رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الغزاوى يكتب :الثورة المصرية.. الاختطاف والتفريط والخندقة (2)

مصطفى الغزاوى
مصطفى الغزاوى

تغير الشرق الأوسط إلى شرق الحرب والدم والمياه والبترول، أو في الجغرافيا السياسية هو الشرق الإسرائيلي، فإسرائيل هي محور الأحداث، وهي معيار التحالفات أو الصدام،

وتصب نتائج الاستبداد العربي أو الاقتتال لصالحها، وهي التي تملك اليد الطولى على العرب من الاختراق الأمني والسياسي والاقتصادي إلى اليد العليا العسكرية المطلقة العنان فوق الأرض العربية، من الخنادق إلى الفنادق إلى المصانع وحتى الحركات الجماهيرية والقصور.
قال يوسي ادلين رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية في نهاية 2010 وهو يسلم مهام منصبه: "إننا اخترقنا مصر على الأصعدة المختلفة وأن أي نظام بعد مبارك لن ينجح دون قبولنا به".
حمل الهجوم الإسرائيلي على مجمع اليرموك للصناعات العسكرية بالخرطوم دلالات تعددت من معنى الأداء الإسرائيلي في إطار ما أطلق عليه صراع الأذرع الطويلة بين إسرائيل وإيران على الأرض العربية، إلى دلالة التفكك والعجز العربي، وهو يحاول الرد على اختراق طائرة حزب الله من دون طيار للدفاعات الإسرائيلية ووصولها إلى صحراء النقب قرب مفاعل ديمونة، وهو دلالة على أن الصراع في المنطقة شامل وميدانه الجغرافي مفتوح، حسب الأهداف الإستراتيجية التي لا تقف عند حدود موقع إيراني واستهداف إسرائيلي.
كانت النتائج العكسية لتحرك الشعوب العربية ضد الأنظمة الاستبدادية، دلالة خطر مازال قائما وأن تغير شكل الاستبداد وأصبح استبدادا تحت عباءة الدين، وكافة حالات الاستبداد هي بالضرورة تحتاج إلى تفاهم ما مع أمريكا والتسليم بأن أمن إسرائيل غاية تطلق يدها بلا حساب بالمنطقة.
الواقع في مصر يكاد يتجاوز احتمالات الحرب الأهلية في إطار الصراع على لقمة العيش والعدل الاجتماعي أو مجرد الصراع على السلطة إلى اتجاه يماثل العراق وأفغانستان أو العنف المسلح تحت عباءة الدين بغير هدف واضح سوى خلخلة الدولة لصالح أهداف أمريكية إسرائيلية. انتقل العنف من سيناء إلى داخل مصر وزاد من فعاليته حالة الانفلات الأمني وغياب الدولة والانكفاء على الذوات في صراعات السلطة والتمكين وتغيير الهوية.
وزاد على كل ذلك التعامل الهزلي في أمر العسكرية المصرية، وهو أدق أمور الوطن وأكثرها حساسية، فبعد أن كان الخطاب السياسي يتحدث عن مصر في إطار الوطن العربي انتقل إلى دولة بالشرق الأوسط وليتحول الأمر بعد ذلك إلى إمارة في خلافة إسلامية بينما الواقع يتحول بالأفعال والمصالح ونتائج الصراع المرصودة وغير المرصودة إلى منطقة نفوذ إسرائيلية بامتياز.
بعد يناير 2011 لم يعد هناك شيء بعيد عن النقاش والنقد، وكانت هتافات الحناجر تسبق بحث العقل وتأمله، وكان هناك من يزكي حالة "الحناجر" دون "العقل" في سبيل إعمال الاستحواذ وجرت المقامرة بأمر الوطن ودوره ومستقبل أبنائه وقدرته على إدارة الصراع في الإقليم.
التعامل مع العلاقة بين الجيش والدولة خارج السياق العلمي والسياسي ولمجرد إطلاق يد الاستحواذ دون إدراك للمسؤولية الوطنية، وصلت إلى حد الإهانة، والمساس بالروح المعنوية للقوات المسلحة للقوات المسلحة ويقارب الحرب النفسية، والمستفيد الأول منها هو العدو الإسرائيلي ذاته، وكأنه قتال عنه بالنيابة للعسكرية المصرية بتاريخها وانتمائها، حرب تهدم التماسك المعنوي والعقيدة للقوات المسلحة المصرية.
وتطرق التعامل مع العلاقة بين الجيش والدولة إلى محور المؤسسات التي تديرها القوات المسلحة اقتصاديا، واتهمت بأنها دولة داخل الدولة، وأنها تشغل الجيش عن مهامه القتالية، وكأن الواقع الاقتصادي المصري يدعم قواته المسلحة ولا يمارس التفريط في الأرض والمشروعات الاقتصادية التي كانت ظهيرا للجيش في حرب الاستنزاف وحرب 1973، بينما يجري التعامل مع قضايا الفساد في المجتمع وفق رغبات مكبوتة غير معلنة للتصالح ووراثة الإرث الناتج عن فساد النظام السابق دون تغيير ودون خجل.
إن الثقة بين الجيش والشعب هي أولى أسس العقيدة القتالية بأنه جيش الشعب في مواجهة مصدر الخطر الرئيسي الذي هو إسرائيل، ثم ثقة هذه القوات في أن هدف قيادتها هو ذاته هدف أمتها، وأن ما تملكه من سلاح يمكنها من أداء مهمتها وأنها لن تساق إلى حقل قتل، إن قيمة إحساس الجندي بجنديته وشرفه تتمثل بأنه قيمة الأمان والفخر لدى شعبه، بدءا من أسرته إلى كل طوائف الشعب.
إن هذه الحرب النفسية كانت تستكمل حلقات بدأت مبكرة للانحراف بهذا الجيش عن دوره في الدفاع عن أمن وطنه وتمكينه من الإمكانات اللازمة لأداء مهمته، حتى إن أصوات انطلقت في أعقاب حرب 73 تقول إن خط الدفاع عن مصر هو خط المضايق في الثلث الأول الغربي من سيناء، أي جرى تعديل مفاهيم استقرت من زمن الفراعنة عندما وصل أحمس في دفاعه عن مصر إلى مرجعيون بالجنوب اللبناني، وأعقب ذلك مقولة إن حرب 73 هي آخر الحروب، وجرى تحديد مصدر وحيد للسلاح تنشر الصحف الغربية

الآن تحليلات أنه سلاح يمكن السيطرة عليه، ولم يخرج أحد ليرد عليهم ولو بطريقة عملية دون التصريحات التي صارت محل شك، فالسلاح لم يتم اختباره عمليا، ولا ندري مدى مواءمته للمهام القتالية المحتملة مستقبلا خاصة أن حاجزا جغرافيا بعمق سيناء ومانع مائي "قناة السويس" يحولان بين القوات المقاتلة وبين الخطر المتوقع مستقبلا والدائم وهو إسرائيل.
حدد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان الجيش المصري بعد يونيو 67 أن الحرب القادمة هي حرب الصواريخ، كانت هذه هي الرؤية، وتمت ترجمتها على الأرض وظهرت نتائجها ابتداء من أسلوب مواجهة المدمرة ليلات حيث جرى إغراقها في أكتوبر 67 بلنشات صواريخ صغيرة لتكون أول حادثة مماثلة في تاريخ المواجهات البحرية، ثم مواجهة الطيران الإسرائيلي بالصواريخ المضادة للطائرات، ووصولا إلى مواجهة المدرعات بالصواريخ المضادة للدبابات، فلسفة ورؤية استتبعها بناء القدرات والأدوات والقيادة وخطط العمليات.
وهنا الفارق بين قائد أرضه محتلة وفرض الاحتلال عمق العازل الجغرافي والمانع المائي، وبين وضع تغيب فيه السيادة عن ذات الأرض ونواجه ذات المانع تحت دعاوي السلام، ولا نملك رؤية للمواجهة ولا فلسفة للرؤية في طبيعة المواجهة القادمة بينما عمق مصر الاستراتيجي يتآكل من حولها، وينتهك، وتصبح مطالبة بالدم أن تحمي مياه النيل وبالدم أن تحمي أعماق مياهها الإقليمية التي استولت إسرائيل على مخزون الطاقة فيها، وليس أدل على ذلك من آبار الغاز التي تحفرها إسرائيل بينما التعاقدات المصرية تسلم كامل المخزون ببعض المواقع للشركات المنتجة ولا يعلن أحدهم سببا منطقيا لهذا الاستعمار البترولي الجديد.
الأمم الحية تملك قدرة مراجعة النفس بالثورة أو من دونها، ولكن في إطار السلطة الوطنية الواعية بمصالح الوطن والمسؤولة عن القرار السياسي، على أن يتم ذلك في إطار دعم بناء الدولة وليس في إطار تفكيك مكوناتها الأساسية، ويتم ذلك في إطار مشروع رؤية متكاملة لنظام دولة الثورة بكافة المؤسسات.
يجب الانتباه بجدية عالية في محاولة إعادة البناء إلى مؤسستي الخارجية والمخابرات العامة، وهما مؤسستان إن لم تملكا إستراتيجية وطنية واضحة المعالم، تحولتا بالوجود الشكلي دون المضمون إلى عبء على الوطن في عالم يتسم بالمتغيرات السريعة، والصراعات المتداخلة بين العناوين وحقيقة الأهداف والمصالح.
إن كلا المؤسستين يمثلان خط الدفاع الأول عن الوجود الوطني، عن الأمن القومي لمصر، سواء ارتدوا قفازات حريرية في المحافل الدولية، لتغني الكلمة عن قتال ودم أن كانت تعبيرا صحيحا عن مصالح الأمة وفي مكانها وتوقيتها وخلفها إرادة شعب، أو ارتدوا قمصانا زرقاء في عالم الحرب السرية، فقد يكون جهد مجموعة من رجال العمليات السرية حائلا دون ضياع حق أو دون بذل دم ثمنا لحق جري اغتصابه في لحظات الغفوة. كلا المؤسستان لا يملكان التغاضي عن المصالح الوطنية المباشرة أو غير المباشرة والحالة أو المستقبلية.
إن الدول تسعى لمصالحها بكل ما تملك من طاقة ولا تملك ترف التهاون عندما تكون المصلحة هي بقاء الوطن، في مواجهة عدو يسعى إلى السيطرة وفرض إرادته حتى وإن كان الثمن فناء الوطن وليس صراع المصالح.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية