رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عرفان نظام الدين يكتب:مصر بين الحسم والمجهول؟!

بوابة الوفد الإلكترونية

رغم كل التطورات والأحداث والشد والجذب في مصر، فإن الحسم لم يحن أوانه بعد لأنه يحتاج إلى الوقت والمزيد من التحضيرات والاستعدادات وإعداد العدة للانقضاض على مقاليد الحكم عندما تحين الفرصة المناسبة للأطراف المتصارعة في السر والعلن و «تستوي الطبخة» وتتوافر الظروف الكفيلة بالنجاح والسيطرة وتجنب الفشل أو الوصول إلى نقطة فصل لا تحمد عقباها.

وحصر التركيز على مصر بالذات في تداعيات ومجريات أحداث الربيع العربي وما سيؤول إليه بعد موجات الزلازل والتسونامي له مبرراته وأسبابه نظرا لدور مصر التاريخي وانعكاسات أوضاعها على مجمل العالم العربي التي ينطبق عليها المثل القائل: إذا عطست مصر أصيب العرب من المحيط إلى الخليج بالزكام.
فمصر هي الأكبر والأكثر تأثيرا وأهمية ومراكز القوى فيها واضحة وجلية ومواقفها معلنة وصريحة وموازينها تكاد تكون محسوبة بدقة. ورغم أن الثورة الربيعية انطلقت من تونس وانتقلت إلى مصر ومن بعدها إلى ليبيا واليمن وسورية، إلا أن الحسم في مصر ستكون له امتدادات كبرى وارتدادات واسعة لما له من معان وتفسيرات وتحديد لمعالم طريق المستقبل سلبا أو إيجابا.
وإذا كانت مصر هي «بيضة القبان» في العالم العربي، فإن الجيش هو بيضة القبان في مصر يقابله المد القادم مع الإخوان المسلمين (المسمى تحت اسم مستحدث للتمويه: «حزب الحرية والعدالة». أما القوى الأخرى فهي مشتتة ومترددة ولم تعد العدة للنزول إلى الساحة إما بتوحيد صفوفها أو بإثبات وجودها في الشارع والتعبير عن تطلعات ومخاوف الجماهير.
فرغم ضجيج الدعايات وتضخيم مدلولات الأحداث والمشاركة الإعلامية والسياسية في الداخل والخارج في التخويف من هيمنة الإسلاميين وإشاعة أجواء «الإسلاموفوبيا» على امتداد العالم العربي، فإن أحداث مصر أثبتت أن مزاج الأكثرية الصامتة يسير في اتجاه معاكس وهو ما عبرت عنه في الانتخابات الرئاسية بشكل واضح وفي التظاهرات الأخيرة وانتفاضة القضاة ضد الرئيس مرسي دعما لموقف النائب العام، ففي الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة، نال المرشحون المنافسون للإخوان والسلفيين ملايين الأصوات بينهم المرشح حمدين صباحي الذي نال أكثر من 5 ملايين صوت وجاءت الجولة الثانية لتعطي مؤشرات أكثر دلالة ووضوحا، عندما نال المرشح أحمد شفيق 48.5 في المئة من الأصوات رغم الحملة الضارية ضده أي بمعنى رقمي أن الرئيس الحالي محمد مرسي لم يحصل سوى على نصف أصوات الشعب المصري.
والسؤال المطروح الآن هو: هل استتب الأمر للإخوان المسلمين في مصر ومن ثم في الدول الأخرى، أم أن الجماعة ربحت جولة ولم تكسب الحرب؟
هناك من يجزم بأن الحكم سيثبت للإخوان شيئا فشيئا حتى تتأمن الهيمنة الكاملة، بينما يرد فريق آخر بالرهان على متغيرات كبرى إن على صعيد المسيرة الديموقراطية أو على مسار الصراع مع المجلس العسكري ومجريات الأوضاع الاقتصادية الصعبة إن لم نقل المستحيلة!
فالطريق ما زالت طويلة والمسيرة شاقة أمامها عقبات وحقول ألغام وامتحانات قادمة تبدأ بحسم مسألة شرعية مجلس الشعب ومن ثم وضع الدستور الجديد وإجراء انتخابات عامة جديدة فيما الرئيس مرسي يكاد يكون منزوع الصلاحيات يجلس على حافة بركان بلا قرار ولا ضمان بالاستمرارية أو القدرة على الحكم وبت الأمور في القضايا الملحة وبالتالي في الإثبات للقاصي والداني بأنه لا يعيش في أرجوحة الصراع أو معضلة المرحلة الموقتة وحساب كل يوم بيومه من دون أن يعرف ما يخبئ له الغد.
لكن هذا كله لا يعني الاستخفاف بقوة الإخوان المسلمين ولا التقليل من دورهم المستقبلي في رسم صورة مصر المستقبل أو على الأقل للسنوات العشر المقبلة، فهم أصحاب تجارب مهمة وصعبة ومريرة تجاوزوها خلال أكثر من 80 عاما وخالفوا كل التوقعات بعدم قدرتهم على الاستمرار والعودة بقوة إلى صفوف الجماهير أولا ثم إلى صدارة العمل السياسي تمهيدا لتسلمهم مقاليد الحكم.
والأهم من ذلك أن «الإخوان» أبدوا مرونة فائقة في التعامل مع اللعبة الديموقراطية وقضايا الدين والدنيا الشائكة وقدموا تنازلات حول ما كان يحسب عليهم فصار يحسب لهم، على عكس الجماعات السلفية الأخرى، وعلى يمينها الجماعات التكفيرية، التي ترفض كل ما تقدم وتصر على مواقف متشددة لا مكان فيها لتنازلات أو مرونة أو تقدير لأوضاع مصر الخاصة وأولها وسطيتها وموازين القوى مع الأحزاب وقطاعات واسعة وصولا إلى القوات المسلحة.
وإذا كانت المعضلات الاقتصادية هي الأهم في رأي الكثيرين، بالنسبة لما يواجهه «الإخوان» إن تفردوا بالحكم، فإن المعارضة الشرسة والعنيفة ستأتي من التيارات المتشددة التي ستراقب كل شاردة وواردة وتتصدى للحكام الجدد وانتقادهم إن لم يسارعوا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بكل

مفاعيلها أو دفعهم دفعا للعمل على تطبيقها، ما سيعرضهم لمواجهات مع القوى والأحزاب الأخرى في مصر.
فالمصاعب كبيرة، والمعركة ستكون صعبة في حال فشل الحكومة الجديدة في حل المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد فرص العمل لملايين العاطلين وتأمين لقمة العيش للفقراء وهم أيضا بالملايين خاصة ان الاقتصاد كان يعاني من ضعف وشبه انهيار وتضاعفت الأثقال بعد الأحداث والاضطرابات التي تكاد تكمل عامها الثاني من دون بزوغ بارقة أمل مع تزايد الخوف من عدم القدرة على حل المعضلة الأمنية واستمرار حالة الانفلات والفوضى التي تهدد الاقتصاد والبلاد والعباد.
كل هذه العوامل في كفة والعلاقات بين الإخوان المسلمين والجيش في كفة أخرى، فهناك سباق دائم بين التفاهم والاختلاف وبين المواجهة والتهدئة، وهناك رهانات متضاربة بين من يقول بأن التعايش بين الطرفين سيكون «تحصيل حاصل» وبين من يجزم بأن من المستحيل التزاوج بين مدرستين متباينتين تسيران في خطين متقابلين لن يلتقيا أبدا على رغم ما جرى بعد حل المجلس العسكري وعزل المشير محمد طنطاوي. هذه الرهانات أدت إلى نوع من التخبط في تحليل الأوضاع واستشفاف صورة المستقبل، ففي يوم نسمع عن تواطؤ بين الإخوان والعسكر أو عن صفقة متبادلة. وفي يوم آخر نسمع عن مواجهة قريبة آتية لا ريب فيها لحسم الأمور ووضع حد لحالة الصراع القائمة وإنهاء عملية الشد والجذب التي تنعكس على مجمل الأوضاع وتقلق الشعب وتزيد من تأزيم الأوضاع الحياتية وزيادة حدة الأزمة الاقتصادية.
ووصلت بعض التحليلات إلى حد الجزم بأن الانقلاب العسكري هو الحل، وأنه أمر لا مفر منه عندما يحين وقته وتصل الأوضاع إلى الطريق المسدود على رغم أن سبل الحوار شبه مقطوعة وبوادر الاتفاق أو حتى التفاهم على القضايا العامة والأساسية والأولويات الوطنية غير واردة أو محتملة. والظاهر أن الجيش بقيادته الجديدة المنزهة ارتأت اتباع سياسة أيوب في الصبر وتحمل الصدمات، فهي تكتفي الآن بالتفرج على مجريات اللعبة إلى أن يأتي اليوم المناسب لتكوين إجماع على دعوة الجيش إلى الحسم كمنقذ أو كقوة قادرة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كل هذه التوقعات والتحليلات لا بد من أن تؤدي إلى نتيجة واحدة. فالتعايش لا يمكن أن يتم إلا في حالة واحدة وهي تغليب الحكمة والنظر إلى مصلحة الشعب ثم مصلحة جميع الأطراف لأن البديل سيشكل كارثة على مصر والعرب وسيؤدي إلى فوضى عارمة لا ضابط لها ولا قدرة عل وقفها ومنع تحولها إلى صراع واضطرابات دامية.
ومصر لا تحتمل أبدا أية خضة جديدة، كما أن اقتصادها يقف على شفير الهاوية في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة والبدء بحل القضايا العالقة. كما أن المنطقة العربية لا تحتمل تعرض أمن مصر للاهتزاز لأن سقوط مصر يعني سقوط العرب في خضم ما نشهده من صراعات إقليمية ودولية. ولهذا على الجميع في مصر والدول العربية المسارعة إلى إنقاذ مصر ومنعها من المضي إلى شفير الهاوية، لا قدر الله.

نقلا عن صحيفة الحياة