فهمي هويدي يكتب:يحيرنا النائب العام
تحيرنا ممارسات النائب العام على نحو يثير الالتباس ويجعلنا نتساءل عن حقيقة موقفه ومقاصده.
لا أتحدث عن قصة نقله إلى السلك الدبلوماسي، الذي قال إنه رفضه ثم حين تبين أن ذلك غير صحيح ذكر في وثيقة مكتوبة أن موافقته كانت «ملتبسة»، ولا أقصد إعلانه للصحف المصرية أنه تعرض للتهديد من قبل وزير العدل ورئيس جمعية الدستور، وبعد تحري المسألة ثبت أن ذلك لم يحدث، واضطر للاعتذار للرجلين هاتفيا فيما بعد. لا أتحدث عن هذا أو ذاك، لأن ما أعنيه شيء آخر يبدو منه أن النائب العام بصدد الانزلاق في مستنقع الاستقطاب السياسي، الأمر الذي يحرج عدالته كنائب عن عموم المصريين ويحوله إلى طرف في الصراع السياسي الذي تدور رحاه في مصر. أتحدث تحديدا عن أمرين، أولهما استقباله قبل عشرة أيام مجموعة من الأشخاص المشتبكين مع السلطة والمخاصمين لها. وقد ذكرت الصحف أنهم زاروه لكي يعربوا عن تضامنهم معه. إلا أن الصور التي نشرت للقاء كشفت عن ملاحظتين، الأولى أن المجموعة لم تكن معه بقدر ما أنها ضد السلطة، الأمر الذي أعطى انطباعا بأن الزيارة لم تكن بريئة، حيث لم تستهدف مساندة الرجل في الحقيقة، وإنما سعت إلى إعلان اصطفافه الضمني إلى جانبهم. الملاحظة الثانية أن من بين الذين ذهبوا للتضامن مع الدكتور عبد المجيد محمود في مكتبه أشخاص مقدمة ضدهم بلاغات محفوظة في أدراج المكتب ذاته. وهو ما يضاعف من الالتباس والحيرة، ويثير عديدا من الأسئلة سواء حول حقيقة ما دفعهم إلى الإعلان عن التضامن معه بعد مرور نحو أسبوعين من حدوث عاصفة نقله وتجاوزها، أو حول دافعه إلى استقبالهم والترحيب بهم في مظاهرة إعلامية صغيرة جرى تعميم خبرها وصورها على كل الصحف.
إضافة إلى الرسالة غير المريحة التي تلقيناها من الزيارة المشكوك في براءتها، فإن لدينا أسئلة كثيرة حول القرارات التي يصدرها النائب العام بشأن بعض البلاغات التي تقدم إليه، سواء تعلقت بتحريك البلاغات وتحويلها إلى النيابة أو بحفظها أو بالسكوت عليها وتجميدها. والملاحظة الأساسية في هذا الصدد أنه يبدي حماسا مشهودا للتحقيق في بلاغات المعارضين للسلطة في حين يغض الطرف عن بلاغات أخرى، الأمر الذي يوحي بأن بعض القرارات التي يصدرها تفوح منها رائحة تصفية الحسابات السياسية، في حين أن البعض الآخر يصدر لتحقيق مصالح معينة، لا يكون الصالح العام بينها، وهو ما يجعلنا نرى العدالة ناجزة في قضايا بذاتها ومغمضة الأعين أو عاجزة في قضايا أخرى.
لا يتسع المكان لذكر الحالات التي أعنيها، ولكني سأشير إلى بعضها فقط، وسأترك للقارئ أن يخرج منها بالخلاصة المناسبة، فحين قدم الفريق أحمد شفيق بلاغا ادعى فيه تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية، فإن ذلك البلاغ أحيل إلى التحقيق في اليوم التالي مباشرة، أما حين قـدم بلاغ ضد الفريق شفيق مصحوبا بمستندات تثبت تربحه من منصبه بشرائه «فيللا» في إحدى المدن الجديدة بالقاهرة بأقل من سعرها بثلاثة ملايين جنيه، فإن ذلك البلاغ ظل محفوظا في مكتبه منذ أربعة أشهر ولم يتحرك قيد أنملة، وحين انتقد
إننا بحاجة لأن نذكر الدكتور عبد المجيد محمود بأنه يشغل منصبا يفترض في شاغله أن يكون نائبا عنا في مباشرة الدعوى العمومية لإحقاق الحق والحفاظ على ميزان العدل في المجتمع. وما كان لمثلي أن يذكره بذلك إلا لأن مواقفه وممارساته تكاد تقنعنا بأنه يتأثر بأهوائه وحساباته الخاصة بأكثر من التزامه باستحقاقات منصبه، الأمر الذي يخشى أن يحوله إلى نائب عن بعض المصريين دون البعض الآخر، لذا وجب التنويه والتذكير.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية