عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سمير الحجاوي يكتب :يهودي في قلعة حماس

بوابة الوفد الإلكترونية

بكل بساطة حل المفكر اليهودي الأمريكي الأشهر في العالم نعوم تشومسكي ضيفا على قطاع غزة، القلعة الحصينة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، برفقة 10 باحثين كبار من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكندا للمشاركة في مؤتمر علمي حول اللغويات والأدب، وأعلن بكل صراحة ووضوح "أن زيارته تسهم في كسر الحصار عن غزة.. وأنه منخرط في الدفاع عن الشعب الفلسطيني والحديث عن محنته وانتقاد سياسات حكومات إسرائيل وعملياتها الإجرامية"، مؤكداً على "حق الفلسطينيين في العيش بسلام وحرية"

تشومسكي، ليس رجلا عابرا، فهو رقم صعب يحتل مكانة بارزة في علوم اللغويات واللسانيات على مستوى العالم، إلى جانب المفكر الفلسطيني الأمريكي الراحل إدوارد سعيد، فهذان المفكران حفرا اسميهما على جدار التاريخ وأثرا في مسيرة العالم كله، وكلنا نتذكر الضجة الكبيرة التي أثارها إدوارد سعيد عندما قذف بحجر من جنوب لبنان على جنود الاحتلال الإسرائيلي في شمال فلسطين.. لم يكن أكثر من حجر، لكنه كان كافيا ليثير كل أجهزة الإعلام والفضائيات والصحف والتعليقات في العالم، خاصة في الغرب، واليوم تثير زيارة البروفسور اليهودي تشومسكي عاصفة كبيرة وهو يزور قلعة حماس في غزة، وهو الذي صنفته إسرائيل "اليهودية" بأنه "شخص غير مرغوب به" ومنعته من دخول الضفة الغربية عام 2010 ونعتته الصحافة الإسرائيلية بأنه "يهودي يكره نفسه"، ولم يستطيعوا أن يلصقوا به تهمة "معاداة السامية"، فهو يهودي رغم أنوفهم.
قطاع غزة الذي يحكمه الإسلاميون من حركة حماس استقبل هذا "اليهودي" استقبالا حافلا، ومنحته الجامعة الإسلامية دكتوراه الفخرية، واستمع إلى محاضرته مئات الطلبة والأستاذة الفلسطينيين، مما يعطي الأشياء بعدا يحاول الكثيرون طمسه وإبعاده عن الواجهة، فالصراع بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين ليس مع اليهود واليهودية كدين، بل مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو احتلال استعماري استيطاني إحلالي، يعمل على تصوير الصراع وكأنه مع كل اليهود ومع اليهودية كدين ويتحالف مع "عقلية صليبية" ضد الشعب الفلسطيني.
لو كان الصراع مع اليهود واليهودية كدين لما استقبل "تشومسكي" استقبال الأبطال في غزة وعمان، ولما أشرعت أبواب العالم العربي إمام حاخامات حركة "ناطوري كارتا"، أو الدكتور نورمان فنكلستين صاحب كتاب "صناعة الهولوكوست.. تأملات في استغلال المُعاناة اليهوديَّة"، ولو كان عداؤنا لليهود لما سمينا مدارسنا باسم "نيوتن" ولما وضعنا صور نيوتن واينشتاين في مناهجنا الدراسية، ولما اعتبرنا المفكر الكبير موسى بن ميمون جزءا لا يتجزأ من تاريخنا العربي الإسلامي.
الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري لفلسطين سمم العلاقات العربية الإسلامية اليهودية، وسيعمل على إدامة هذا التسمم ما دام جاثما على صدور الشعب الفلسطيني ويحتل الأرض الفلسطينية ويقتل أهلها ويغتال حاضرها ومستقبلها ويدمر أرضها ومزارعها ويحاصر شعبها ويزرع المستوطنين ويشرد السكان الأصليين من أبناء الأرض.
"مشكلة إسرائيل" إنها تشكل وبالا على اليهود في كل العالم، وتضعهم في مشروع مواجهة دائم مع الجميع، وتحول حياة اليهود إلى معركة دائما لا تتوقف، معركة تستنزف الشخصية والعقلية اليهودية إلى ما لانهاية، لكن العجب العجاب أن اليهود يقودون أنفسهم بأنفسهم إلى التهلكة، في حالة عصية على التفسير، فالمسيحيون الصهيونيون يريدون أن يستخدموا اليهود "وقود محرقة" لإنزال المسيح من السماء، وهو النزول الذي لن يتحقق حسب رأيهم إلا بإقامة دولة لليهود في فلسطين وقد حصل،

وتدمير بابل "أي العراق" وقد حدث، وثم المعركة الكبرى في هرمجدون، وهي المعركة التي سيقتل فيها المسيح الكفار "أي المسلمين واليهود" حسب خرافاتهم، أي أن هؤلاء المسيحيين المتصهينين يطبقون المعادلة التالية: اجمع اليهود وحارب بهم ثم أنزل المسيح من السماء واقتلهم، فأي غباء أكبر من غباء من يقدمون أنفسهم وقودا لمعركة ستفنيهم، هذا الكلام نصت عليه كتبهم وتفسيراتهم الدينية، ولذلك فإن التحالف "اليهود مع المسيحيين المتصهينين" أمر يبعث على التعجب والحيرة والدهشة في الوقت نفسه.
لكن مفكرين كبارا من طراز تشومسكي وفرانكلستين وشلومو ساند صاحب كتاب "اختراع الشعب اليهودي" وآرثر كوستلر صاحب كتاب "القبيلة الثالثة عشر"، خرجوا عن الخط التقليدي وابتعدوا عن التفسير الخرافي لإسرائيل، بل إن رجلا من وزن أبراهام بورغ رئيس الوكالة اليهودية ورئيس الكنيست الإسرائيلي سابقا اعتبر أن إسرائيل لا مستقبل لها، وكان أغرب موقف هو ما صرح به الداهية اليهودي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر من أن "إسرائيل ستختفي بعد 10 سنوات" وأنه لن يكون هناك إسرائيل.
تشومسكي مثقف ثوري منسجم مع نفسه وقناعاته يرى أن "حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني تزايدت بعد الحرب الإسرائيلية على غزة" ويعتبر أن "نزاع الشرق الأوسط هو صناعة أمريكية- إسرائيلية خالصة وصرفة" وأن "الغرب يخشى من قيام ديمقراطية في المنطقة لأنها يمكن أن تجلب الاستقلال الحقيقي لها".
تشومسكي يعيد تعريف الأشياء، ينتصر للإنسان كإنسان، وهو ذات الموقف الذي نتخذه حيال استهداف اليهود، من مجازر هتلر وحتى تدنيس القبور من اليمين الأوروبي المتطرف، فحياة الإنسان هي القيمة العليا للحياة بغض النظر عن اللون والعرق والدين.
علينا أن نعمل على إشراك مفكرين كبار من طراز تشومسكي لإنقاذ اليهود أنفسهم من "محرقة هرمجدون" التي يخطط الراغبون بإنزال المسيح من السماء، ولن يكون هذا إلا بإنهاء إسرائيل من الوجود ككيان استعماري غاصب يقوم على الخرافات والأساطير، وإنقاذ الشعب الفلسطيني من "المحرقة الإسرائيلية"، وهو الحل الوحيد الذي يضمن لليهود وجودهم، وإلا فإنهم سائرون إلى محرقة "هرمجدون المسيحيين المتصهيين" والتي أعطاها العزيز كيسنجر 10 سنوات فقط لكي تحدث.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية