عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رضوان السيد يكتب:استباق المذبحة بعد وقوعها!

رضوان السيد
رضوان السيد

اجتمعت على الثورة في سوريا عدة عوامل ومصادفات، بحيث جعلت منها مأساة خالصة أو مطلقة. فمن جهة أولى، ما بدأت الثورة مرة واحدة، بحيث استطاع النظام الرمي بثقله هنا وهناك وهنالك، وبمنتهى العنف والقسوة منذ اللحظة الأولى.

ومن جهة ثانية فإن الأرياف - باستثناء حمص ودرعا - ظلت البيئات الرئيسية للثورة. وفي الأرياف نفسها فإن القرى ما كانت تثور مرة واحدة، بل ينتقل الأمر من قرية أو بلدة إلى أخرى عبر عدة أسابيع. ومن جهة ثالثة فإن الثوار كانوا مصرين على «السلمية» وعدم حمل السلاح - إذا وجد - لنحو ثمانية أشهر، مسترشدين في ذلك بنموذجي تونس ومصر، بل واليمن. ومن جهة رابعة، فإن «محرم» عدم قسمة الجيش صمد لنحو العام باستثناءات قليلة. وهو عندما تحطم ظل العسكريون المنشقون محليين بحسب ظروف المناطق والضباط، وتوافر السلاح والقدرة على الصمود باللجوء إلى المناطق الوعرة، وانتهاج أسلوب الكر والفر تارة، أو حماية المتظاهرين تارة أخرى. ولا تزال كتائب الجيش الحر وألويته موزعة ومتناثرة دونما تنسيق كثير في ما بينها. ومن جهة خامسة، فإن مسلحي التنظيمات والمتطوعين هم أقل تنسيقا في ما بينهم من كتائب وألوية الجيش الحر. وقد تأثر ذلك كله بالطبع بالقدرات المحدودة على الحركة، وصعوبات الحصول على السلاح والذخائر. وقبل ذلك وبعده باندفاع النظام وجيشه في القتل بحيث تردد ويتردد كثيرون في التمرد بالنظر إلى ما سيصيبهم ويصيب عائلاتهم سواء أكانوا ضباطا وجنودا أو مدنيين.
وقد توافرت للنظام فترة للاستعداد بعد نشوب الثورات بمصر وتونس وليبيا. فقد أعاد تنظيم قواته، وحشد الشبيحة الذين تلقوا الموجات الأولى للثورة. وخص بالحشد ثلاث فرق من الحرس الجمهوري والجيش، وسحب في ما بعد فرقتين من الجبهة مع إسرائيل، وفرقة من حدود العراق. ومنذ اللحظة الأولى بدأ الروس والإيرانيون يمدونه بالأسلحة والخبراء. ومنذ نحو العام تقاتل معه فصائل من الحرس الثوري، ومن «المتطوعين» العراقيين، ومن حزب الله. وقد قسمت المناطق بين هذه الجهات. وأمكن في الأشهر الأولى الاعتماد على سكون دمشق وحلب، في حين تردد الأتراك، وأعرض الأردنيون عن مساعدة الثوار، وبالكاد سمحوا بمرور بعض الذخائر والمعدات. وقد كان تحليل الروس أنه لا بد من قمع درعا وحمص بقسوة لتكونا مثلا للمدن والبلدات الأخرى. ولذا فقد جرى التفكير باعتبار حمص وبابا عمرو نموذجا لما يمكن أن يحدث لمن يثور أو يتظاهر أو يحمل السلاح. والذين صمدوا بالأحياء الداخلية بحمص ما كانوا من الجيش السوري الحر، وقد جرى لوم من بقي على قيد الحياة منهم، لإتاحتهم الفرصة بصمودهم الأسطوري للنظام لكي يعرض عضلاته وقدراته على الذبح بالأسلحة الثقيلة دونما خسائر كبيرة من جنوده!
لقد تغير الوضع الآن، بل ومنذ ستة أشهر، لوصول الثورة إلى دمشق وحلب. وازدياد قدرات الجيش الحر التسلحية، وقدراته الميدانية، والقدرة على التواصل والاستكشاف، بيد أن الخسائر ازدادت زيادات هائلة، والأوضاع الإقليمية والدولية لم تتغير كثيرا. فالروس صمموا منذ البداية على أن يلعبوا دور الشريك الكامل للنظام في المواجهة، متحججين بما حصل في ليبيا من جانب أميركا والأوروبيين، ومتحججين بالتصدي لهيمنة الولايات المتحدة. وعندما تبين للجميع أن الولايات المتحدة ليست بصدد التدخل لإسقاط النظام السوري، انصرف الروس للتحجج بضرورات الحل السياسي أو تحدث حروب طائفية. أما الإيرانيون الذين وقع عليهم العبء الأكبر - هم وحلفاؤهم – في دعم نظام الأسد بالمال والرجال والسلاح، فلا يزالون يعتبرون علنا أن سلاح الثوار ومالهم آتٍ من أميركا وإسرائيل!
ومن المراقبين من يعتبر أن الاستماتة الإيرانية في دعم بشار الأسد آتية من أنهم لا يريدون أن يفقدوا استثمارهم الرئيسي في مناطق النفوذ في سوريا ولبنان، كما لا يريدون أن يتهدد العراق. أما الواقع فهو أن النخبة الإيرانية من حول خامنئي من الحرس الثوري، ومن ولاة مناطق النفوذ، لا تزال في السلطة ومواقع القرار، وهي تخشى الفشل إن ضاعت ساحة أو ساحتان، لما يعنيه ذلك من إمكان حدوث مراجعة

داخلية شاملة، ستطال رؤوسا كبيرة إن لم تنَل من خامنئي نفسه. ولذا صرح علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي قبل أيام بأن محور المقاومة سوف ينتصر. وكان نجاد قد صرح بأن المهدي يقاتل مع بشار الأسد. وقال خامنئي لرئيس الوزراء السوري إن محور المقاومة سينتصر على المقاتلين الممولين من أميركا وإسرائيل.
وهكذا، وبالتساوق مع استمرار المساعي الدبلوماسية التي ينبغي أخذها بالاعتبار، لعدة جهات: لجهة تقديم المساعدات للشعب السوري، وللثورة السورية بقدر ما تسمح به التوازنات، ولجهة الإصرار على استدعاء المنظمات الدولية على طوال الخط، ولجهة التقليل من معارضة المعارضين لمساعدة الثورة بالسلاح، ولجهة النظر في إيجاد حلول مؤقتة للنازحين المتزايدي العدد. أما الواقع فهو أن الأزمة بكل ثقلها ومسؤولياتها عادت إلى كواهل العرب وصدورهم. وقبل أشهر ما كان لدينا غير دول الخليج، أما الآن فلدينا مصر أيضا. وقد تأخرت مصر كثيرا حتى اتخذت موقفا واضحا: ضرورة توقف سفك الدم، ولا طريق لذلك إلا إزالة بشار الأسد ونظامه. لكن مصر دخلت أيضا في المبادرة الرباعية التي تضمها إلى إيران وتركيا والسعودية.
وما أعجبت الفكرة السعوديين، لكنّ المصريين والأتراك أصروا على ضرورة دمج إيران في الحلول، كما هي مندمجة في أصل المشكل. ولا فائدة من الجدال في جدوى ذلك الآن وغدا. لكن مصر يكون عليها الموافقة على مجموعة عربية أو خلية تشاورية للأزمة، بعد أن لم تعد هناك بدائل أخرى في المدى المنظور. لقد نطقها أمير قطر: لا بد من التدخل العربي السياسي والعسكري لوقف حمام الدم، ونصرة الشعب السوري وجودا وإرادة. والتصور أن تكون لخلية الأزمة هذه وظيفتان: مساعدة الثوار بشتى الوسائل، بحيث يبدو ذلك في موازين القوى بالداخل، في مقابل الدعم الإيراني والروسي والعراقي ودعم حزب الله والإعداد السريع لتدخل عسكري في صيغة قوات سلام عندما يدنو سقوط النظام، لمنع استمرار الفوضى المحتملة من جهة، والحيلولة دون التداعيات على لبنان والعراق والأردن من جهة أخرى. ومن يعتبر الحل العربي أمرا غير ملائم، لأن في ذلك إعفاء للمجتمع الدولي من مسؤولياته، فليقل لنا ماذا ينبغي فعله إذن. هل نستمر في انتظار الولايات المتحدة، أم نستمر في الاعتماد على رحمة الأسد وسليماني؟!
إن التدخل العربي حتى لو حصل الآن سيكون تدخلا لمنع المذبحة بعد وقوعها أو بعد خراب البصرة كما يقال. لكن عربيا لن يغفر لنفسه البقاء لمزيد من الأسابيع والشهور على هذه الحال! وصدق الله العظيم حيث يقول: «قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ».
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط