من رب العبادات إذ طالما استوفت المظاهر شروطها وانضبطت أشكال الناس وأزياؤهم فقد قامت عندهم دولة الإسلام التي ينشدونها. لا يهم بعد ذلك ما إذا كان المسلمون عاملين أم عاطلين (لاحظ أن الأسلمة المذكورة انطلقت من مقهى)، متخلفين أم متقدمين، تابعين أم مستقلين، منتجين أم متسولين. أما الأخلاق الخاصة، مثل الصدق والأمانة والوفاء والكد والإبداع والإتقان وغير ذلك فهي عناوين لا مكان لها في مواصفات الأسلمة التي يدعونها.
لا أريد أن أعمم، وأتصور أن الأمر لا يتجاوز حدود قراءة قاصرة من جانب فصيل بذاته، لكن ذلك يمنع واحدا مثلي من أن يقول إن الأسلمة إذا كانت في تلك الحدود وبهذه الطريقة المسطحة والمبتذلة فلست أريدها ولا أتمناها. وهو ما يذكرني بقصة الشاعر الذي صادف عبثا من هذا القبيل بالصلاة فكتب يقول: إن رام كيدا بالصلاة مريدها ــ فتاركها عمدا إلى الله أقرب.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية