رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

محمد صلاح يكتب :احتجاجات الحكم في مصر!

محمد صلاح
محمد صلاح

من عجائب الثورة المصرية أنها أفرزت نظام حكم يشجع أو يبارك أو يتظاهر ضد قوى المعارضة! وكما أبهر المصريون العالم بثورتهم وقدرتهم على تنحية رأس النظام بعد 18 يوماً من احتجاجات سلمية واعتصام مفتوح في ميدان التحرير، فإنهم يدهشون العالم الآن باحتجاجات أنصار الحكم ومؤيديه كل فترة ضد المعارضة. والأمر لا يقف فقط عند مطالب الإسلاميين بالشريعة، كما جرى في التحرير أول من أمس، أو التصريح أحياناً والتلويح في أحيان أخرى بأن كل المعارضين في سلة واحدة ضد الإسلام! وإنما تحول إلى أسلوب مثير للدهشة، خصوصاً أن أقطاب الحكم لا يتوقفون عن مطالبة الناس بالالتفات إلى العمل والإنتاج وتحمل أعباء المعيشة لفترة حتى تبدأ النهضة، ومنح الحكم الفرصة ليعمل في هدوء ويعالج معضلات البلاد، فإذا بالناس يفاجئهم كل فترة صخب احتجاجات الحكم ومناصريه ضد المعارضة!
مشكلة الحكم في مصر، بعد الثورة وتنحي مبارك، أنه لم يقدم للناس الأمل في أن أحوالهم ستتحسن، لا على مستوى الحريات والعمل العام وممارسة السياسة ولا على مستوى أمورهم الحياتية والمعيشية. صحيح أن الثورة فرضت واقعاً لا يمكن شخصاً أو جهة تَجاوُزُه، فصار منع مظاهر الاحتجاج أو قمع المعارضة صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، لكن الأوضاع الحالية في مصر لا تلبي طموحات الشعب الذي ثار والشهداء الذين سقطوا والآمال التي تفجرت. وإذا التمس بعض المصريين العذر للمجلس العسكري لأن فترة حكمه شهدت ارتباكات وقرارات متضاربة نتيجة عدم خبرة العسكريين بالعمل السياسي من جهة، ولكون سقوط نظام مبارك جاء فجأة ومن دون مقدمات طويلة، إضافة إلى صراعات القوى السياسية في الغرف والقاعات، والتي انعكست مواجهات في الشوارع والميادين، إلا أنهم لا يفهمون لماذا لم يقدم الرئيس والحزب الحاكم والجماعة التي خرج الرئيس والحزب من عباءتها، حتى الآن، خططاً واضحة وصريحة لا تحتمل اللبس ولا تفسيرات متناقضة لمعالجة خطايا الأنظمة السابقة، والتعاطي مع طموحات المواطنين التي بلغت عنان السماء أثناء الثورة. ولماذا كلما اتخذت الرئاسة أو الحكومة قراراً واستحال تنفيذه لجأ الإسلاميون إلى التظاهر لدعم القرار أو الاحتجاج على عدم تنفيذه، فيظهر الحكم وكأنه عاجز عن استخدام الآليات التي في حوزته أو كأنه راغب في تجاوز القانون الذي يفترض أنه أكثر الجهات حرصاً على تطبيقه. وهم مندهشون جداً لأن الجماعة وحزب الرئيس يستنكرون عادة تحركات عناصر المعارضة، وهم في الغالب ينتمون إلى القوى المدنية، وتظاهراتهم واعتصاماتهم وحدّة خطابهم السياسي والإعلامي، وفي الوقت نفسه يجدون الحكم يحشد الناس أحياناً في الشوارع والميادين

ويدعوهم إلى التظاهر أو الاعتصام حتى يتم تمرير قرار أو تأييد موقف أو الاعتراض على سلوك المعارضة! إنها التناقضات التي برزت بعد الثورة، وهي لا تختلف كثيراً عن مشهد الازدحام حول صالات السينما التي تعرض الآن فيلم «عبده موتة» المليء بمشاهد وحوارات تصل إلى درجة السوقية والخروج عن الآداب، وفي الوقت نفسه اقتراع هؤلاء الناس أيضاً لمصلحة مرشحي التيار الإسلامي في كل انتخابات!
تبدو أمراض القوى المدنية معروفة، وصار الحديث عنها غير ذي جدوى، لأنها لا تعالَج، ويبدو أنها تمكنت من أصحابها واستشرى الداء بما لم يعد ينفع معه أي دواء. لكن كثيرين يرون أن تلك القوى، رغم تشرذمها وتشتتها وصراعات المصالح بين رموزها، تسبب قلقاً بالغاً للحكم. المعضلة الكبرى أن الحكم نفسه يعاني أيضاً معضلات أكثر خطورة، وأتته الفرص مرات عدة ليقضي عليها لكنه في كل مرة كان يزيد منها عن طريق قرارات غير مدروسة تصدر عنه وحين يعجز عن تنفيذها سواء بسلطة القانون أو سطوة تظاهرات الشوارع والميادين يبدو أمام الناس ضعيفاً أو مرتبكاً. يتجاوز الأمر قضية الدستور الذي تدور خلافات عميقة الآن حوله ومحاولات كل فصيل سياسي أن تأتي مواده متناغمة مع مبادئه وأفكاره من دون النظر إلى أن هناك فصائل أخرى في المجتمع، وأن الثورة لم تقم لنصرة فصيل ضد باقي الفصائل، أو أن تفرض رأياً على كل الآراء الأخرى حتى بات المجتمع منقسماً لا متعدداً، عدوانياً لا مسالماً، فوضوياً لا متحضراً. لا توجد مدرسة لتعليم أصول الحكم أو قواعد المعارضة، وإنما هي مهارات تُكتسب أثناء الممارسة، إذا أراد الممارسون أصلاً اكتسابها... فهل هم كذلك؟
نقلا عن صحيفة الحياة