رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أمجد عرار يكتب: "بلفور" والحالة العربية

أمجد عرار
أمجد عرار

هذا الأسبوع تجاوز ذكرى جديدة هي الخامسة والتسعون على صدرو وعد بلفور، الوعد البريطاني الذي أنشأ الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وفي الجسد العربي الذي بات مخدّراً وفاقداً لمعظم القدرة على الإحساس بما يطعنه من خناجر.

ذكرى جديدة تمر بسلاسة على الجريمة البريطانية التي لا يمكن أن تغتفر، باستثناء بعض كتّاب المقالات التقليدية، وأقل منها كتّاب وصحافة وإعلاميون ما زالوا مخلصين لقضية فلسطين والهمّ القومي.
النشاطات التي تحيي ذكرى وعد بلفور كانت في ظل أجواء كهذه بعدد أصابع اليد، والمشاركون فيها بالعشرات في دول عربية تعد سكاناً بعشرات الملايين . من بين النشاطات القليلة كانت مسيرة من مقر الحزب الناصري في القاهرة إلى مقر السفارة البريطانية بغاردن سيتى، في فعالية أحيت لاءات الخرطوم الثلاث ومقولة “صراع وجود لا صراع حدود«، في حين تعانقت الأعلام الفلسطينية والمصرية مع صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عنوان الحقبة التاريخية التي ولدت فيها اللاءات الثلاث من رحم ما بعد هزيمة يونيو 67 .

هل في هذا ما يدعو للتشاؤم والإحباط؟ بمنتهى الصراحة وبالمطلق، الإجابة بالنفي الملآن بكل معاني الثقة بالشعوب العربية، بالملايين المهمّشة التي لا نسمع صوتها لأنه ليس متاحاً سماعه . ففي قياس درجات التشاؤم والتفاؤل علينا أن نضع أيدينا على معيار يتجاوز الحواس ويكرّس الثقة بالطاقة الكامنة في الشعوب العربية التي لا يمكن اختزالها بما يطفو على السطح من مواقف مشوّهة ومنحرفة أو مأجورة .
ما من شك أننا نعيش مرحلة زمنية حبلى بالانطباعات المغلوطة حول حقيقة ما تريد الشعوب، وغياب المعايير الدقيقة لمواقفها . ما هو موقف الشعوب؟ وكيف نعرفه؟ . بنظرة سريعة ندرك أن النخب التي تتيح لها الظروف إسماع رأيها لا تمثّل الشعوب عددياً ووجدانياً . وهنا تجدر الملاحظة أن المستوى الأول من النخب والذي يضم الكتاب والمحللين والإعلاميين، وكذا المستوى الثاني المتمثّل بالمتعاطين مع وسائط الاتصال من متفاعلين مع الإنترنت ومتفاعلين مع البرامج الإخبارية الفضائية، هؤلاء يمثّلون نسبة ضئيلة من أي شعب، إذ ليس هناك شعب أغلبيتهم مثقفون ومتعاطون مع الشأن العام . إذاً فالموقف الحقيقي لأغلبية الشعب

لا يمكن معرفته من كلام المحللين والكتّاب وتعليقات المواقع الإلكترونية، إنما من خلال الانتخابات والاستفتاءات واستطلاعات الرأي، مع تأكيد أن هذه مرتبطة بمعرفة المواقف أكثر من الأولى والثانية اللتين تتحكّم بهما اعتبارات كثيرة . وفي كل الأحوال يبقى الوجدان العربي في أغلبيته متبنياً لقضية فلسطين وللوجدان القومي، حتى وإن أخفى الرماد احمرار الجمر تحته .
وبهذا المعنى، فإن كون ذكرى وعد بلفور لم تأخذ حقّها من الاهتمام، فهذا انعكاس لواقع النخب العربية المعطوبة والمنخرطة في مهمة تغريب الثقافة العربية وتسهيل اقتحام القلعة العربية على ظهر حصان الشعارات الحداثية البراقة . هؤلاء يشقون الطريق ويمنحون الغطاء لمن يتنازلون، ول “إسرائيل”كي تهوّد القدس وكل فلسطين، وتكرر هدم العراقيب للمرة الرابعة والأربعين .
بالنسبة لـ “إسرائيل”التي تتعمّد دائماً إحياء ذكرى المآسي الفلسطينية والعربية، بارتكاب جرائم والتسبب بمآس، وإذا لم تفعل ذلك لا تنام ليلها بهدوء . وهذه المرة كان إحياؤها لوعد بلفور ممهوراً بجريمة مكرّرة، حيث حرّكت جرافاتها لهدم قرية العراقيب في النقب المحتل للمرة الرابعة والأربعين، وكأنها تريد أن تقول إن “الشيء بالشيء يذكر«، مع علمها اليقيني بأن العنوان الأبرز للحالة العربية الرسمية هو “كل شاة معلّقة من عرقوبها«، ومعرفتها بأن مَنْ لا تنفعهم الذكرى لا يتذكّرون، وإذا تذكّروا لا يكترثون، وإذا اكترثوا لا يفعلون، وإذا فعلوا فلمصلحة الأعداء أكثر مما هو لمصلحة الأوطان والأمة.
نقلا عن صحيفة الخليج