عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسامة غريب يكتب:المصير المحتوم (1)

أسامة غريب
أسامة غريب

عندما حضر رامي الى البحرين ليعمل معنا في الشركة كانت فرحتنا به كبيرة نحن المصريين الذين تغص بهم المؤسسة.كانت بشاشة وجهه ودماثة خلقه ووسامته الظاهرة أبواباً دخل منها الى قلوبنا.

الأجمل أنني وجدته عاشقاً لمحمد منير وعلي الحجار ولديه تسجيلاتهما كلها، كما اسعدني حبه للسينما وفرحت لأنني وجدت أخيراً من يقبل ان يشاركني هوسي بالأفلام.أخذته منذ يومه الاول وأوجدت له سكناً معي بنفس البناية في شقة تعلو شقتي بمنطقة «الجفير» القريبة من الخليج بمدينة المنامة، وتطوع آخرون لمساعدته في فرشها فكانوا يتجولون معه في الأسواق حتى اكتمل كل شيء واستقر في اقامته.
كنت سعيداً باصطحابه معي الى العمل ذهاباً واياباً.. حتى أطفالي أحبوه وتعلقوا به وصاروا ينتظرونه كل مساء عند عودته ومعه الشوكولاتة واللعب.الى هذا الحد كانت مودته مع الجميع.الخلاصة أنه أدخل البهجة على مكان العمل حيث كنا نلتقي في الصباح، ونقل ذات البهجة الى البيت.
أذكر انني كنت أقدمه للأصدقاء على المقهى في المساء بعد قدومه مباشرة، وكان يدهشني انني أجد من قدمته لهم بالأمس ساهرين عنده في البيت في الأمسية التالية!.. بهذه السرعة كان يعقد الصداقات ويقتحم القلوب حتى ان الكثير من السيدات اللاتي كنا نعرفهن قد تبارين في احضار العرائس له وعرضهن عليه، وكل منهن تمني النفس بأن يكون من نصيب ابنتها.حتى بعد ان عرفنا أنه مرتبط وان خطيبته بالقاهرة تقوم ببعض التجهيزات قبل ان تلحق به لتزف اليه في البحرين، فان هذا لم يؤثر في الموقف منه ولا غير من المشاعر الطيبة نحوه.
في هذا الوقت كانت «عصمت» المعروفة لدينا بأم المصريين لطيبتها وحنوها علينا وتدخلها في أحوال كثيرة للحؤول دون «تفنيش» أحد المصريين من خلال علاقاتها الواسعة والمتشعبة بحكم أنها تقيم بالبحرين منذ عشرات السنين.. كانت عصمت تذهب معي انا ورامي الى الجمعية الاستهلاكية وبالذات الى برادات الجزيرة التي كان يحبها رامي لتشرف بنفسها على شراء احتياجات الأسبوع الخاصة به، وكثيراً ما كانت تفاجئنا بصينية أو طاجن صنعته بنفسها تدخل علينا به في الأمسيات، وقد زادت مفاجآتها الدسمة كثيراً بعد مجيء رامي.
كنا نذهب مرتين أو ثلاثة كل أسبوع الى السينما وكنا زبونين مستديمين على سينما الدانة القريبة من منطقة «السنابس» أو سينما سار.
انتظرته ذات صباح في السيارة أسفل البناية كالمعتاد ليذهب معي للشركة لكنه لم يظهر.صعدت الى شقتي واتصلت به تليفونيا فلم يرد.دفعني القلق للصعود اليه.وضعت اصبعي على جرس الباب وأرهفت السمع.وخيل الى انني سمعت صوتاً خفيفاً بالداخل لكن هذا الصوت انقطع وساد الصمت.لم أعط للأمر أهمية كبرى وذهبت للعمل وحدي.
أثناء النهار أخبرني الزملاء أنهم اتصلوا به كثيراً دون جدوى. قمت بالاتصال بعصمت عسى ان يكون لديها أخبار عنه فنفت ان تكون قد رأته منذ بضعة أيام.
عند رجوعي في المساء طرقت عليه الباب فلم يفتح أيضاً.انقبض قلبي وخفت ان يكون قد المّ به مكروه.
قبل ان أذهب الى النوم عند منتصف الليل قمت بمحاولة جديدة

وطرقت الباب بعنف ويدي الأخرى على الجرس لا تبرحه.سمعت خطوات تأتي من بعيد فدق قلبي بالفرحة، وبعد ثوان انفتح الباب ورأيته يفرك عينيه كالقائم لتوه من نوم أهل الكهف وكان يسعل بشدة وشعره مشعثاً وغارقاً في عرق غزير.
ما بك.. قلت له، فرد وهو يتثاءب: ياه.. يظهر اني نمت طويلا دون ان أدري! شهقت من الدهشة: نمت طويلا دون ان تدري؟ لقد افزعتنا يا بني آدم.. طول اليوم ونحن نتصل بك، مالك هل أنت مريض؟ قال: يبدو ان حالة التسمم التي أصبت بها العام الماضي في مصر مازالت تترك علي بعض آثارها على شكل نوبات طويلة من النوم الذي يشبه الاغماء، تلك الحالة التي تعاودني من وقت لآخر.لم اكن أعرف شيئاً عن حالة التسمم هذه لكن منظره أخافني.
عرضت عليه ان يأتي معي الى المستوصف القريب لكنه هوّن من الأمر وطمأنني الى أنه بخير وأنه سيذهب بنفسه الى المستشفى حتى يطمئن ويطمئننا، قال هذا وهو يمد يده الى زجاجة دواء الكحة التي على المنضدة.أعدت عليه عرضي بالذهاب الى الطبيب فربت على كتفي وهو يضحك ويرفع زجاجة الدواء الى فمه ويشرب ما يزيد على نصفها مرة واحدة ثم يقول لي: لا تخف عليّ، أؤكد لك أنني لن أموت الآن، أمامي أشياء كثيرة لم أفعلها بعد ولا أنوي ان أموت قبل ان أتمها، عندي زوجة لم أدخل بها وأطفال لم أنجبهم وأفلام لم أشاهدها وحفلات لمحمد منير لم أحضرها وطواجن حمام بالفريك لم ألتهمها ونُكت لم أضحك عليها، ثم أردف: أولست أنت القائل ان أجمل دقيّة بامية هي تلك التي لم نأكلها بعد؟ قلت له: بلى أنا القائل بهذا.فقال: خلاص.. اطمئن وانزل نام.قلت: ألم تلاحظ أنك شربت معظم زجاجة الدواء يا مجنون؟ نظر نحوي في دهشة وقال: غير ممكن.. أنا لم أشرب منها سوى جرعة صغيرة تساوي ملعقة.قلت: وهل الدواء يتم شربه بالزجاجة.
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية