رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وليد شقير يكتب:أوراق إيران: من الهجوم إلى الدفاع

وليد شقير
وليد شقير

قلما أقرت إيران بمواجهتها صعوبات، أو بأن لديها نقاط ضعف، أو بأن خططها في المنطقة تتعرض للانتكاس نتيجة اتساع جبهة الخصوم الذين يتضررون من هذه الخطط، واعتبرت على الدوام أن امتلاكها عدداً كبيراً من الأوراق مدعاة افتخار وقوة جعلها في موقع الهجوم في السنوات الأخيرة.

إلا أن قول المرشد الأعلى للثورة أول من أمس، لمناسبة حديثه عما يسبّبه الانهيار في سعر صرف الريال الإيراني من احتجاجات في الشارع، إن العقوبات على بلاده «بربرية، وإنها حرب على أمة»، يسمح بالاعتقاد بأن طهران انتقلت من حالة الهجوم عبر الإنجازات الإقليمية والنووية التي حققتها، الى حالة الدفاع.
وإذا كانت دول الغرب توقعت قبل زهاء عشرة أشهر، أن تبدأ تداعيات الدفعات الأخيرة من العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران بالظهور في الخريف الحالي، فإن طلائع هذه التداعيات أخذت تتفاعل مع الانهيار الأخير في قيمة العملة الإيرانية، والذي بلغت نسبته على مدى الأشهر الماضية زهاء 72 في المئة.
أخذت صحف الغرب تتحدث عن «غرق» الريال الإيراني، وعن اقتراب انهيار الاقتصاد. وبقدر ما يبدو هذا الاستنتاج مستعجلاً، بقدر ما ظل المسؤولون الإيرانيون يمارسون سياسة المكابرة على الصعوبات، كما لو أنهم ما زالوا في حالة الهجوم لا الدفاع، التي من الواضح أنهم انتقلوا اليها بسبب عوامل عدة، أبرزها اندلاع الأزمة السورية وبلوغها مرحلة اللاعودة التي تشهد عليها وقائعها الميدانية والسياسية، فطهران دأبت على القول منذ بدأ فرض العقوبات الغربية عليها بسبب برنامجها النووي قبل قرابة 6 سنوات، إن هذه العقوبات جاءت لمصلحة الشعب الإيراني، لأنها دفعته للاعتماد على نفسه، فطوّر الصناعات العسكرية والتكنولوجية وحقق شبه اكتفاء ذاتي غذائي وحياتي.
إلا أن الأرقام تقول إن تراكم هذه العقوبات على مدى السنوات الماضية وتأثر الإيرادات الإيرانية بحزمتها الأخيرة التي تتناول تصدير النفط الذي تعتمد عليه بنسبة 80 في المئة من موازنتها، أخذ يترك آثاراً موجعة، جعلت المرشد هذه المرة يقرن الاعتراف بأن العقوبات قد تُحدث مشاكل بتوقّع انهيار اقتصاد الدول الأوروبية، متجاوزاً التفاوت الهائل بين امتلاك هذه الدول آليات التعامل مع أزماتها، وأبرزها علاقات التعاون بعضها مع بعض، وبين افتقار بلاده للآليات، وأبرز وجوهها اقتصار علاقاتها على عدد محدود جداً من الدول المحيطة بها، التي قد تعينها على تجاوز أي تأزم اقتصادي إيراني.
كان يمكن أن تكون العقوبات على طهران أقل إيلاماً لولا التوظيف السياسي المالي المكلف، الذي بات يستنزف قدراتها الإستراتيجية داخلياً وإقليمياً، إنْ في برنامجها النووي أو في الأزمة السورية، فالقيادة الإيرانية اضطرت الى الانتقال الى السياسة الدفاعية لمنع سقوط ورقتها الثمينة، أي النظام السوري، بشكل مباشر عبر وجود مباشر على الأرض السورية بدءاً من قائد فيلق القدس الفريق

قاسم سليماني، وعبر زجّ «حزب الله» في معارك هنا وهناك داخل سورية في شكل يضعه تحت المجهر ويدفع بيئته الحاضنة في الطائفة الشيعية الى التململ من إقحامها في صراع له انعكاسات على علاقاتها المستقبلية ويهدد ما حققته الى الآن من انجازات.
وفضلاً عن أن وقائع الربيع العربي أخذت تعيد الى واجهة الأحداث أدواراً عربية كان انكفاؤها سبباً للتقدم الإيراني، لملء الفراغ، فإن مجريات الأزمة السورية نقلت العلاقة الإيرانية – التركية من دائرة التعاون الإقليمي على مواجهة الأزمات التي سمحت لأنقرة بأن تلعب دور الوسيط في الملف النووي الإيراني مع الغرب، الى دائرة التنافر والتناقض في المصالح والأهداف.
وفضلاً عن أن طهران باتت في موقع الدفاع عن أكبر ترسانة صواريخ وصناعات عسكرية أقامتها على الأرض السورية بالتعاون مع نظام الرئيس بشار الأسد، بنتها لتكون قاعدة سياستها الهجومية في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن هذا الاستثمار الأمني والعسكري والمالي الكبير هو ما يبرر مساندتها الشرسة لبقاء النظام.
اضطرت طهران الى الانكفاء عن أفغانستان وتقليص تورطها فيها وفي بعض دول آسيا الوسطى توفيراً للمال، الذي تنفقه على الجبهة الشرقية وفي سورية تحديداً بعدما وفرت عليها دعم حركة «حماس» التي خرجت من دائرة نفوذها بعد أن أيدت انتفاضة الشعب السوري. وباتت في موقع المتهم في اليمن بعدما أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي تباعاً عن اكتشاف 6 شبكات تجسس إيرانية. وثمة من يعتبر أن اتجاه العراق الى صفقة السلاح الضخمة مع روسيا يعني عودة موسكو الى بلاد الرافدين لملء فراغ الانكفاء الأميركي، بل تمهيداً لتقاسم النفوذ مع طهران التي ملأت هذا الفراغ أصلاً.
باتت طهران تحتاج الى إعادة ترتيب أوراقها بما يتناسب مع حالة الدفاع، لا الهجوم، قبل أن تنهار كلها مع الوقت.
نقلا عن صحيفة الحياة