رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحمد أبو الغيط يكتب :هل ضاعت التسوية الفلسطينية.. إلى حين؟

بوابة الوفد الإلكترونية

لا يخفى على الجميع، العامة والمتخصصين، أن جهود التسوية الفلسطينية قد توقفت تماما منذ منتصف عام 2010 بسبب تعنت مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، ومضيه في السماح بالمزيد من عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وكذلك تصميمه على التمسك بابتلاع ما يقرب من نصف الضفة الغربية وترك الفلسطينيين يعيشون في «كانتونات» فيما يتبقى من الأرض.

انزوت التسوية واختفت من قائمة الأولويات العربية والدولية.. وبزغ بديلا عنها مشكلات التركيز على تطورات الإقليم العربي وثوراته، وكذلك الملف النووي الإيراني وتهديدات الحرب بالخليج.. وأضيف على ذلك كله الوضع المأساوي في سوريا الذي يهدد هو الآخر بعواقب خطيرة للغاية على مستقبل دول المشرق.
واليوم تقترب الانتخابات الأميركية، بكل نتائجها وعواقبها على مستقبل الإقليم من ناحية وأي جهد قادم للتسوية الفلسطينية من ناحية أخرى.. وهناك الاحتمالان المعروفان.. إما نجاح رومني، وبالتالي وضع جديد تشهد فيه جهود التسوية حالة من الجمود أو المناصرة الأميركية الكاملة لمواقف إسرائيل وذلك رغم أنه كان، أي رومني، ينتقد أوباما خلال الحملة الانتخابية ويتهمه بالمسؤولية عن تجمد الأوضاع التفاوضية.. وهو الاحتمال الذي لا أرغب في تقييمه في هذا المقال بسبب تعقد عناصره واحتمالاته.. أما الوضع الآخر.. فهو نجاح الرئيس أوباما في الحصول على فترة ثانية لإدارته.. وهنا يجب مناقشة الموقف. ومن ناحيتي فإنني ومن واقع المتابعة المدققة في الانتخابات الأميركية الحالية، أميل إلى توقع نجاح الرئيس الأميركي ما لم يقع من هنا حتى تاريخ انعقادها حدث كبير يفقده ثقة المجتمع الأميركي.. فإذا ما كان الأمر كذلك، فإن تجربة متابعة أداء الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى عقود تؤكد أن الرؤساء الأميركيين، في فترات إدارتهم «الثانية» دائما يسعون إلى بذل جهد.. ومحاولة في اتجاه التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية.. يمكن أن تحقق لهذا الرئيس الأميركي أو ذاك.. نجاحا لشخصه وإدارته.. ويساعد إسرائيل على تحقيق المزيد من الاستقرار لأوضاعها بالشرق الأوسط.. وأخيرا تفريغ شحنات الغضب والكراهية التي يستشعرها العالم العربي والإسلامي تجاه التأييد الأميركي الدائم لإسرائيل. من هنا، ليس من المستغرب أو الجديد أن يتوقع كل متابع مدقق في الأداء الأميركي داخليا وخارجيا، مع عودة انتخاب أي رئيس أميركي لمرة ثانية.. أن يتحرك وفورا لاستغلال السنوات الأربع التالية لبذل هذه المحاولة.. وفى حالة الرئيس الأميركي أوباما – وبافتراض انتخابه ثانية -.. ومع معرفة منطلقاته الأساسية تجاه الشرق الأوسط.. واقتناعه السابق بالحاجة لمثل هذه التسوية المطلوبة للقضية الفلسطينية.. والتي حاول خلال عاميه الأولين في الحكم 2009 و2010 أن يتحرك لتسويتها.. فإن ثقتي تزداد في توقع عودة أميركية لبذل مثل هذا الجهد النشط في الأعوام القليلة الأولى من هذه الفترة الثانية لإدارة أوباما.. ومع ذلك فإن تقديري أن هذه الإدارة سيحكمها في تحركها القادم عدة عناصر سيكون لها تأثيرها الفاعل.. ليس فحسب فيما يتعلق بأوضاع وتصرفات طرفي النزاع المباشرين.. الفلسطينيين وإسرائيل.. وعلى نفس الدرجة من الأهمية الوضع الإقليمي والدولي، الذي يفرض ثقله على تصرفات الولايات المتحدة في الإقليم خلال هذه الأعوام القليلة القادمة التي نتحدث عنها.. من هنا وجب التطرق إلى مناقشة هذه العناصر وقياس تأثيرها ومدى أهميته..
ونبدأ أولا بتقييم الوضع الإسرائيلي.. ولا شك أنه لا يغيب عن الرئيس الأميركي أو مسؤولي إدارته القادمة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي يتمتع في الوقت الحاضر، وطبقا لاستقصاءات الرأي، بتأييد قوى داخل المجتمع الإسرائيلي لسياساته ومواقفه وآرائه.. وبذا فسوف يتابع الأميركيون باهتمام شديد نتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة في 22 يناير 2013.. كما سيتابعون في الأسابيع التي تسبق هذه الانتخابات الإسرائيلية.. مواقف القوى الإسرائيلية الأكثر اعتدالا تجاه الحاجة لتسوية مع الفلسطينيين.. وكيف يمكن للأميركيين مساعدتها لتحقيق نجاحات ضد رئيس الوزراء نتنياهو.. وربما إزاحته لكي ينطلق الجهد الأميركي.. إذا ما توافرت الظروف والشروط المناسبة الأخرى لتقبل هذا التحرك الأميركي القادم.
وفى هذا السياق أقدر أنه لا يخفى على الأميركيين عدة عناصر وتطورات إسرائيلية داخلية.. منها:
* إحساس كثير من الإسرائيليين، والأطراف الدولية ذات التأثير، أن استمرار الوضع الحالي بين إسرائيل وسكان الضفة الغربية سيؤدي، وفى خلال أعوام قليلة، إلى إسقاط فكرة الدولتين، الإسرائيلية والفلسطينية بين النهر والبحر.. وتؤشر كثير من الإحصائيات السكانية والديموغرافية إلى توقع هذا الاحتمال.
* أن وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي إيهود باراك، يرى هذا الاحتمال هو الآخر.. وبرغم ضعف تأثير حزبه حاليا فإنه عاد إلى طرح فكرة الانسحاب الإسرائيلي المنفرد من الضفة الغربية وأخذ السور العازل الذي أقامته إسرائيل، على مدى سنوات والذي يبتلع 12 في المائة من الضفة مقدما، أساسا للحدود القادمة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية.. وإن كان لم يفصح في اقتراحاته عن تفاصيل إضافية في المشروطيات والأساليب المقترحة للتعامل مع الضفة الغربية في المناطق التي تنسحب منها إسرائيل. ولا يفوت الأميركيون بطبيعة الحال أن مثل هذه الأفكار ستلقى اعتراضات شديدة من اليمين الإسرائيلي.. وسوف يحتاج تنفيذها إلى أغلبية كبيرة تفرضها على المستوى الشعبي والسياسي داخل إسرائيل.
* ان القوى والتوجهات الداخلية الحالية المعارضة لحزب الليكود ونتنياهو، قد تنجح في التوحد تحت قيادة قوية.. ولعل احتمال عودة إيهود أولمرت وليفنى وحاييم رامون للعب دور في السياسة الإسرائيلية يساعد هذه القوى على التوحد إذا ما سمح لها عنصر الوقت بذلك.. وبذا تؤتى تأثيرها لمساعدة الأميركيين على التحرك. ولا يغيب عني هنا أن هذا الاحتمال ما زال في طور الأفكار التي يتحدثون بها..
ونأتي ثانيا للوضع الفلسطيني، وتحكمه هو الآخر عناصر كثيرة تتفهمها الإدارة الأميركية، خاصة أن الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 والتي بدأت بانعقاد مؤتمر «أنابوليس»، وانتهت بتوقف جهود إدارة أوباما في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، كانت قد شهدت كثيرا من الأفكار والطروحات التي لم تر طريقها إلى التنفيذ بسبب تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وإجهاضه لكل جهود أوباما.. ومن بين العناصر المؤثرة في الوضع الفلسطيني.. نرصد ما يلى:
* استمرار الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني.. وعدم نجاح أية مساع لتحقيق توافق بين القوى المتنازعة والتيارات الحاكمة في الضفة وغزة.. واعتقادي شخصيا أن هذا الانقسام سيبقى هنا لفترة ممتدة غير معروف مداها أو إطارها الزمني وذلك بسبب كثير من القيود والمنطلقات التي تحكم أطراف النزاع.. وهو ما لا أبغي التطرق إليه هنا.. ومع ذلك فإن هذه القيود يجب ألا يسمح لها بأن تمنع استمرار المحاولات الجادة من قبل مصر.. وغيرها من قوى عربية للعب دورها وتأثيرها في تحقيق هذا الهدف.. وإن كنت أستشعر كثيرا من الشكوك في قدرة العالم العربي والجامعة العربية لتحقيق المستهدف خاصة في إطار الوضع الإقليمي الحالي.. وفى هذا السياق ينبغي ألا يبقى العمل الوطني الفلسطيني أسير «الانقسام

أو فشل لم الشمل».. بل فإنه من الضروري أن يفكر الفلسطينيون، وبخاصة الرئيس أبو مازن والقوى الحاكمة في الضفة الغربية، خارج الإطار التقليدي.. ولا يقعوا فريسة للمناورات الإسرائيلية التي ستزعم أن الانقسام الفلسطيني سيفرغ أي مفاوضات جادة وحقيقية بين الفلسطينيين وإسرائيل من محتواها.. وليس فقط الالتزام بنتائجها من قبل جميع الفلسطينيين.. من هنا فإن المقترح أن يمضى الفلسطينيون – في محاولة أخيرة - في عملية تفاوض جادة وصادقة فور تبين نية الإدارة الأميركية الثانية للرئيس أوباما في إطلاقها.. كما ينبغي أن يدعمهم موقف عربي قوي.. ولا شك أن الحكم في مصر سيقع على عاتقه مسؤوليات هامة في هذا المجال.. إذ سيكون مطلوبا منه إظهار دعم قوي للفلسطينيين في مفاوضاتهم.. كما سيحتاج الأمر إلى تدخله مع قيادة حماس في غزة.. إما لإنهاء الانقسام.. أو عدم إثارة المتاعب أمام المفاوضات بأعمال وإجراءات يمكن أن تجهض الجهد كله، خاصة أنني على اقتناع أن البديل للمفاوضات التي تستهدف استعادة الفلسطينيين لحقوقهم كاملة هو استمرار الوضع المريح الحالي لإسرائيل في علاقاتها بغزة.. وهناك تفاهم عام بالتهدئة الممتدة، واستمرار الاحتلال في الضفة الغربية واغتصاب المزيد من الأراضي من خلال استمرار عمليات بناء المستوطنات وتقنينها إسرائيليا.
* أهمية نجاح الفلسطينيين في الحصول على وضعية «الدولة غير العضو» بالأمم المتحدة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.. وأقترح أن يكون التصويت بالجمعية العامة على مشروع القرار المقدم في هذا الصدد، والذي يعطى وضعا للدولة الفلسطينية مساويا لوضع الاتحاد السويسري يوم 29 نوفمبر والذي يقع مع مرور 65 عاما على صدور قرار التقسيم من الجمعية العامة في عام 1947.
وسوف يتعرض الفلسطينيون لضغوط من قبل الولايات المتحدة التي ستزعم أن هذه الخطوة الفلسطينية تهدد بتصعيد الموقف وإبطال أي جهد أميركي قادم.. ويجب ألا يخضع الجانب الفلسطيني لهذه التهديدات.. من هنا ينبغي أن تفتح مصر نقاشا مع القوى العربية في الخليج لإعداد حزمة مساعدات عربية لدعم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لتجاوز التهديدات الأميركية المحتملة.
ويبقى ثالثا أمام الجانب الأميركي تقدير الوضع الإقليمي والدولي، ومدى استيعابه أو تأهله لملاقاة الجهد الأميركي ومساعدته.. وفى هذا السياق ينبغي دراسة عدة اعتبارات.. منها:
* الوضع العربي العام، في أعقاب ثورات تونس/ مصر/ ليبيا/ اليمن، ومدى قدرة العمل العربي المشترك على تجاوز الأزمة السورية التي أتصور أنها ستبقى على المسرح العربي لفترة غير معروف مداها الزمني.. أو تأثيراتها العميقة على التوازن الجيوبلوتيكى بمنطقة المشرق ومدى استقراره.
• الموقف الأميركي الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني.. وهل ستنجح القوى الغربية في تسوية هذه الإشكالية بأسلوب سلمي.. أم أن الموقف بين إيران وكل من أميركا وإسرائيل سيشهد تصعيدا يصل بالأمور إلى صدام مسلح بكل عواقب هذا التطور على أي جهد مستقبلي للسلام.. ويكشف الرصد والمتابعة المستمرة للأداء الأميركي في الشرق الأوسط، على مدة عقود أربعة، أن الولايات المتحدة تسرع دائما، وبعد استخدامها أو إسرائيل للقوة المسلحة ضد هذا الطرف أو ذلك، لطرح مبادرات لتحقيق السلام في الإقليم.. وتضطر الأطراف العربية للتجاوب مع هذه الطروحات لعلها تحقق المراد.. وقد تكون هذه المبادرات صادقة أو مخادعة.. من هنا يجب الحذر والقياس بدقة وحتى لا يكون الوضع تكرارا لجهود سابقة لم تسفر عن شيء.. واستغلتها إسرائيل في المزيد من استهلاك طاقات الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي وفى نفس الوقت استمرار الاستيطان وابتلاع الأرض.
أشجع من جانبي أن يتحرك الفلسطينيون لتضييق الخناق على إسرائيل وبدعم من القوى الدولية ذات التأثير.. وألا يسمحوا باستمرار عملية ابتلاع أراضيهم هكذا.. خاصة مع حصولهم على هذه الوضعية الجديدة بالأمم المتحدة في نهاية نوفمبر 2012.
ومع ذلك يجب التحذير من استخدام إسرائيل للمفاوضات للحصول على المزيد من المكاسب في أراضي الضفة، إذ يجب التمسك وتحت كل الظروف بانسحاب إسرائيل من كل أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية مع إمكانية الاتفاق على تبادل في الأراضي بنفس المساحة والقيمة، وبشكل يعيد للفلسطينيين أراضيهم كاملة بما يتفق مع أوضاع الضفة الغربية في 4 يونيو (حزيران) 1967 بما فيها القدس الشريف.. ونُبقي أخيرا على بذل جهد صادق من أجل تحقيق استعادة وحدة العمل الوطني الفلسطيني وصولا إلى الدولة الفلسطينية الموحدة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية. فإذا لم ننجح في هذا الجهد، بافتراض القيام به.. فينبغي فعلا البحث في خيارات أخشى التطرق إليها أو التحدث عنها الآن.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط