رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبدالغني يكتب :مرسي ليس «نبياً»!

شريف عبدالغني
شريف عبدالغني

أكتب هذا المقال بعدما أوصلت ابنتي للمدرسة. حينما كانت رضيعة كنت أنتظر يوم أن تكبر وتبدأ رحلة التعليم حتى أنشد لها مع صلاح جاهين ومحمد منير: «يا بنت يا أم المريلة كحلي.. يا شمس هلـة وطلـة من الكولة.. لو قلت عنك في الغزل قولة.. ممنوع عليّ ولا مسموح لي».

لكن يبدو أني كنت أبالغ في الحلم. البنت ذات الست سنوات تتألق بالفعل في زي المدرسة. تمتلئ مرحا وشقاوة. تشع فرحة تكفي لإزالة سفالات البشر في القاهرة: «لو كان بإيديا أمر العالم.. كنت أطفي نار حروبه الوالعة.. وأسمي كل عواصفه جنون.. وأخلي وجهك شمسه الطالعة». لكن حال المسكينة ينقلب حينما تحمل حقيبة الدراسة. جدول الحصص مشحون والمدرسات يشترطن إحضار كل الكتب والكراسات.. المهم منها وغير المهم. تبذل الطفلة مجهودا مضاعفا حتى تحمل «الحمولة» على ظهرها الضعيف. ترفض أن يساعدها أحد لإثبات أنها كبيرة وعلى قدر المسؤولية. وهي تمشي أسمع أنفاسها تلهث وكأنها تتدرب على «حمل أثقال» وليست ذاهبة إلى مكان يفترض أنه يحببها في تحصيل المعرفة.
منظر ابنتي هذا يكشف عن حال التعليم في مصر منذ مراحله الأولى. لا استراتيجية ولا هدف ولا فكر ولا فلسفة. يسيرون فيه بنظام موظفي الحكومة: «تظبيت الدفاتر»، فالطفل موجود، وحمولة الكتب على ظهره.. والمعلمة في الفصل.. والمدير في حجرته.. والسكرتيرة على مكتبها. الأهم أن «الشكل» مكتمل أما «الجوهر» فكل في شأن يغنيه. منذ بدء الدراسة وأنا أتشاجر يوميا في المدرسة. يستغلون فائض المدرسين ويوظفون الواحد أو الواحدة منهم بمبلغ تافه، والنتيجة أنها تحاول أن ينتهي عملها بأي شكل دون أن تبذل أدنى مجهود مع زهور بريئة لو لم تتم تنشئتهم بصورة سليمة في هذه السن فسيصعب التقويم مستقبلا. المعلمة تعتمد على أسرة التلميذة في كل شيء. تكتب ما تريد أن تعلمه للطفلة في كراسة المتابعة. ماذا تفعل المذكورة في الفصل.. العلم عند ربي.
لاحظوا أنني أتحدث عن مدرسة خاصة بمصروفات مرتفعة، فما بالنا بالمدارس الحكومية المكتظة بسبعين تلميذا في الفصل الواحد!
القصد من وراء الحكاية هو فقط توضيح مدى التركة الثقيلة التي ورثها الدكتور محمد مرسي عن سلفه المخلوع. هذا ملف واحد. فما بالنا بالباقي. يقيمون حاليا المشانق للرئيس بدعوى أنه لم يحقق برنامج الـ»100 يوم» الأولى من حكمه؛ حيث سبق وتعهد أثناء المعركة الانتخابية أن يحل في تلك الفترة مشاكل 5 قضايا ملـحة: «الأمن» و «المرور» و «الوقود» و «رغيف الخبز» و «النظافة». الرئيس صارح الشعب بالحقيقة في خطابه بمناسبة ذكرى انتصار السادس من أكتوبر. تكلم بالأرقام عما اعتبره تقدما في هذه الملفات وما رآه قصورا وأورد أسبابه. النسبة التقريبية التي أوردها لتحقيق نجاحات هي %60، لكن المواطن العادي يراها أقل بكثير. هذا أمر طبيعي بين حاكم ومحكوم. الجماهير تقول كلمتها وصاحب السلطة يحاول تحسين أدائه، وفي النهاية «صندوق التصويت» هو الفيصل عليه.
أما غير الطبيعي فهو تواصل حدة «التربص» بالرئيس. كنت أسمع خطابه وسط مجموعة من زملائي الصحافيين. مواقفهم منه معروفة. هم يغطون نشاط عدة وزارات. طالتهم الحمى السائدة في مصر بتحول الصحافي من مندوب لجريدته في الوزارة، إلى مندوب للوزارة في الجريدة. ينشر ما يرضي المسؤول ويلمّـعه، ويتحاشى كل ما يغضبه. طبعا هذا ليس لوجه الله، بل بمقابل.. ومقابل مغر جدا. إذن كانوا يودون بقاء الحال كما هو عليه، لذلك عارضوا الثورة من البداية، وخلال الانتخابات أيدوا تلميذ مبارك «أحمد شفيق» ضد «مرسي» لما نجح الأخير ظهروا وكأن على رؤوسهم الطير، لكنهم جزء

من منظومة وتجمع غير رسمي يضم كل من استفاد من عصر الفساد، ويعمل على إفشال الرئيس المنتخب عسى أن تأتي الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة بمن يعيد الأوضاع كما كانت عليه. أثناء الخطاب كانوا يسخرون حتى من الآيات القرآنية التي يستشهد بها. يقولون: «ينفع خطيب جامع مش رئيس دولة». في تركيا كان حضور مؤتمر حزب «العدالة والتنمية» يصفقون بحرارة لـ «مرسي» وهو يتحدث أمامهم كلما استشهد بآية من القرآن.
بعد انتهاء الخطاب، انهالت فضائيات رجال الأعمال ذبحا في الرئيس. استضافت -كما اعتادت- مجموعة من منظري الاستديوهات يمثلون وجهة نظر واحدة. أحدهم قال: كيف يتحدث «مرسي» عن قضايا الشارع وبالأرقام وكأنه رئيس مجلس محلي، وليس رئيس دولة مطلوب منه أن يتناول خططا عامة واستراتيجيات. هو في كل الأحوال لا يعجبهم. لو تجاهل هذه القضايا والأرقام لقالوا إنه يضحك على الشعب، ويخفي عنه حقيقة ما تحقق في برنامج الـ «100 يوم».
بعدما أوصلت ابنتي للمدرسة كان بائع الصحف القريب من المكان يرص بضاعته على الأرض. لمحت العناوين التالية: «مرسي» يتلاعب بالجماهير وأرقامه مضروبة. «مرسي» يكـرّم «السادات» الذي قتله رفاقه الجهاديون. «مرسى.. فشل تصنيع رئيس».
هذه فضلا عن مقالات يؤكد أصحابها أن الرئيس فشل فشل ذريعا في حل مشاكل الدولة. هؤلاء يتناسون أن مبارك حوّل مصر إلى «خرابة» حسب تعبيره نفسه كما أورد الأستاذ حسنين هيكل في كتابه الأخير. لقد سبق وكتبت في عدد الجمعة 13 أغسطس 2010 في هذه المساحة حينما اشتدت المعركة أثناء حكم المخلوع بين المروجين لتوريث السلطة إلى جمال مبارك، والمبشرين بالدكتور محمد البرادعي: «إن حاكم مصر المقبل سيرث تركة ثقيلة جدا، فلا البرادعي ولا جمال يستطيعان حملها. في أميركا يسأل المواطن زميله: أنت «جمهوري» أم «ديمقراطي»؟ نسبة إلى الحزبين الكبيرين هناك، أما في مصر فالسؤال: أنت «أهلاوي» أم «زملكاوي».. «فشل كلوي» ولاّ «فيروس سي».. «مرتشي» أم تستدين.. ولذلك فلا البرادعي سيشفع ولا جمال سينفع في مواجهة هذا كله».
وتابعت: «مصر بحاجة إلى «نبي»، يقيم مجتمعا جديدا خاليا من الأمراض والفساد والجهل والخرافة. يعيد المصري مسالما لا مستسلما.. شجاعا لا خانعا.. قائدا لا خاضعا.. ابتداعيا لا اتباعيا».
إذن محمد مرسي ليس نبيا. هو بشر سيصيب ويخطئ، ولا يملك عصا سحرية لتجميل بلد حمل مبارك وأسرته على عاتقهم مهمة تشويهه!!
نقلا عن صحيفة العرب الكويتية