عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

محمد صلاح يكتب:مصر و«جماعة» الرئيس و«جزرة الفاتيكان»

محمد صلاح
محمد صلاح

إذاً لم تكن اللافتة التي رفعها أحدهم في ميدان التحرير قبل نحو سنة أثناء إحدى التظاهرات في الميدان وكُتب عليها «يسقط الرئيس القادم» مجرد دعابة.

وإنما كانت كاشفة لما ستؤول إليه الأوضاع في مصر بعد أن تسببت القوى التي أطلقت الثورة وفعلتها وشاركت فيها وأسقطت نظام مبارك، في الإساءة إليها وإفشالها وتهديد كيان الدولة وأمن مواطنيها وسلامة أراضيها. أصبح واضحاً أن أي رئيس آخر غير الدكتور محمد مرسي يجلس على مقعد الرئاسة كان سيواجه المواقف نفسها التي واجهها منذ جلوسه على المقعد الرئاسي، لكن الفارق هو طريقة تعاطيه معها بما يؤدي إلى وأد الفتنة وتهيئة المناخ لعلاج أمراض الماضي في هدوء ودون صخب ووضع أسس الدولة الحديثة، أو بما يهدد باستمرار الانفلات، وانتشار البلطجية وضياع الحقوق وغياب القانون وانهيار الدولة، فمشاهد العراك والعنف الذي جرى أمس في التحرير بين مؤيدي الرئيس و «الإخوان» من جهة، وبين سائر القوى من جهة أخرى، جعلت المكان يتحول من ميدان للثورة إلى ساحة للحرب بين عناصر الثورة، فجاءت عاكسة للوضع السياسي في البلد والارتباك السائد بين الجميع، والمناخ الذي فرضه رموز النخبة من كل التيارات بعضهم على بعض، وجعل كل طرف يعتقد بحقه وحده في إدارة المشهد من دون حقوق الأطراف الأخرى في أن تشاركه أجزاء منه. إنها نتيجة طبيعية لتخاذل النخب السياسية وصراعاتها وحال الاستقطاب الذي فرضته على الناس، والعراك في التحرير هو الوجه الآخر لارتباك المشهد السياسي الذي برز بشدة في أزمة النائب العام، فلا فارق بين صراعات القوى السياسية، التي تحولت مواجهات سالت فيها الدماء مجدداً في التحرير، وبين خلافات مؤسسات الدولة والرئيس وحزبه من جهة، والسلطة القضائية من جهة أخرى، والتي تحولت أزمة كبيرة كان يمكن تفاديها.
المؤكد أن مرسي لم يكن يتوقع أن يتبنى النائب العام هذا الموقف الصارم برفض قرار تعيينه سفيراً لمصر في الفاتيكان، ويبدو أن مستشاري الرئيس، وهم كُثر، اقترحوا عليه إعلان القرار عبر الإعلام من دون إبلاغ محمود بالأمر، كوسيلة لإحراجه والضغط عليه، وتصوروا أن النائب العام سيقبل بـ «جزرة» الفاتيكان، فكان رده أن قرر أن يكون طرفاً في الأزمة وليس ضحية لها، والتمسك بقانون السلطة القضائية الذي يحظر عزل النائب العام من جانب أي سلطة في الدولة سوى المجلس الأعلى للقضاء الذي يتولى محاسبة القضاء وأعضاء النيابات، بمن فيهم النائب العام إن وقع في خطأ جسيم يصل إلى درجة التعمد. ما جرى في التحرير أمس زاد المسافة بين التيار الإسلامي ومعه مؤسسات الدولة التي يحكمها من جهة، وبين باقي

القوى السياسية، وأزمة النائب العام تنذر بانهيار النظام القضائي كمقدمة لانهيار الدولة! آلية محاسبة القضاء والنائب العام وأعضاء النيابة موجودة في القانون لكن ليست من بينها تلبية مطلب شعبي بقرار يخالف القانون. وبدلاً من أن تدير القوى السياسية خلافاتها في حدود مصالح الوطن، تعاركت وتناحرت وتقاتلت في ميدان الثورة، وبدلاً من أن تدار معركة عزل النائب العام بسلاسة ومن دون خروج على القانون وبأساليب تحقق مطلباً شعبياً، باستبعاده من دون صدام مع القضاة، تحولت أزمة جديدة لبلد لم ينج منذ سنة ونصف، بينما المصريون كانوا يتصورون أن آخر أزماتهم انتهت بإطاحة نظام مبارك!
يحتاج الرئيس مرسي إلى مناخ آخر غير ذلك الذي يعمل فيه الآن يمكنه من طرح رؤى على الناس وبرامج تحقق مطالبهم، لكن المصيبة أن معارضيه يعتبرون وجوده هو المشكلة، بينما حزبه وجماعته يعتبرون أن معارضيه هم الأزمة و «المشكلة»! عموماً، فإن مرسي هو الرئيس والشعب ينتظر منه مبادرات تعيد إلى الشارع هدوءه وإلى الميدان وحدته وإلى القضاء الثقة فيه. ودور جماعة «الإخوان» وحزب «الحرية والعدالة» وباقي القوى المناصرة للرئيس، أن تساعده على خلق هذا المناخ وليس تأجيج الصراعات أو تفجير الأزمات. كانت كل القوى الثورية تتهم دائماً طرفاً ثالثاً بافتعال المشاكل ونشر الفوضى والاعتداء على الثوريين، وهي كانت تقصد بالطبع أتباع النظام السابق، وبالأمس غاب الطرف الثالث وحضر «طرف رابع» هو خليط من كل القوى الفاعلة على الساحة. حضروا جميعاً إلى الميدان وفي الخلفية أزمة النائب العام وقضية «موقعة الجمل» وسالت الدماء وشاهدها الملايين على الهواء، حتى لا يقول أحد في ما بعد إن الأدلة ضاعت، لكنهم جميعاً حين حضروا لم يأتوا بعقولهم معهم!
نقلا عن صحيفة الحياة