رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبدالغني يكتب:أنا و"البلطجية" و"مرسي" المنقذ!

شريف عبدالغني
شريف عبدالغني

هناك قطاع معتبر من المصريين يؤمنون بنظرية "المنقذ" أو"المخلص"، ينتظرون من ينشلهم من الفقر والمرض وقلة الحيلة والعجز، إلى عالم أرحب وحياة أكثر سعة. وحبذا لو كانت الحياة الجديدة التي يتطلعون إليها تكون بلا أعباء أو عمل، "أكل ومرعى وقلة صنعة" حسب المثل الشعبي الذي يحفظونه عن ظهر قلب.

قد تكون عصور الاستبداد الطويلة التي عاشوا في ظلها سببا في هذا التفكير، يريدون الراحة بعد عناء، إنهم أقدم شعب محكوم على ظهر الأرض، تفتحت عيونهم على الحاكم "نصف الإله"، لم تختلف هذه النظرة تجاه صاحب السلطة من أول "أحمس" موحد القطرين حتى "مبارك" أبي الولدين، لا وسيلة هرب من المعاناة اليومية والأزمات المعيشية سوى الاحتماء بالخيال. في قريتنا حتى السبعينيات من القرن المنصرم لم تكن توجد مدارس، من يخرج عن الدائرة ويستكمل تعليمه ويقيم في القاهرة لم يعد يمثل نفسه فقط، إنه سفير لأهله في العاصمة، يذهب إليه من يحتاج وظيفة، ويقضي ليلته عنده من يتأخر في المدينة، و "المزنوق" في زواج ابنته ينتظره عند أول زيارة للقرية وبعد مقدمة طويلة عن الحال والأحوال والظرف والظروف، يطلب منه "سُلفة" لـ "ستر" البنت، في النهاية تتحول السُلفة إلى "هبة" لا ترد.
بعد عقود من فساد وديكتاتورية وتسلط نظام مبارك، عادت نظرية "المنقذ" لتسيطر على تفكير قطاعات عديدة تجاه الرئيس "محمد مرسي"، إنه -كما يعتقدون- الحضن والمأوى والمستقر والمنتهى لحل تلال مشاكل ورثها عن "المخلوع"، هو "المتدين" الذي يعرف ربنا فيناجيه لتنفرج الأحوال "القروي" الذي يحس بالغلابة فيدس يده في جيبه ويعطي السائل والمحروم والموظف الذي بدأ يثور بعدما لاحت بوادر خطر انتهاء عصر "الرشاوى"، الرفاق حائرون، يتهامسون، يتساءلون في جنون: "مرسى" لمن يكون؟!
التظاهرات "الفئوية" تملأ مصر حاليا، إنها حق مشروع، لكن السؤال: هل ظلم 30 عاما يمكن وضع حد له بين يوم وليلة؟ وكيف أطالب بمزايا وأنا لا أقوم أصلا بعملي وأغلق المصنع أو الشركة، وأضرب عن العمل وأقطع الطرق، وأحلف يمين طلاق على الحكومة أن تكافئني على إنجاز لم أحققه؟
شاء حظي أن يكون جيراني من نفس عينة منتظري "المنقذ"، يريدون من يحل لهم مشاكلهم وهم جالسون في بيوتهم مرتاحين، مرحرحين. عند أي مواجهة يصدرون غيرهم إلى مقدمة الصفوف، وحين تحتدم المعركة يكونون أول من يقول "يا فكيك"، يرفعون شعار "إذا دنا السلم دنونا.. وإذا دنت الحرب ما تلاقينا".
أصل الموضوع هو غياب "هيبة الدولة المصرية"، مخطئ من يقول إن المرحومة الهيبة راحت بعد ثورة 25 يناير، الصحيح أن رقابة الدولة غائبة من أيام مبارك، التجار في الأسواق يفعلون ما بدا لهم ويرفعون الأسعار دون تدخل أي مسؤول، والمخالفات أشكال وألوان في كل الجهات. كتبت في أيام "المخلوع" في هذه المساحة أن عبارة أحمد السقا الشهيرة في فيلم "الجزيرة": "من النهاردة مفيش حكومة، أنا الحكومة" هي السائدة في الشارع المصري.
في تغريبتي إلى القاهرة، استقر حالي في مكان يذكرني بالريف وأيام القرية الخوالي، الشرفة تطل على حقول خضراء على أطراف شارع الهرم الشهير، المنظر يسر النظر ويبهج القلب، من بعيد تطل أهرامات الجيزة الثلاثة لتعيدك إلى زمن يجعلك تفخر بمصريتك، المشهد يتحول ليلا إلى لوحة جمالية حيث تتلون الأهرامات بألوان مختلفة بعد تشغيل عروض "الصوت والضوء" على سفحها، لكن في مصرنا دوام الحال من المحال، والقبح الذي رعاه نظام فاقد للذوق ولا يهتم بأرواح الناس من الطبيعي أن يمتد إلى كل شبر في البلد، ما حدث أن عمليات بناء عشوائية وبدون تراخيص بدأت على هذه الحقول دون أن يهتم وزير ولا خفير، تحولت المساحات الخضراء الغناء إلى أبراج أسمنتية مشوهة، المفروض أن المنطقة لا يزيد عدد الارتفاعات بها عن 6 طوابق، لكن المخالفين ارتفعوا بأبراجهم إلى 12 طابقا، فحجبت الأهرامات التي أبدعها الأجداد، حتى الماضي ممنوع أن تحن إليه.
الدولة غابت عن هذه المأساة التي تهدد الحي بأكمله،

لو انهار أي برج من تلك الأبراج المخالفة ستكون كارثة، غياب الدولة طبيعي لغياب "الشعب"، لم يتحرك أحد من السكان، لم يشكُ فرد أو ينطق لسان، حتى المساحات القليلة الخالية التي ظلت أرضا فضاء بين هذه الأبراج أبى أصحابها أن تظل دون أن تسبب أضرارا، أحدهم حولها بالمخالفة للقانون إلى مستودع مواد بناء: "أسمنت، جير، رمل، طوب"، تحول هواء المنطقة إلى غبار يستحيل معه أن تطلب حق اللجوء إلى "الشرفة" لو دخلت في حرب أهلية مع زوجتك.
تكلمت مع الجيران، كلهم استنكروا، نددوا، شجبوا هذا التصرف، أكدوا أنهم لن يسكتوا وحتما ولا بد من اتخاذ موقف. واضح أنهم مغرمون بمشاهدة اجتماعات الجامعة العربية، لقد اختفوا بعدما أقسموا باتخاذ موقف، لم أسكت، عملت فيها "عنتر شايل سيفه"، شكوت الرجل لمحافظ الإقليم، عرف المشكو في حقه بالأمر، لم يهمه محافظ أو حتى رئيس، هو يعلم أن الدولة لا تفعل شيئا، يدرك جيدا أن المحافظ يمكن أن يصدر قرارا بإزالة "المستودع" لكن لا توجد أجهزة تنفذ القرار، لذلك لم يهتم وأخرج لسانه للجميع، وهدد من يعترض طريقه مستعينا بمجموعة منتقاة من "البلطجية" يعملون معه، وقال: "اللي عاجبه على كده أهلا وسهلا، واللي مش عاجبه هطلع أرميه من البلكونة، المفروض المواطن يكون محترم ويعيش في حاله".
فر الجيران، اختبؤوا أمام تهديده، لا أحد بجانبي، لكني تذكرت "أحمد" المقيم في آخر طابق، لقد سبق أن هدد "البواب" بأن يطلق عليه النار إذا لم يسمع كلامه، هو ابن عضو مجلس شعب سابق ويفخر برجال عائلته الذين يأكلون الزلط، إذن هذا من يصلح للتعامل مع صاحب المستودع و "بلطجيته" و "يوريهم النجوم في عز الظهر".
حكيت له تهديد الرجل للسكان، فهاج وماج واستنكر أن يحدث كل هذا دون أن يعلم بالأمر، وقال لي مطمئنا: "سيب الموضوع ده عليا، أنا هروح للحيوان ده وهعلمه الأدب كويس، وأضربه بالجزمة عشان يمشي". نمت يومها هادئ البال وأنا واثق أن نهاية "البلطجية" آتية لا ريب فيها على يد "أ" الشرس، صحوت ونظرت من الشرفة فإذا بالمستودع قائم وصاحبه وبلطجيته يمرحون أمامه.
ذهلت، جريت مسرعا إلى جاري: يعني الراجل زي ما هو مع صبيانه، مش قلت هتعلمهم الأدب؟
أجاب: حصل فعلا، رحت لهم في عقر مستودعهم، وقلت لهم إن أبويا كان محامي كبير، وأنا قرأت كل كتبه، وكلها تؤكد إن اللي أنتو بتعملوه ده مخالف للقانون!!
كتمت في سري لفظا قبيحا لم أجد غيره لأرد به عليه، ومن يومها قررت الهجرة من العمارة، وحبذا لو من مصر كلها!!
نقلا عن صحيفة العرب القطرة