رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محجوب محمد صالح يكتب:ثم ماذا بعد الاحتفاء الكبير باتفاقات أديس أبابا؟

محجوب محمد صالح
محجوب محمد صالح

احتفى المجتمع الدولي والإقليمي، كما احتفى السودانيون بالاتفاقات التي وقعها السودان وجنوب السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي، باعتبارها إنجازاً كبيراً يمكن أن يحقق السلام والاستقرار بين الدولتين المتجاورتين لو تم الالتزام بتنفيذه تنفيذاً كاملاً وبنية حسنة، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه البلدين لأنه من السهل توقيع اتفاقات جيدة الصياغة والاحتفاء بها احتفاءً كبيراً ثم يتعثر التنفيذ وتظل الاتفاقات مجرد أوراق مهملة في أضابير الدولتين كما حدث من قبل.

ثمة ظروف موضوعية تجعل الكثيرين يتوقعون أن يكون الالتزام بالتنفيذ هذه المرة جاداً من الطرفين -أو على الأقل أكثر جدية- من المرات السابقة التي شهدت اتفاقات توقع دون أن تكون لها أية نتائج على الأرض، المتفائلون اليوم يرون أن ثمة متغيرات تفرض على الطرفين الالتزام بالتنفيذ ولعل أهم تلك المتغيرات هي:
أولاً: الموقف الاقتصادي المتأزم في كلا البلدين والذي فرض على مواطني البلدين أعباء فوق طاقتهم والحكومتان تدركان مدى الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي قادت إليه الأزمة المالية وأن انفجار الغضب الشعبي المكبوت يشكل تحدياً حقيقياً للنظامين.
ثانياً: هذه الاتفاقيات تم التوصل إليها نتيجة ضغوط قوية ومتواصلة مارستها القوى الإقليمية ممثلة في الاتحاد الإفريقي وضغوط دولية قادها مجلس الأمن ووصلت مرحلة التهديد بعقوبات على أي طرف يتسبب في إفشال المفاوضات وتطبيق المادة (41) من الفصل السابع عليه، وفوق هذا مارست دول كبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين ضغوطاً متصلة كان بعضها علنياً والكثير منها وراء ستار وما زال سيف التهديد بالعقوبات مشهراً.
ورغم صحة هذا التحليل فإن (الحالة السودانية) ظلت دائماً قادرة على إحداث مفاجآت وإدارة الأزمات بأساليب يستعصي فهمها أو إخضاعها لأي منطق ويظل (غير المعقول) و(غير المتوقع) دائماً وارداً ومحتملاً ولذلك نتوقع أن تكون هناك مراقبة إقليمية ودولية لصيقة لمسار التنفيذ حتى لا يتحلل أي طرف من التزاماته.
وعلى فرض أن الطرفين قد تصرفا بعقلانية ونفذا التزاماتهما بجدية ونية حسنة فإن الاتفاقات يمكن أن تحدث تغييراً راديكالياً في علاقة البلدين وتنتقل بها من مربع المواجهات والتهديد بالحرب إلى مربع التعاون وحسن الجوار والعلاقات التكاملية التي تصب في مصلحة الشعبين، كما أن التحسن الذي سيطرأ مع التنفيذ الكامل قد يخلق أجواء مواتية لإدارة التفاوض حول القضايا التي ما زالت عالقة بقدر أكبر من المرونة والتنازلات المتبادلة، لأن القضايا العالقة هي الأخطر وهي الأكثر تعقيداً والفشل في علاجها من شأنه أن ينسف كل المكاسب التي حققتها الاتفاقيات الحالية.
القضايا العالقة هي مجملها (قضايا حدود) وقضايا الحدود بطبيعتها حساسة ومعقدة وتثير كثيراً من المواقف العاطفية المتفجرة وهي في كل أنحاء العالم من المشاكل المرشحة لإثارة الحروب تمس بصورة مباشرة مصالح مجموعات كبيرة من السكان على جانبي الحدود.
وقد قلت في مقال سابق في هذه الزاوية إنني لا أتوقع أن يحدث اختراق في قضايا الحدود خلال الجولة الماضية وهذا هو ما حدث بالفعل إذ انتهت الجولة وما زالت تلك القضايا عالقة ولا أتوقع الوصول إلى حل لها في جولة أو جولتين قادمتين وليستعد مجلس الأمن بعد أن يحتفي باتفاقات الأسبوع الماضي لأن يهيئ نفسه لجولات وجولات قادمات إذ لا يلوح في الأفق ما يشير إلى قرب الوصول لحلول سريعة، ولكن من المهم محاصرتها بحيث لا تفسد الاتفاقات التي تمت.
قضية أبيي يحكمها بروتكول لم يكتبه طرفا صراع إنما صاغه المبعوث الرئاسي الأميركي السناتور دالفورث وفرضه على الطرفين دون تعديل أو تبديل وقصد أن يتسم الاتفاق (بالغموض) لكي يجيزه بقبول الطرفين والاستفتاء الذي تضمنه البروتوكول من المستحيل أن يصل الطرفان إلى اتفاق حول أهم أركانه المتمثل في السؤال (من يحق له التصويت في استفتاء أبيي) وليتذكر مجلس الأمن أن نفس هذا السؤال واجه بعثته المسؤولة عن حل مشكلة الصحراء الغربية التي حاولت عبر عقود من الزمان الوصول لإجابة متفق عليها لهذا السؤال ولم ينجح حتى ذلك المسعى الآن!
حرفية القوانين والبروتوكولات لن تساعدنا على حل مشكلة أبيي ولا مشكلة الميل (14)، والمطلوب من المتفاوضين توجه جديد، البحث عن حلول (انتقالية) وسياسات تكاملية لمثل هذه المناطق تصمم لخدمة ومصالح القبائل المتعايشة في المنطقة وتحافظ على الحقوق المكتسبة وتؤسس منطقة تكامل لمصلحة الجميع مع برنامج مكثف لتقديم الخدمات ولإحداث تنمية مستدامة كحافز لأهل المنطقة مع التنفيذ الفعلي لفكرة الحدود (المرنة) التي لا تعيق حركة أو توقف نشاطاً!
ولكن هل الأجواء مهيأة لمثل هذا التحول الجذري في المواقف الآن؟ دعونا ننتظر لنرى كيف يسير العمل في تنفيذ الاتفاقات التي وقعت سابقاً قبل أن تقرأ طالع المستقبل!
نقلا عن صحيفة العرب القطرية